رحلة إلى القرن الخامس والعشرين

هل بالإمكان السفر عبر الزمن؟!

بقي دقيقتين للمحاضرة هل لديكم أي سؤال؟

لم يرفع أحد يده سوى طالب يدعى “سند” ثم وقف وقال اسمح لي أيها البروفيسور ببعض الدقائق… أربعة سنوات ونحن ندرس الفيزياء وقد تنقلنا خلالهم بين عقل آلبرت أينشتاين وماكس بلانك ونيوتن وتعمقنا بجميع النظريات وإلى الآن عقلي لم يستوعب النظرية النسبية… أريد فقط إجابة  واضحة، هل السفر عبر الزمن ممكن؟!. زال بروفيسور  الفيزياء النظارة الطبية من على عينيه ثم قال بصوت منهك موجهاً الكلام لسند…لا أملك إجابة واضحة حيث أن هناك بعض العلماء تنفي ذلك وبعضها جعلتهُ ممكنا وفي طريقها إلى إثباته.

انتهى وقت المحاضرة،  وقد هم الطلاب بالخروج وخلال  هذه اللحظات اقترب “يوسف” زميل سند إليه ثم قال له: النبي محمد صلى الله عليه وسلم سافر عبر الزمن في رحلة الإسراء والمعراج ورأى المستقبل وما جرى من أحداث يوم القيامة، رد عليه سند مبتسماً  نعم  أعلم ذلك يا يوسف ولكن هذه كانت معجزة خاصة بالنبي فقط،  فقال له يوسف: نسيتُ أنك ملم بكل شيء … حسناً أنا ذاهب لتناول القهوة هل ستأتي معي؟، رد عليه سند قائلاً:  نعم ولكن علي الذهاب إلى المكتبة  أولاً لكي أعيد كتاب النظريات.

دخل سند مكتبة الجامعة وعند وضعه الكتاب على الرف أخذته منه فتاة، قال لها: هل تريدين الكتاب؟ قالت له وهي تبتسم نعم هل هناك مشكلة، قال لها: ممم لا ولكن لا أنصحك به، قرأت جميع صفحاته ولم أتوصل إلى أجوبة صافية…هل أنتِ طالبة جديدة؟ لم أركِ من قبل.

مدت الفتاة يدها لتصافح سند ثم قالت له نعم… أنا طالبة جديدة اسمي سيدرا. صافحها سند وبادلها الابتسامة ثم هم بالرحيل وعند وصوله الباب نادته وقالت له بصوت مرتفع توقف يا سند انتظر لحظة، عاد إليها وقال لها ما بك هل هناك شيء؟ قالت له بصوت منخفض: أنا لدي أجوبة لتلك التساؤلات التي  تدور في عقلك، ثم دار بينهما الحوار التالي:

السفر عبر الزمن ممكن ولكن إلى المستقبل

سند: تقصدين السفر عبر الزمن …. هل سمعتِ بالنقاش الذي دار مع البروفيسور…  لا أظن ذلك يا سيدرا لم يبق باحث فيزياء إلا وقد استفسرت منه عن الأمر ولكن إلى الآن لم أجد الجواب الذي يقنعني.

سيدرا: إن  السفر عبر الزمن أمر ممكن ولكن بشرط أن يكون إلى المستقبل وليس إلى الماضي.

سند: كيف ذلك ألا توضحين.

سيدرا : حسناً سأوضح لك الأمر أكثر ولكن عليك أن تأتي معي إلى بحيرة الشرق لترى بنفسك.

سند: لما سنذهب إلى هناك … بحيرة الشرق بعيدة تستغرق ساعتين في الحافلة.

سيدرا: إذ كنت تريد الحصول على الأجوبة لن تحصل عليها قبل الذهاب إلى تلك البحيرة.

سند : حسناً موافق هيا لنرى ما عندك.

