أيُعقَل هذا؟

حوار مع إبليس.. 

“العالم كله متوقف”

فالجميع متسمرون أمام الشاشات، في البيوت، في المقاهي والمطاعم، في الأسواق والمحلات، في كل مكان.

ـ هيا الكل جاهز، لنبدأ:5 …4…3…2…1… أكشن

ـ المقدم: أهلاً وسهلاً بكم في كل مكان، لقاؤنا مترجم إلى كل اللغات تقريبا وبشكل مباشر، فهذا اللقاء الأول والأخير في تاريخ البشرية، فهذه أهم 10 دقائق من حياة الإنسانية مع ضيف لن يتكرر، لنبدأ مباشرة فالوقت قصير: كيف وافقت على هذا اللقاء والظهور أمام أعدائك وبكل صراحة دون خوف؟

أنت أولى بالخوف مني، فأتباعي كُثُر، ومن بني جنسك، وهم أكثر أهل الأرض، وهم يستمعون إليَّ الآن، وبإمكاني تسليطهم عليك فلا يبقى لك أثر، لكني لن أفعل احتراماً للاتفاق، ثم ما هذا الهيلمان والتضخيم للقاء والحرص من الكل عليه.

ـ لقد اتفقنا على الصراحة، فالكل يريد أن يعرف عدو البشرية، وكيف استطاع أن يغوي الأغلبية، والكل يخشى على نفسه، فيطمح في كشف أسرارك وخفياك ليتجنبها.

بصوت فيه ابتسامة ساخرة: غريب وعجيب أمرك يا بني آدم، هذا السؤال وغيره مبثوثٌ عندكم وأمري مكشوفٌ لكم، بل وتفصيل ذلك مع أمثلة من بني جنسكم، أنتم أهل العلم والحضارة والقراءة الواسعة، اسمح لي أن أقول إنكم أغ….

ـ لا داعي لهذه الاتهامات، عن أي أمر تتحدث وأين هو المبثوث بيننا؟، لقد رأينا سلطانك على الملايين بل والمليارات منا في مختلف العصور، فإن كنا نحن لم ننتبه لذلك المبثوث، فما بال أجيالنا السابقة؟

حسناً، سأذكر كل ما تريدون معرفته من الكتاب الذي بين يديكم ولن أضيف عليه إلا عبارات يسيره لأثبت لك ولهم صدق مقالتي، أما ادعاؤك بسلطاني عليكم فاستمع لخطبتي التي سألقيها على أتباعي[1]  ﱡﭐ ..ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ  ﲇﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ  ﲒ ﲓﲔ ..ﱠ إبراهيم: ٢٢، لعلك لاحظت كلمة “من سلطان” أي ولا حتى أدنى سلطان، إنما دعوة فقط وأنتم استجبتم، فأي سلطانٍ لي عليكم!!!

ـ نعم، ولاحظت الفاء “فاستجبتم” وهذا يعني بسرعة، فما أسرار تلك الاستجابة السريعة؟

يجب أن تتذكر أننا نراكم ولا ترونا ﭐﱡﭐ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑﲒ ﱠ الأعراف: ٢٧، ثم هي دعوة صحيح، لكنها دعوة ممزوجة بثلاثة أمور: 1/ التزيين للدعوة وتحببها لكم ﱡﭐ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ..ﱠ الحجر: ٣٩. 2/ إنها من جميع طرق الخير والشر، وفي كل وقت، وباستمرار بلا كلل ﭐﱡﭐ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ  ﱼ ﱽ ﱾ ﱿﲀ ﱠ الأعراف:١٧. 3/ أنها تتضمن وعود وأماني، ﭐﱡﭐ ﲷ ﲸﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿﱠ النساء: ١٢٠-وبصوت فيه استعلاء- إنها وعود الغرور أي الوعود التي يظن صاحبها أنها نافعة ومفيدة ثم يتبين له أنها ضارة ومُقيته.

ـ غريب، مع كل هذا الوضوح ويقع الأغلب بمجرد الدعوة المُزيَّنة ليصبح تابعاً لك؟!

لا، ليس بهذه السرعة فنحن نتبع خطوات متأنية ومتدرجة، وقد حذَّر كتابكم من ذلك في أربع مواضع: ﱡﭐ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧﲨ ﱠ البقرة: ٢٠٨

خطوات يتبعها إبليس لإغواء البشر:

ـ ما هي هذه الخطوات أو المراحل؟

  • تبدأ بخطوة الدعوة المُزينة والمتنوعة، ثم مع كثرة العرض نعرف مفتاح ذاك الطيني ونرتقي معه بدعوات أعلى بما يناسب مفتاحه، وبعدها وبكثرة قَبول الدعوات يصبح من أوليائي ويكون سلطاني عليه ﱡﭐ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ .. ﱠ النحل: ٩٩ – ١٠٠، عندها نتحكم فيه من حيث لا يشعر.

