عودة مهاجر

فرحة الطفل 

نادت الأم طفلها ذو الستة أعوام فأدنته منها واحتضنته ثم همست في أذنه بكلمات! ارتسمت على وجه الطفل إشراقة الابتسامة ولم تسعه جدران البيت من الفرح. طار الطفل بالبشرى وذهب يخبر أشيائه الصغيرة ويتشارك معها الفرحة. ثم طلع إلى الفناء ينادي العصافير ويحكي لهم فرحته، غنت العصافير أهازيج التبريكات واحتفلت بطرب معه، وبعد انتهاء الحفلة ودعها وأرسل معها بريد الشوق لغائبه المنتظر.

واصل الطفل يومه يلهو ويلعب خارج البيت، وحين اشتدت حرارة الشمس ذهب إلى شجرة معمرة بجوار البيت واستظل تحتها، كالعادة تحدثت الشجرة الحكيمة إلى الطفل وسألته عن سر سعادته الغامرة فحكى لها أحاسيسه بكلمات تفيض أنسا. أشرقت على وجه الشجرة ابتسامة خفيفة تخفي خلفها تجاعيد السنين، فتبادر سؤال في ذهن الطفل وقال: عزيزتي الشجرة، لماذا لا أراك سعيدة دائما، تنهدت الشجرة وقالت: يابني إن الحياة سفر طويل نسير فيه بين رياض مزهرة وفَيَافٍ مقفرة، تشرق شمس ساطعة يعقبها ليل مظلم، وننزل حِيناً بديار عامرة ثم نرتحل إلى أرض خراب، نلتقي بأحباب نتناول معهم رغيف الحب وملح الصلة ثم تتخطفهم قافلة الرحيل، نصحو طرباً وننام كمداً، تطاردنا وحوش الأهوال على جنبات الطريق وتحيطنا عناية الله في كل حين. يابني: أمامك رحلة طويلة فاستعن بالصبر والرضا وتزود من محطات الطريق بزاد التقوى ولا تثقل قلبك بأحمال الكراهية. أومأ الطفل برأسه ثم ودع الشجرة وعاد إلى البيت.

عودة الغائب المنتظر

لم ينم الطفل باكراً كعادته بل بات يسامر النجوم، يتجاذب معها أحاديث الانتظار. وفي الصباح استيقظ باكراً يسابق خيوط النور، وخرج مسرعا نحو الطريق يراقب حركة السير، فمرت سيارة وتفحصها بنظره يبحث عن حبيبه القادم، ثم طأطأ رأسه بخيبة أمل، وما لبث أن عاد ينتظر سيارة أخرى، وحين رأى حافلة من بعيد قام من مكانه واقترب من الطريق لعلها تقف أمامه وينزل منها أباه. وهكذا مر النهار وهو ينتظر إلى أن غابت الشمس، ثم عاد إلى بيته يجر أذيال الخيبة. ظل الطفل عدة أيام يكرر قصة الانتظار، وفي صباح يوم جميل فتح عينيه ليرى الشمس تشرق باسمة على استحياء خلف الجبال الشاهقة وتصافح السهول بأشعتها الناعمة لتنعكس على جداول الماء وكأنها أباريق من ذهب، انطلق الطفل نحو الطريق يحدوه الشوق ويغمره الأمل، مر الوقت وعيناه ترقب الطريق، والشمس تسير نحو المغرب رويدا رويدا .

ثم ألقت نظرة الوداع الأخيرة على هذا الجانب من العالم وتوارت خلف الجبال الشاهقة. حينها قرر الطفل العودة إلى البيت ليتفاجأ بحافلة تقف أمام البيت وينزل منها الغائب المنتظر، حينها أشرقت شمس الأفراح على قلبه وانطلق يسابق الريح نحو أبيه ليرتمي في أحضانه ويمطره الأب بغيث من قبلات، ثم اتجها نحو البيت لينعما بلذة اللقاء. وهكذا عاش الطفل أوقاتا من هناء يروي فيها عينيه بمنظر أبيه وينهل من بركة حضوره وحنانه.
كانت هذه قصة طفل بشرته أمه بقدوم أبيه، فيا ترى ماهي قصص الشوق التي عاشتها قلوب الصحابة الغضة الناشئة في الإسلام حين بشرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بقدوم رمضان: «أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عز وجل عليكم صيامه تفتح فيه أبواب السماء وتغلق فيه أبواب الجحيم وتغل فيه مردة الشياطين لله فيه ليلة خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم».

فيديو مقال عودة مهاجر

أضف تعليقك هنا