القصاص والثأر – نظرة جديدة لكيفية علاج الإسلام لقضية الثأر من خلال قوانين القصاص

يعد الثأر أحد أكثر الظواهر الاجتماعية المفزعة المتجذرة في التاريخ الإنساني – والتي ارتبطت بشكل كبير بمجتمع القرى الإنسانية – القرى بمفهومها الإجتماعي والإنساني القرآني- وليست القرى بمفهومها المعاصر.

كان ظهور الإسلام في شكله الأخير من خلال الشريعة المحمدية الخاتمة وسط واحدة من أكثر بقاع العالم ارتباطا بالثأر، وكان من عادات الجاهلية في هذه المنطقة وذلك الوقت وجود تصنيفات اجتماعية للبشر مرتبة تصاعديا على النحو التالي

  1.  العبد
  2.  الأنثى الحرة
  3. الذكر الحر
  4.  الذكر الشريف

قوانين القصاص قبل الإسلام

فكان إذا قتل الذكر الحر الذكر من أشراف القوم لم يكتفوا بقتله بل طلبوا فيه ما يقدرونه وفق منزلة هذا الشريف بخمسة أشخاص أو عشرة أو مائة وهكذا، وكان العبد إذا قتل الذكر الحر لا يكتفوا بقتل العبد بل يطلبوا فيه الذكر الحر المقابل.

وكانت الأنثى اذا قتلت ذكرا لا يكتفوا بقتل الأنثى بل يطلبوا فيه الذكر الحر المقابل. وهكذا كانت تختل الموازين ويفتح باب الثأر حيث لا توجد قواعد ثابتة والأمر يخضع للتقديرات والأهواء الشخصية.

فأراد ربك أن يضع تقنينا مبدئيا يقضى على تلك العادات الجاهلية ويغلق باب الثأر ، وفي ذات الوقت يقبل من تلك العقول التي عاشت عقودا طويلة تحت تأثير أحكام الجاهلية.

قانون القصاص الأول في الإسلام

فكان فرض قانون القصاص الأول من خلال قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ بِالْأُنثَىٰ ۚ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ۗ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ۗ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ) البقرة – 178 والذي يقوم على أساس المقاصة البدنية أو المالية وفقا لتقديرات البيئة الجاهلية في ذلك الوقت بأن للحر ديته – وللعبد ثمنه – وللمرأة نصف دية الحر.

المبادئ المترتبة على ذلك القانون

وبناء على ذلك ووفقا لقانون القصاص الأول يكون ما يلي:

  1.  الحر إذا قتل الحر أيا كانت منزلتهما فإنه يقتص منه بقتله ولا يتم تجاوزه إلى غيره – أو يعفى عنه وتستلم دية الحر.
  2.  العبد إذا قتل الحر أيا كانت منزلته فإنه يقتص منه بقتل العبد بالإضافة الي استلام دية الحر مخصوما منها ثمن العبد – أو يعفى عن العبد وتستلم دية الحر كاملة.
  3.  الحر أيا كانت منزلته إذا قتل العبد فإنه يقتص منه بقتل الحر على أن يقوم صاحب العبد بدفع دية الحر إلى أهله مخصوما منها ثمن العبد – أو يعفى عن الحر ويستلم صاحب العبد ثمن العبد.
  4.  الأنثى الحرة إذا قتلت ذكرا حرا أيا كانت منزلتهما فيقتص منها بقتل الأنثى على أن يدفع أهل الأنثى الحرة نصف دية الذكر الحر إلى أهله – أو يعفى عنها ويستلم دية الذكر الحر كاملة.
  5.  الذكر الحر إذا قتل أنثى حرة أيا كانت منزلتهما فيقتص منه بقتل الذكر الحر على أن يدفع أهل الأنثى الحرة نصف دية الذكر الحر إلى أهله – أو يعفى عنه ويستلم دية الأنثى الحرة – نصف دية الذكر الحر.

وهكذا يكون أمر القصاص وفقا لقواعد محددة وواضحة من المقاصة البدنية والمالية. حتى إذا استقرت الأمور وأغلق باب الثأر وتهيأ المجتمع نفسيا — نزل قانون القصاص الثاني من خلال قوله تعالى (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) المائدة – 45

فتم التسوية بين الجميع وإقرار العدالة الكاملة. وهكذا نقف على تطبيق جديد من تطبيقات المنهجية الإسلامية في إقرار التشريعات وفق مبدئ التدرج ، مراعاة للأحوال القائمة بالمجتمع واتساقا مع أحد السنن الإلهية في التعامل مع النفس الإنسانية (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسعها) البقرة – 286

فيديو مقال القصاص والثأر – نظرة جديدة لكيفية علاج الإسلام لقضية الثأر من خلال قوانين القصاص

أضف تعليقك هنا

د. أحمد حسنين

خبير إدارة المشروعات واستشاري الادارة الاستراتيجية ،باحث في مجال العلوم الإدارية والتنمية البشرية ،كاتب ومفكر استراتيجي ، له العديد من المقالات والمؤلفات .