ـ إذن البداية هي الاستجابة للدعوة الأولى وعدم التراجع! لكن هذا غير كافٍ لنقع فرائس لك وأتباعٌ لرغباتك على حسابنا؟

كلامك صحيح، ليس الجميع يستجيب، لكن قبل الحديث عن الناجين، أحب أن أبيِّن أن هناك بابين مهمين ندخل بهما عليكم.

ـ ما هما؟

  • الباب الأول وهو الأسهل لكنه ليس الأعمق: هو باب الرغبات والشهوات من النساء والمال والجاه والسلطان والشهرة وغيرها، فلدينا علم بأن هذا مُحببٌ لكم.
  • أما الثاني وهو الأهم: فهو باب الأفكار والشبهات، ومن أهم وسائلنا إثارة الأسئلة المثيرة وبلبلة الفكر وتشتيته مع ملازمة تضخيم العقل وإعطاءه مساحة أكبر مما ينبغي فيتخيل صاحبه أنه يفكر ويوظف عقله بصورة صحيحة أفضل من غيره وأنه يديره بشكل صحيح فلا يقبل من الآخرين إلا ما يوافق العقل السليم -بزعمه-، ويحسب أنه يُحسن العمل – هكذا يظن-، والحق أننا سيرنا عقله تبعاً لهواه وأهوائنا ﱡﭐ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﱠ الكهف: ١٠٤

ـ إني مستغرب جداً، تتكلم بكل وضوح وتكشف أوراقك أمام الجميع بما فيهم أتباعك، ألا تخشى أن ينقلبوا عليك بعد سماع هذا الكلام؟

وإني أكثر استغراباً منك، قلت لك أتباعي وهم أكثر المستمعين لي حالياً- مُغطى على عقولهم فهم لا يسمعون ولا يعقلون إلا ما نملي لهم وفي ذهنهم، حتى الآن وهم يسمعون يظنون أن الكلام عن غيرهم، هل تعرف متى يدركون ذلك؟

ـ متى؟

حين يتحقق هدفي ويكونون معي في المصير الخاتم نفسه، عندها سيعلنون: ﭐﱡﭐ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ  ﳄ ﳅ ﱠ الملك: ١٠، معركتي مع هؤلاء انتهت، لكن بقي فريق نحن معهم في سجالٍ وحربٍ مستمرة.

ـ مَن هم؟

فريق ندعوهم ونزين لهم، ويستجيبون، لكنهم سرعان ما يتذكرون ويرجعون فلا يستمروا معنا، وأحيانا يصلون معنا إلى الخطوة الثانية وبداية الثالثة لكن لم ننجح في جعلهم أولياء وأتباع، وحتى مَن نجحنا معه، فما هي إلا فترة بسيطة ثم يستدرك ويرجع بنا إلى المربع الأول، ﱡﭐ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﱠ الأعراف: ٢٠١- وبصوت فيه غضب وقهر-، ونحن نُعلن أننا لن نستسلم ولن نكل ولا نمل، وسنسلط عليهم أتباعنا من كل صوب وحدب، وسنضيق عليهم دنياهم إلى آخر لحظة من الحياة.

ـ بقي لدي سؤلين..

لقد انتهى الوقت الذي اتفقنا عليه (10 دقائق)

ـ طلبٌ أخير لن يأخذ وقتاً.

ما هو؟

ـ أن تظهر بصورتك الحقيقة أمام المشاهدين، إلا إذا كنت تخشى!؟

لا مشكلة.

ـ إخواني في كل مكان ختام لقاءنا برؤية عدونا، فأترككم معه على حقيقته.

وتوجهت الكاميرات إلى الشخصية، ووقفت البشرية على أقدامها في كل الأصقاع، لتتعرف على الشخصية التي هزت العالم القديم والحديث ولا زالت وستستمر…

ـ سعيد ، سعيد .. هيا انهض بسرعة لقد تأخرت عن الدوام.
ماذا؟ لا لماذا أيقظتني لقد كنت على وشك رؤيته؟
ـ مَن هو؟
ها، لا … لا .. لا شيء، لقد كان حلماً.
ـ حلماً أم رؤيا أم كابوس؟

ما رأيك: حلماً أو رؤيا أم كابوس؟

المستشار: جمال الهميلي

1440هـ – 2019 م

[1] طبعاً في جهنم والعياذ بالله

فيديو مقال أيُعقَل هذا؟

أضف تعليقك هنا