حرب الإمبراطوريين الجدد فى البيت الأبيض!(1)

مصير الشرق الأوسط إلى أين؟!

لعل الأحداث المتسارعة اليوم فى منطقة الشرق الأوسط تُثير من الأسئلة أكثر مما هي قادرة على إعطاء أجوبة ، وتلك حالة ترفع من منسوب القلق لدرجة الحُمى ، وتعيد إلى الأذهان تلك الحكايات عن ذلك العصر والأوان حينما كان الأقدمون يذهبون إلى العراف لينظر فى بلورته السحرية ويقول لهم ماذا سيحدث فى مستقبلهم ، أهو خير أم شر؟!

ولعل الجميع اليوم يسأل ويتساءل: ما الذى يُخفيه الضباب لمنطقتنا؟ أهي حرب ضروس؟ أم سلام مُريح؟ ، إيران أم أمريكا؟ ، ترامب (الرئيس الأمريكي) أم خامنئي (المرشد الإيراني)؟ ، محور الاعتدال العربي (مصر- السعودية -الامارات – البحرين) أم محور المقاومة (إيران – سوريا – حزب الله)؟ روحاني (الرئيس الإيراني) أم سلمان (الملك السعودي)؟ بومبيو(وزير الخارجية الأمريكي) أم ظريف (وزير الخارجية الإيراني)؟ ، قاسم سليماني (قائد فيلق القدس) أم جوزيف فوتيل (قائد القيادة المركزية الأمريكية) حسن نصر الله (أمين عام حزب الله) أم بنيامين نتنياهو(رئيس وزراء إسرائيل)؟

وتلك كُلها أسئلة اجاباتها يطويها الضباب ويلفها الظلام بين جنباته.

ولعل منهجي اليوم سيعتمد على المقولة القائلة “بأن المعلوم فى شيء سيكون هو دليلنا لفهم المجهول فيه”.

وقبل البداية أود أن أقول أنه لم يعد فى عالمنا العربي تلك المرجعية السياسية أو الثقافية التي ننظر إليها وقت الشدة ، ونستعين بها فى الملمات. ففي الماضي يوم أن كان للعرب مشروعاً نهضوياً كان الزعيم “جمال عبد الناصر” بكل ما يمتلكه من كاريزما وبكل ما يمثله من رمزية الحلم والمشروع هو المرجعية السياسية للعالم العربي. وحتى وقت قريب وقبل وفاته كان الراحل العظيم الأستاذ “محمد حسنين هيكل” يمثل نوعاً من المرجعية التي يُطلب منها أن تعطى رأياً أو توضح الصورة ، أو تجتهد فى تقديم حلول لتلك الأمة الثكلى ، ولقد كان يقال عنه:“حينما كان فى السلطة كان اهتمام الناس الى ما يعرفه ، وعندما ابتعد عنها تحول اهتمام الناس إلى ما يفكر فيه”.

فا العالم العربي اليوم يُشبه السفينة التي جنحت على الصخور وسط الأمواج العاتية ، وقد تعطلت بوصلتها وتكسر محركها ، وضاعت خريطتها ، و مات قبطانها ، والركاب جميعاً يحاولون النجاة من مصير محتوم (الغرق فى المياه الضحلة ، أو من الافتراس بأسنان القروش الحامية والبراكودا المفترسة) فى فوضى مدمرة.
فالسفينةُ العربية اليوم غائب عنها القلب والعقل فضلاً عن الربان ، ف “العقلُ” فى القاهرة “معطل” ، كما أن “القلبُ” فى دمشق “جريح” ينزف دماً مُختلطاً بحسرة على ماض تعلمُ دمشق الجريحة النازفة جيداً أنه لن يُستعاد ، لأن العالم غير العالم ، والرجال غير الرجال والعرب صاروا عُربان.

ولعل دمشق اليوم وهى تستمع الي تلك العروض المتصادمة من كل جانب والمتعارضة فى كل اتجاه ينطبق عليها أبيات الشعر التي قالها فيلسوف المعرة سجين المحبسين (السجن والعمى):

فى اللاذقية فتنة ما بين طهَ والمسيح .. هذا بناقوس يدُق وذا بمئذنة يصيح ..كل يذكى دينه يا ليت شعرى ما الصحيح!

