أهمية النمو المهني للمدرس

بقلم: ادريس الجامعي أديب

أستاذ التعليم الابتدائي بالمغرب

أولا: لمحة عن تحولات المشهد التربوي:

عرف المشهد التربوي مجموعة من التحولات على عدة أوجه، سواء على مستوى منظوماته المرجعية أو على مستوى الغايات أو على مستوى المفهوم في حد ذاته، فقد أصبح سؤالا حيويا شغله الشاغل هو تطوير الممارسة التربوية وتجويدها.ومن هنا أصبح الاهتمام بالنوعية وتحسين المردودية التربوية من صميم اهتمام العديد من الباحثين، فقد تأثر قطاع التربية كمثيله من القطاعات الأخرى بمفاهيم جديدة مسايرة للعصرنة، مع التركيز على الفعالية والجوانب العلمية والموضوعية. وبدأ الاهتمام يروم  الإجابة على مجموعة من الأسئلة من قبيل: كيف نكون متعلمين فعالين؟ وكيف نطبق أحسن الطرق والوسائل من أجل هذا المتعلم الفعال؟ و كيف نحقق الغايات والأهداف المتوخاة؟

إن انتهاجنا لمقاربات جديدة في التعامل مع المتعلم والنابعة من دراسات نظرية حول مراحل النمو لكل من بياجي، اريكسون، فرويد وغيرهم، نتج عنه بروز بيداغوجيات جديدة تراعي مختلف المراحل النمائية لهذا المتعلم مثل الفارقية واللعب وغيرهما. و كمثال على ذلك، فإن اعترافنا بهذه الفروق الفردية وبأهميتها، قد أدى إلى إدراك أهمية تقديم المساعدة الفردية للمتعلمين كأحد البدائل التي يمكن استخدامها في التدريس، وهو ما ساهم في ظهور طرق حديثة للعملية التعليمية.

ثانيا: ضرورة النمو المهني للمدرس:

أ- الحاجة الى النمو المهني للمدرس:

 وإذا كانت إشكالات المنظومات التعليمية العربية بنيوية ومركبة بالأساس، فإن أهم هذه الإشكالات هي التغيرات الجذرية التي حدثت في الواقع التربوي بسبب التطور المعلوماتي والمعرفي واتساع نطاق تأثيرهما، و التي انعكست على المجتمع ككل وعلى أحد أهم ركائز العملية التعليمية التعلمية المتمثلة في المتعلمين كمحور لها والمدرس كفاعل فيها ودورهما في الفعل التربوي. وبالتالي فإرساء آليات التدريس الفعال يتطلب درجة عالية من الوعي بأهمية النمو المهني للمدرس، والذي هو عملية تفاعلية ووسيلة للارتقاء المعرفي و المهاري وزيادة الإنتاجية، و القدرة على الإبداع والتجديد والتفاعل مع الخبرات التعليمية الجديدة، والتعامل مع المتغيرات و المستجدات المطروحة في الساحة التربوية.

فالنمو المهني للمدرس ينعكس بالضرورة على أساليبه ومنهجياته وطرائقه التعليمية وعلى رغبته في الارتقاء والتطور وتجويد كفاءاته وقدراته التربوية و المعرفية لتحسين أدائه وممارساته المهنية والرفع من جودة مخرجات العملية التعليمية التعلمية استجابة لحاجات التغير. إن الصورة التي نكونها عن أنفسنا قد تكون أهم بكثير من حقيقة أنفسنا، لذا يجب ألا تكون على نمط جامد ونهائي، فالصورة الباهتة تقعد صاحبها عن بدل الجهد في سبيل الارتقاء، بل يجب تجديدها على الدوام باعتبارها جوهرا للنمو المهني والتعلم مدى الحياة، وهو ما أكده عبد الكريم بكار في كتابه: حول التربية و التعليم حيث قال بأن ” جوهر التعلم مدى الحياة، يقوم على إعادة تشكيل صورة كل واحد منا عن نفسة من جديد، ومحاولة التخلص من كل الصور النمطية المبكرة التي شكلها لنا الاخرون، أو توصلنا لها نتيجة معاناة شخصية. إنه تحويل ما كنا نظنه نهائيا إلى شيء قابل للتعديل والتطوير، واستكناه مستمر للذات والامكانات والفرص، وقراءاة مستمرة لكل ذلك.”

ب- دواعي الاهتمام بالنمو المهني:

ولعل أهمية الوعي بالنمو المهني تعود لأسباب وعوامل متعددة نذكر منها:

– الثورة المعرفية وإيقاعها السريع:

ان التدفق الهائل للمعلومات وكثافة الانتاج المعرفي أوجد نوعا من التناسخ بين الجديد والقديم مما أفقد الكثير من المعلومات وظيفتها في الحياة وأصحبت بالتالي متجاوزة. إذ إن المعرفة في معظم حقولها في تغير ونمو مستمر تجاوز الحدود التقليدية تجاوزا مذهلا، مما يلزم المدرس التمتع بمستوى عال من المهارة والفعالية في شتى المجالات المعرفية، كي يتمكن من مسايرة لغة العصر و كل ما هو مستحدث من أفكار وخبرات وقدرات. فالأفكار الجديدة والمهارات والعقل الخلاق هي من أهم المعايير التي تحكم على تقدم المجتمع أو تخلفه، كما تحكم على تقدم أو تأزم المنظومات التعليمية أيضا.

– التقنيات الجديدة في التربية:

وهي عبارة عن معينات ووسائل سمعية بصرية- كالسبورة الرقمية وجهاز الإسقاط الرقمي- والتي تفرض على المدرس تجديد وتطوير طرق تدريسه وخططه ومعلوماته لتعزيز فعالية ممارساته التعليمية من جهة، وكذا الرفع من مؤشر الجودة في العملية التعليمية التعلمية من جهة أخرى .ومن كل ذلك نرى أن التقنيات  التربوية  المقبولة هي التى تساعدنا على تجديد الأهداف التى نسعى إلى تحقيقها، وهي في الوقت ذاته تساعد على وضع الخطة المناسبة لتحقيق هذه الأهداف واختيار الوسائل والأساليب المناسبة .

تحول المعرفة التربوية والطرائق التدريسية :

نتيجة لما تتوصل إليه البحوث السيكولوجية والاتجاهات السوسيولوجية والابستمولوجية في مجال التربية. الأمر الذي يستدعي التكيف مع كل طارئ وجديد عن طريق توسيع دائرة المعارف والثقافة، ومواكبة المتغيرات والمستجدات الحاصلة في المشهد التربوي لتحسين جودة التعليم والتعلم وبالتالي،فإن هذه العوامل تفرض على المدرس الوعي بأهمية النمو المهني وأساليبه سواء النظرية منها كالندوات والبحوث العلمية، أو العملية كالعروض التربوية و الورش والتداريب والزيارات الميدانية المتبادلة بين المدرسين والمدارس، أو الذاتية المتمثلة في التكوين الذاتي وتنمية المستوى المهني باستمرار وغيرها من الأساليب الأخرى.

ومن هنا، فإن النمو المهني ضرورة ملحة،على الأستاذ إيلاء عناية خاصة بها باعتبارها أهم آلية لتدريس فعال وممارسة مهنية متبصرة

بقلم: إدريس الجامعي أديب

أضف تعليقك هنا