لوحة المجد

بقلم: الدكتورة جميلة رحماني

المشاركة في المعرض

كان بين الوسن والنوم عندما دق جرس الباب، فقام مسرعا دون أن ينتبه إلى أن جسده قد انكمش؛ وأن قواه قد خارت. تعالت أنفاسه، وتسارعت دقات قلبه. فقد تعود على مثل هذه الزيارات المباغتة التي تنتهي بخصام شديد، وتحتدم المعركة بينهم. كل واحد منهم يحاول إقناع الآخرين بفكرته وإن كان خاطئا، فهم يجيدون فن الكلام. بيد أن زيارة هذه المرة كانت مختلفة، فقد جاؤوه يزفون البشرى التي طالما انتظرها؛ أن تشارك لوحته في المعرض الدولي الذي سيقام في عاصمة الفنون. لم يصدق الخبر الذي كاد أن يودي بحياته من شدة الفرح، إلا بعد أن أجمعوا كلهم على صحته. نعم كيف لا يصدقهم وقد خرجوا من صلبه؟ نعم إنها لا تكذب تلك الوجوه الواجمة الباهتة التي علقت بلوحاته؛ ذلك الصبي البائس المتشرد بعين يتطاير منها الشرار كأنها جمر متقد. وتلك الأم ورضيعها اللذان كانت عيناهما لا تفترقان، وذاك الصبي الذي ملّ من المكوث في اللوحة وآثر الخروج … كلهم حضروا ليبشروه بقبول لوحته للمشاركة.

التضحية من أجل الوطن

تصلب في مكانه، لم ينبس ببنت شفه، كل ما استطاع قوله : ”أين ذاك الطفل الذي اتخذ من شاطئ البحر متكئا، أين ذاك الطفل الشجاع صاحب القميص الأحمر الذي أخرس أفواه العالم، لماذا لم يحضر معكم؟ هو الوحيد الذي سأصدق كلامه، كان هبوطه إنذاريا فوق لوحتي ليكشف الحق قناعه ويبسط العدل باعه. ساد الصمت عندما سمعوا طرقا على الباب.

عاد ”إيلان” مبللا وأثر العياء على وجهه، منتصب القامة، وعلى كتفه نعش أعداء الإنسانية. عاد ليبارك له فوزه، ويخبره أنه قد وجد في رحلته رجالا هم الذين خلقوا الأماكن، وتركوا بصماتهم عليه، فكانوا مصابيح دجى تنير درب السائرين إلى العلا. رسموا بأصابعهم صورتهم في هذا الوجود.

غادر وهو يردد: ”ركعتان في عشق الوطن لا يصح وضوؤهما إلا بالتضحية”

بقلم: الدكتورة جميلة رحماني

الزيارة هذه المرة كانت مختلفة، فقد جاؤوه يزفون البشرى التي طالما انتظرها؛ أن تشارك لوحته في المعرض الدولي الذي سيقام في عاصمة الفنون.

 

أضف تعليقك هنا