وأما الربان فظني أن الظرف التاريخي لم ينضجه بعد. ولعل السؤال: إلى متى سيظل الحال العربي كما هو اليوم فاشل خائف مرتعد راكع مستسلم ذليل؟

وأخيراً- فإن مراجع المقال سترد فى نهايته كما أفعل دائماً.

(1) عارض على الطريق ..الولايات المتحدة كادت أن تتحول لقارة بلشيفية!

طوال العشرينات من القرن الماضي كانت الولايات المتحدة الأمريكية مشغولة عن حلمها الإمبراطوري بشئون الداخل ، فقد دهمتها عواقب الحرب العالمية الأولى بما فيها عملية فك التعبئة العسكرية لقلاع الإنتاج الضخمة وإعادتها مرة أخرى إلى صنع السلع المدنية، كما تفاقمت مشاكل التعامل مع المجندين العائدين إلى الوطن الأمريكي من خنادق الوحل والدم فى أوروبا. وكان هؤلاء الجنود يطمحون الآن إلى “مكافأة السلام” نمنحهم استقراراً وفرص عمل وضمانات وحقوقاً تصوروها فى انتظارهم ، مضافاً إلى ذلك أن بعضاً من أفراد هذه القوات عادوا من أوروبا يحملون معهم بذور فكر يساري سرى فى خنادق القتال يحرض الجنود على مطالب فى أوطانهم لا بد أن تتناسب مع حجم تضحياتهم.

وفى وقت من الأوقات قام الجنود العائدون من أوروبا بمحاصرة البيت الأبيض عند نهاية شارع بنسلفانيا (قلب واشنطن) وأعلنوا قوائم مطالبهم على رئيس أمريكي اهتزت أعصابه (هوفر) إلى حد إستدعاء قوات الجيش العامل يحمى العاصمة ويفض الإضراب ويفرق جموع العمال (الشيوعيين) كما وصفتهم بعض الصحف الأمريكية. ومن المفارقات أن قائد الجيش العامل الذى نزل يفض الإضراب ويؤدب المظاهرات الجامحة كان الجنرال ذائع الصيت “دوجلاس ماك آرثر”(الذى أصبح فيما بعد رئيساً لأركان حرب الجيش الأمريكي) ، وكان مساعده فى معركة شوارع واشنطن هو الجنرال “داويت أيزنهاور”(الذى أصبح فيما بعد رئيساً للولايات المتحدة).

وبدت صورة العالم الجديد فى أوروبا فوضوية إلى حد أن جريدة “التيمس” نشرت سلسلة مقالات أبرزت مخاوفها من أن تتحول أمريكا إلى قارة بلشيفية حمراء!

وكانت تلك هي الأجواء التي عاشتها الولايات المتحدة حتى وصلت إلى الأزمة المالية الكبرى سنة 1929 ، ثم جاء الانقاذ بانتخاب “فرانكلين روزفلت” الذى طبق سياسة (العدل الاجتماعي الجديد) وعادت بها أمريكا إلى حياتها الطبيعية ومعه عاد الحلم الإمبراطوري يشغل بال نخبها السياسية.

(2) الصورة أمام صُناع القرار فى واشنطن

من واشنطن كان روزفلت ومعه الإمبراطوريين الجدد يتابعون ما يجرى فى أوروبا ويشغلهم “صراع الإمبراطوريات” الذى عاد يتجدد مرة اخرى دافعاً إلى القارة نُذُر عواصف تتجمع من جديد.

  • بدأت إيطاليا تشهد صعوداً للحركة الفاشية بقيادة “بينتو موسولينى” الذى وصل إلى السلطة ، وسعاره مرة أخرى هو الشعار الروماني القديم فى وصف البحر البيض المتوسط “أنه بحرنا”.
  • وقامت ألمانيا من وسط ركام الهزيمة فى الحرب العالمية الأولى ونفضت عن نفسها رداء الهوان الذى فرضته عليها معاهدة فرساي التي أملاها المنتصرون على المنهزمين.

وحدث فى نفس الوقت الذى وقع فيه انتخاب روزفلت رئيساً للولايات المتحدة أن “أدولف هتلر” كان يصعد نحو القمة فى “ميونخ” قائداً للحزب النازي ثم يزحف إلى برلين زعيماً لألمانيا ملتزماً بمشروع “إحياء الرايخ الثالث” ليعيش “ألف عام” كما كان يقول – ثم يصلب هتلر عوده ويقف عنيداً مطالباً بحق ألمانيا فى المستعمرات ، خصوصاً تلك التي انتزعها الحلفاء(بريطانيا وفرنسا) منها فى القارة الأفريقية بالذات(وضمنها تنجانيقا التي حصلت عليها بريطانيا وأصبح اسمها تنزانيا فيما بعد، وضمنها كذلك الكاميرون التي وقعت فى نصيب فرنسا).

