يوميات طفل…

بقلم: بولنوار قويدر 

الطفولة و كرة القدم 

مساء كل أحد كان موعدنا ملعب القرية لنقضي فيها أوقاتا ترفيهية لمشاهدة مقابلة في كرة القدم بين الفريق العسكري والمدني تحت أنظار الدرك ومجموعة من الجنود التي تظهر عليهم ملامح عربية… دون توجيه ولا توصية كنّا نناصر الفريق المدني شخصيّا لم أعرف ذلك حتى كبرت وفككت التشفير…

في آخر المقابلة عادة ما تقسم بعض المشروبات والحلويات على الحاضرين كبارا وصغارا…كنّا نتسابق نحو الطاولة لنظفر بشيء منها  ولكن نحن الصغار كنّا نتمنع من أخذ المشروب خوفا أن تكون خمرا أو شيء من هذا ليس بدافع الحلال والحرام ولكن ليس من شيّم أهلنا من يدخل بيته وهو سكران لا من أباءنا ولا إخواننا أمر متعارف عليه في أسرنا ….

أمّا يوم الثلاثاء وكان يوم السوق الأسبوعي للقرية كنّا نغتنم فرصة راحة الآباء من تعب السوق لنذهب إلى ساحته القريبة من منزلنا لنجعل منها ملعبا شعبيا بين فريقين من ابناء الأحياء المجاورة …كانت أرضه مغبرة بها أحجار مغروسة لتحديد أماكن الباعة فنحاول أن ننظفها قدر المستطاع لنجري مقابلة في كرة القدم على شاكلة الفريق العسكري والمدني…كانت كورتنا مصنوعة من خرق القماش وبقايا الأكياس البلاستيكية نلفها لنجعل منها كرة محزومة بخيوط  لتنطلق المباراة بأقدام حافية وركل لسيقاننا من بعضنا أكثر ممّا نركل الكرة كل ذلك وسط سب وشتم لبعضنا لأتفه الأسباب وما إن تنتهي المقابلة حتى ينتهي معها كل الخلافات و نجد أكثر ما كنّا نلبس ممزق من الأكتاف ومن الخلف والقليل من سلمت أصابع قدميه من الجروح نفترق على أمل اللقاء يوم الثلاثاء القادم…

الاحتفال بيوم الاستقلال

ذات يوم ثلاثاء من فصل الصيف لم يغادر أبي البيت كعادته وبخاصة وهو كان يبيع الخضر بالسوق ظننت أنّه مريض ولكن حركته لا تدل على مرض لم أجد كيف أستقي الأمر فسألت أمّي: ( ألم يأتينا أبي اليوم بالحلوة من السوق ؟-وكانت هذه عادته كل سوق -) فردت علي باقتضاب شديد: (فرنسا منعتهم اليوم) لم أفهم شيئا وكل ما فكرت فيه أنّ المقابلة اليوم ستؤجل لأنّ أبي لا يركن إلى الراحة كعادته… خرجت أبحث عن بعض الرفاق لنفتش عن حل لهذه المشكلة التي حطت بنا وإذا بالقرية مزيّنة بالأعلام الفرنسية (أزرق وأحمر وأبيض) والخيّالة يجوبون الشوارع والعساكر مصفوفة على جانبي الطرقات والسيارات العسكرية لا يهدأ لها صوت العجلات والمحركات كل هذا تحت أنظار سكّان القرية دون حراك ولا ابتهاج  حضورهم مرغمين ليشهدوا يوم الزينة…بالصدفة التقيت بأحد الرفاق وكان أكبرنا فسألته ما هذا؟ رد إنّه عيد فرنسا ؟؟لم أفهم وقلت له لكن لم أر لا مصافحة ولا معايدة بينهم فقال سوف تعرف عندما تكبر.

وأقلع عن الكلام…تركته وواصلت السير في الشارع الرئيس للقرية فراعني سرب من الأطفال مترادفين في صف طويل بلباس أنيق كل يحمل في يده عصا في رأسها علم باللون المذكور فخطر في بالي أنّ لدينا علم تخبئه أمّي في الخزانة ولكن بألوان مختلفة(أخضر وأبيض تتوسطه نجمة وهلال) فأقفلت راجعا إلى البيت وتسللت لأخذ العلم وقد نجحت وخرجت مهرولا نحو الجموع فوجدتهم قد التحقوا بساحة السوق (ملعبنا) وتيقنت اكثر أنّ اليوم المقابلة ستؤجل وساعة في ساحة لم يكتب لها ميعاد… بحثت عن عصا فلم أجد إلّا قصبة تعاملت معها وألصقت العلم وأردت أن ألوح به كما يلوحون هم بالأعلام …وإذا بأحد الرجال يهجم علي هجوم الأسد على فريسته وكان متجلبب في برنوسه وقد غطآني كليّا وأمرني أن أسلم له العلم…لم أفهم وصرخت فيه أن أطلقني فردّ علي بكل تودد لا تخف سلمني العلم وسوف أخبرك…سلمت له العلم فخبّأه وكشف عنّي جناحا برنوسه وانزوى بي جانبا وحدثني بحديث لم أعرفه حتى كبرت أنّه اليوم الوطني  لفرنسا التي  تحررت منه من قبضة الألمان الهتليرية عندما يكون الوطن في خطر فكل أبنائه جنود و ما أصعب أن تعيش فى ظلّ الإستعمار الذي لا يحسن أن يدرك من أنتانا مغرم ببلادي ولكنني لا ابغض اية أمة أخرى  …حقّا فقط لفظة( الوطن) وطن …ومنذ أن كبرت وعرفت معنى الوطن عاهدت نفسي أن لا أنقطع عن الاحتفال بيوم الاستقلال ردا لجميل الشهداء والمجاهدين… عاش من عرف سر الوطن… هذه يوميات طفل أثناء الثورة التحريرية….

بقلم: بولنوار قويدر 

يوم الثلاثاء وكان يوم السوق الأسبوعي للقرية كنّا نغتنم فرصة راحة الآباء من تعب السوق لنذهب إلى ساحته القريبة من منزلنا لنجعل منها ملعبا شعبيا بين فريقين من ابناء الأحياء المجاورة.

 

أضف تعليقك هنا