سأعود بعد قليل

ليلة الزفاف الحزينة

لقد كنت في الحقيقة ابدو كأي إنسان طبيعي، يمارس روتينه اليوم بطبيعية، يتعايش مع الواقع برضا، أقوم بواجباتي كزوجة وأم بأعلى قدر من المسؤولية .. حتى تأتي تلك اللحظات اللعينة التي تعيدني إلى ذلك المشهد الذي لم يغادر ذاكرتي منذ سنين ..

لقد انتظرتك هناك على عرشنا الذهبي لساعات، بفستاني الابيض وطرحتي البيضاء وحظي الأسود. عندما بدأت الصالة تفرغ شيئاً فشيئاً من المعازيم، نظرات القلق، الخيبة، الهمسات .. الحركات التي كانت تبدو مريبة والرسائل التي كان الناس يتبادلونها في صمت فيما بينهم!!

تحولت مواد التجميل الو دموع سوداء ودم احمر يقطر من كل صوب، تلك الليلة التي كان مقدراً ان تكون أجمل ليلة في حياتنا تحولت إلى كابوس لعين.

منذ ذلك اليوم لم يصل عنك أي خبر.. في الحقيقة إنني لا أبرر لك سبب زواجي بهذا، ولن أكذب عليك بقولي أن أهلي أجبروني، لكن كان ذلك الزواج هو مفتاح الاسر الذي كنت اعيش فيه، كان ثمن الرحلة التي دفعتها لأجل أن أشتري هوية لاجئ بعيداً عن الموت والخوف!

هل تذكر عندما التقينا هناك في تلك الحديقة التي كانت تعج بالزوار، وكان حينها الصمت يطبق عليها .. قلت لي أن البلد على كف عفريت وأن النار التي ستصل إلينا ستحرق الأخضر واليابس .. شعرت بانقباض في قلبي يومها، وضعت يدي في يدك وقلت لك بأنه مجرد صمت وشيء من الحذر والارتياب .. ابتسمت لي ابتسامة مخادعة محاولاً طمأنتي وقلت لي أن الحرب ستكون شنيعة لكننا سننجو وبأنك ستبقى تحميني حتى آخر نفس !!

لا أدري إن كان من المهم أن أخبرك بهذا، لكنني أشعر بذلك .. لقد كانت أمي معارضة لزواجنا منذ البداية، كانت تقول لي دوماً بأنها ترى في الفنجان أن مصيرنا معاً أسود وأن نهايتنا ستكون في بدايتنا .. دفعتني لاتزوج بعدك من رجل غريب، لم تقرأ فنجانه يوماً لأنها كانت تخاف أن يكون له نفس المصير، لكنها كانت تخاف أن يمضي الوقت وتجد ابنتها عانس!!

مرور الوقت وانقلاب الموازيين

أعرف كم أنك تكره هذه المصطلحات، وأن وقعها على أذنك يأذيك، لكنه مصطلح مايزال متداولاً قي مجامعاتنا، بالمناسبة .. هل تذكر ابنة عمك التي حاولت الانتحار عندما سمعت أنك ستتزوج .. لقد باتت عانس!!

لقد أخبرتني أمك بذلك منذ عدة أشهر، إن نلتقي كثيراً مصادفةً في متجر العرب!!

لقد أجبرها إخوتك على السفر، بينما بقي أبوك هناك ينتظرك وبقي عقلها وقلبها كذلك!! إن زوجة أخيك الساحرة المجنونة تقول عن المرأة المسكينة أنها خرفت، وتشيع في الاوساط أنها مصابة بالزهايمر !!

لقد بدت غريبة في آخر مرة التقينا فيها، لقد أخذتني في حضنها وقالت لي بصوت مرتفع أنني زوجة ابنها المفضلة ..

لقد خجلت كثيراً يومها، رمقني زوجي بنظرة قاسية، بعدها تناقشنا بحدة .. كان علي أن أبرر قولها بأنها امرأة مجنونة ومريضة .. كان على أن أدافع عن نفسي ضد جريمة لم أرتكبها!

كثرت أسئلته بعدها كثيراً عنك، رجل مغفل .. لقد أصبح يهذي بأشياء كمثل أنك خرجت من المعتقل حياً بعد كل هذه السنين وأنني عدت أتواصل معك، إنه لا يدري أنني أفعل هذا كل يوم.. يتهمني بالخيانة بطريقة غير مباشرة !!

الحمدلله أنه ليس شغوفاً بالقراءة لأنه لو قرأ مذكراتي يوماً لعرف كم خنتك في ذاكرتي معه خلال كل تلك السنين .. لكنني مطمئنة إلى الحد الذي لا أخفي فيه دفاتري عنه لأنني أعلم أن رجلاً مثله آخر ما قد يلفت انتباهه هو دفتر وقلم!

إن كل ما يعنيه هو سيجارة, مباراة، حديث سياسي مقيت بلا أرجل ولا ذراع .. الجميع يتبجح بالسياسة بيد أنهم لا يعرفون عنها شيء، يخلطون بين الزيت والماء ويقدمون لك في النهاية خلطة النجاة السحرية .. النوم!

لقد تذكرت عندما قلت لي ذات يوم أننا شعب الصابون وأن كل ما يرغي بأيدينا بغض النظر عن ماهيته هو صابون .. كمن يخلط بين الشيوعية والماركسية ويجد في النهاية أن الإلحاد يجعل منه شيوعياً ماركسياً مثقفاً دون قلم لكن مع قبعة وسيجارة !!

إن أكثر ما افتقده عنا .. حديثنا، نقاشنا، موسيقانا وخيالاتنا !! يااااه .. لقد حدث هناك أمر علي أن أهتم به لكن لا تقلق سأعود بعد قليل!

فيديو مقال سأعود بعد قليل

أضف تعليقك هنا