  • وفى الوقت نفسه أيضاً كان الحزب العسكري المطالب بالتوسع فى اليابان ، يُمسك بسلطة القرار فى طوكيو فارضاً نفسه على الإمبراطور “هيروهيتو”.
  • وتزامن ذلك مع ازدياد سطوة الزعيم السوفيتي “جوزيف ستالين” الذى خلف “لينين” مؤسس الدولة الشيوعية ، والذى أمسك روسيا بقبضة من حديد، مستغلاً موارد بلد هو الآخر بحجم قارة كاملة. ومحاولاً أن يبنى من التخلف القيصري دولة صناعية قادرة على المنافسة والتفوق اقتصادياً وعسكرياً ، وفوق ذلك بُشرى بفردوس من العدل الاجتماعي والمساواة يطرح نفسه على شعوب الأرض!

(3) تفكير أمريكا الاستراتيجي فى المواجهة الكبرى؟

وطبقاً لوثائق البيت الأبيض (مدعومة بمذكرات وزراء روزفلت الكبار مثل “كوردل هل” وزير الخارجية ، و”هنرى مورجنتاو” وزير المالية ، والجنرال “جورج مارشال” رئيس أركان الحرب ووزير الخارجية فيما بعد ، وكانت مجمل التقديرات الأمريكية كالتالي:

  1. الحرب التي تلوح نُذُرها الآن هي الفرصة السانحة للولايات المتحدة لتقفل صفحة الامبراطوريات القديمة ، وتُفتح صفحة الإمبراطورية الأمريكية ، لأنها الأقدر وحدها على “فرض سلام” تقدر عليها مواردها وطاقاتها، وهى ليست قادرة على ذلك فقط ، وإنما هي تستحقه لأنها قلعة الغنى فى العالم وذروة تقدمه.
  2. وفيما يتعلق بالصراع الأوروبي وهو دائرة الحرب الأساسية ، فإن خطة الولايات المتحدة هذه المرة ليس لها أن تختلف عما كان أثناء الحرب العالمية الأولى ومؤداها الحيلولة دون انتصار المانيا وايطاليا كذلك ، لأن الإمبراطوريات الجديدة تكون أكثر عنفواناً من تلك القديمة ، وبالتالي فإن “هتلر” لا يجب ان ينتصر ، وكذلك “موسولينى”.
  3. ومعنى ذلك أن انتصار الحلفاء الأوربيين يصح أن يتم داخل حدود لا يتجاوزها ، وإلا فإن ما حدث بعد الحرب العالمية الأولى سوف يتكرر بعد الحرب العالمية الثانية، ولا تتمكن الولايات المتحدة من فرض رأيها ورؤيتها لمصائر العالم فوق سطوة إمبراطورياته القديمة المتهالكة.
  4. أنه من الأنسب للولايات المتحدة هذه المرة أيضاً ، أن تظل بعيدة عن ميادين القتال حتى آخر لحظة ، على أنها خلافاً لموقف “ويلسون” فى الحرب العالمية الأولى لن تعلن حيادها “فكراً” و “فعلاً”، وإنما عليها أن تكشف وتظهر انحيازها الفكري ضد النازية ، لأن تلك مسألة أخلاقية – وأما عملياً فإنها سوف تترك بريطانيا وفرنسا وحدهما وسط “عاصفة الحرب” وتراقب هي من بعيد حتى ينزف كلا الطرفين دمه ، ويترنح تحت مطارق الحديد والنار.
  5. أنه إذا كانت سياسة الاتحاد السوفيتي واليابان هي الانتظار والمتابعة حتى تظهر حركة الموازين ، فإن أمريكا يتعين أن تتذرع بالصبر أطول وهى قادرة علي ذلك بحكم أمان المحيطات(لم تكن الصواريخ العابرة للقارات قد اخترعت بعد).
  6. ففي حين أن روسيا ملاصقة من الشرق غرب أوروبا بحيث سيصل إليها صدى المدافع ، فإن الولايات المتحدة بعيدة.
  7. كما أن حال اليابان نفس الشيء ،لأن اليابان على تماس مباشر مع أطراف الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية فى آسيا(الهند والهند الصينية).

وعليه فإن الولايات المتحدة تقدر وتملك أن تكون آخر الصابرين ، لكى تكون أول الوارثين.

  • وفى بداية الحرب بدأت الشواهد أمام روزفلت ومجموعة الإمبراطوريين مثيرة للقلق ، فبريطانيا وفرنسا التان دخلتا الحرب بعد سلسلة من التراجعات المهينة أمام هتلر(الذى ضم النمسا بالكامل وقضم نصف تشيكوسلوفاكيا، واستعد لإلتهام أجزاء من بولندا) لا تظهران عبر المحيط مستعدتين للحرب، وأول شاهد أن البلدين معاً يملكان نحو ألف طائرة قاذفة ومقاتلة ، فى حين أن “هتلر” استعد بقرابة ثلاثة الآف طائرة، ونفس النسبة تقريباً فى المدرعات، وفى البحرية- إلى درجة أن الأسطولين البريطاني والفرنسي وقعا تحت تهديد أسطول هائل من الغواصات الألمانية الحديثة، وأصبح فى مقدوره اغراق 500 ألف طن كل شهر من الحمولات البحرية للحلفاء.
  • لكن أجراس الخطر راحت تدق فى واشنطن عندما فوجئت بالسقوط السريع لفرنسا واستسلامها، ودخول الجيش الألماني لاحتلال باريس ، ثم تلا ذلك أن ايطاليا دخلت الحرب ،واعتقادها أن الحلفاء هُزموا ، وأن سقوط فرنسا لابد وأن يتبع استسلام بريطانيا.
  • وكان البيت الأبيض يتابع بقلق وتوتر ، وتوقع “روزفلت” أن “هتلر” يستعد لغزو بريطانيا عبر بحر الشمال(بخطة سميت أسد البحر) ، وانهمك الرئيس الأمريكي وفريقه الإمبراطوري يبحث خطط طوارئ للتدخل على عجل فى أوروبا قبل أن تتمكن ألمانيا من نصر نهائي يمكنها من الإرث الإمبراطوري الأعظم. وهنا حدثت أغرب واقعة شهدها التاريخ.

حينما أمسك الرئيس الأمريكى روزفلت برئيس وزراء بريطانيا تشرشل عارياً!

كان تشرشل منذ بداية الحرب يُلح على لقاء روزفلت ، وروزفلت يسوف ويؤجل ، وكان “تشرشل” يفهم خطة “روزفلت” فى شراء الصبر، وكان يتعامل مع روزفلت بحنكة وتأنى ، عكس وزير خارجيته(المتسرع دائماً والمتهور أبداً) ونائبه فى الحزب(حزب المحافظين) “أنتوني إيدن”، كان تشرشل يعرف أن روزفلت سيتدخل فى الحرب حتماً حتى وإن جاء متأخراً ، لأنه لو انهزمت بريطانيا امام هتلر ، سيكون أمام هتلر حل من اثنين.

  • فإما أن يحول هتلر المحيطين الحاميين لأمريكا إلى سجن يحبسها خلفهما.
  • وإما أن يقوم هتلر بغزو أمريكا فى عقر دارها ذاته.

وكان تشرشل يستخدم خوف روزفلت من أن يقع الأسطول البريطاني فى يد هتلر(وهو وقتها أكبر أسطول فى القارة الأوروبية) وبعد سقوط فرنسا أرسل “تشرشل” إلى “روزفلت” رسالة جديدة يُلح فيها على لقاءه.

وجاءت موافقة روزفلت أخيراً على لقاء تشرشل ، وسافر تشرشل فى زيارة سرية جداً إلى أمريكا ، ونزل فى أحدى القواعد على المحيط إمعاناً فى السرية. وهنا يروى سكرتير تشرشل ، أنه بمجرد وصول تشرشل إلى أمريكا ومعرفة روزفلت بذلك ، لم ينتظر الرئيس الأمريكي مجيء تشرشل إليه وإنما بادر هو بالذهاب إلى غرفة تشرشل(وكان معجباً به).

ودخل روزفلت على كُرسيه المتحرك (لأنه كان قعيداً) إلى غرفة تشرشل ، ووجد تشرشل خارجاً من الحمام عارياً لا يستر سوءته إلا بمنشفه!

وهنا تفاجئ تشرشل بروزفلت ، الذى عاجله بالقول مبتسما: “لقد أمسكت بك .. لقد كشفتك”!

وقام تشرشل بإزاحة المنشفة عن جسمه ليصبح عارياً كما ولدته أمه ، وقال لروزفلت :

سيدى الرئيس: ليس هناك شيء يمكن أن يخفيه رئيس وزراء حضرة صاحبة الجلالة الملكة عن صديقه وحليفه رئيس الولايات المتحدة!

لكن الزعيم الألماني “أدولوف هتلر” ارتكب فى تلك اللحظة غلطة عُمره فقد تحول عن عملية “أسد البحر” إلى عملية غيرها فى الشرق هي عملية “برباروسا” (غزو الاتحاد السوفيتي) وبها فإن “هتلر” لم يغرز فى فيافي الثلوج الروسية فحسب ، وإنما أضاع على “ستالين” كذلك مزايا سياسة الصبر التي كان يلتزمها ، وبدلاً من أن يصبح وارثاً إمبراطورياً ، وجد نفسه يدافع عن حياته ذاتها!

وتشجعت اليابان وكان روزفلت يريدها أن تتشجع وتدخل الحرب حتى ولو كان دخولها ضد الولايات المتحدة نفسها ، وذلك ما فعله أسطول الجنرال “ياماموتو” فى “بيرل هاربور” ، وكان روزفلت وفريقه الإمبراطوري يتوقعه لكى يقنع الرأي العام الأمريكي أن أمريكا تدخل الحرب مضطرة للدفاع عن نفسها ، وليس بدافع إرث إمبراطوري تسعى إليه قياداتها المالية والاقتصادية والسياسية.

ودخلت أمريكا إلى الحرب فعلاً فى ديسمبر 1941 ، وكانت الموازين قد مالت بشكل لا يقبل التباساً!

(4) اتفاقات يقابلها مكاسب

ولم يضيع روزفلت وفريقه الإمبراطوري وقتاً:

  • قبلوا بالاستراتيجية العليا للحرب كما وضعها الفيلد مارشال “آلان بروك” رئيس هيئة الأركان الإمبراطورية البريطانية ، وبمقتضاها فإن الحرب ضد هتلر لتحرير أوروبا تكون هي ميدان المجهود الأول للحلفاء ، ثم تجئ الحرب ضد اليابان فى المرحلة الثانية ، والتقدير أن هزيمة الدولة القائدة للمحور وهى المانيا النازية تقضى على العدو الأكثر خطورة وتكشف حلفاءه الأضعف وراءه (اليابان وقبلها إيطاليا).
  • فى مقابل هذا التأجيل للمعركة مع اليابان (وهى صاحبة الأولوية من وجهة نظر الرأي العام الأمريكي) فإن الولايات المتحدة تحصل على وضع خاص فى دول الكومنولث القريبة منها أو القريبة من مسرح العمليات ضد اليابان عندما تجئ اللحظة. وعلى هذا الأساس انتشرت القواعد الأمريكية والتسهيلات وأدوات ووسائل النفوذ السياسي فى كندا واستراليا.
  • ومع حاجة بريطانيا الشديدة وعلى عجل إلى حشد من المدرعات الجديدة تدعم مسرح العمليات فى الشرق الوسط ، استعداداً للمعركة الكبرى فى العلمين ، شحنت أمريكا فوراً فرقة دبابات قوامها ثلاثمائة دبابة حديثة من طراز(جرانت) ، ثم تعللت بأن وجود هذه الدبابات الأمريكية يتطلب حضوراً أمريكياً مباشراً فى ساحة الشرق الأوسط ، وكذلك ظهرت قواعد أمريكية فى المملكة العربية السعودية (الظهران) ، وفى الخليج (مطار البحرين) ، وفى مصر قاعدة (هاكستب) البرية.

كانت تلك خلفية تاريخية عن الرؤى الاستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية فى معترك حرب عالمية طاحنة. وفى الجزء القادم سأتحدث عن الرؤى الإستراتيجية الأمريكية اليوم وتحديداً فى التعامل مع إيران وملاليها فى طهران وقُم.

المصادر:

1- أصول الحرب العالمية الثانية- أ ج تايلور.

2- الإمبراطورية الأمريكية والإغارة على العراق- محمد حسنين هيكل.

فيديو مقال حرب الإمبراطوريين الجدد فى البيت الأبيض!(1)

أضف تعليقك هنا

مجدي منصور

‎محامي بالاستئناف العالي ومجلس الدولة