ركب سند وسيدرا الحافلة وبعد ساعة من مكوثهم فيها جاء خبر عاجل عبر أثير الاذاعة  يبين اكتشاف وجود الثقب الأسود، ومقدرة العلماء على أخذ صورة واضحة له بواسطة تلسكوبات عملاقة، وهذا الثقب قد تنبأ بوجوده اينشتاين قبل مئة عام وذلك من خلال  المعادلات المعقدة.

الثقب الأسود

علق سند على هذا الخبر بقوله: بما  أن تم تصويره في في عشرة ابريل 2019 يعني أن عامنا هذا سيكون مميزاً  لدى العلماء، ثم علقت سيدرا عقبه بقولها: نعم يا سند اينشتاين أشار إلى هذا الأمر ولكن هناك آية في القرآن الكريم في سورة التكوير أشارت إلى الثقب الأسود منذ أكثر من ألف واربع مئة عام بقوله تعالى (الْجَوَارِ الْكُنَّسِ) ، وفسر العديد من علماء الدين هذه الآية، فالثقب الأسود هو نجم سُمي بذلك  لقدرته الفائقة على ابتلاع كل ما يمر به ، أو يدخل في نطاق جاذبيته ، من مختلف صور المادة والطاقة ، من مثل الغبار الكوني ، والغازات ، والأجرام السماوية المختلفة .‏ ووصف بالسواد لأنه معتم تماماً ، لعدم قدرة الضوء على الإفلات من مجال جاذبيته.

قال سند تعقيباً على كلام سيدرا: يهيأ لي أن تلك الثقوب هي عبارة عن مكنسة عملاقة تنظف السماء من الغبار والغازات الكونية الضارة التي كان من الممكن أن  تصل إلينا ….. هذا النجم رحمة من الله إلينا. رفعت سيدرا صوتها وقالت للسائق توقف توقف سننزل هنا لو سمحت.

نزلا من الحافلة باتجاه البحيرة ثم أخذت سند باتجاه الشرق ولم تتوقف إلا عند وقوفها بجانب شجرة سنديان كبيرة جداً، قال لها سند انتبهي يا سيدرا فهناك حفرة قرب الشجرة.. قالت له نعم يا سند أعلم جئتُ بكَ إلى هنا لكي ترى هذه الحفرة .. قال لها  متعجباً: ولكن ما علاقة الحفرة بالسفر إلى المستقبل، قالت له: هذه الحفرة ليس حفرة عادية تستطيع من خلالها أن تسافر عبر الزمن، ثم دار بينهما الحوار التالي:

سند: ماذا تقولين.. ومن أخبرك هذا الأمر، وكيف ذلك.

سيدرا: أقفز في هذه الحفرة وسترى بنفسك كيف ستنتقل إلى زمن آخر.

شعر سند بالتوتر وقال لها: لا مستحيل يجب أن أذهب.. صديقي يوسف ينتظرني لكي نتناول القهوة معاً.

سيدرا: قهوة ماذا الآن … لن تتاح لك هذه الفرصة مرة أخرى هيا.. لا تخف يا سند خذ ارتدي هذه الساعة وعندما تريد العودة إلى هنا إضغظ الزر الأصفر سيعيدك مباشرة إلى شجرة السنديان هذه.

سند: لا علي أن أعود.

سيدرا:  لا تكن جبانا هيا اقفز، ثم قامت بدفعه بكل قوتها داخل الحفرة.

رحلة سند عبر الزمن

هبط سند بسرعة كبيرة جداً وأثناء هبوطه توقع أن معرفته بسيدرا ليست صدفة، بل ربما الفتاة قد خططت لهذا اللقاء، ثم وجد نفسه في مكان مليء بشجر السنديان، شعر بشعور غريب ثم بدأ يتلفت يميناً ويساراً  إلا أن وجد رجلاً كبيرا في السن يقود عربة خشبية يجرها مجموعة من الكلاب، وعندما اقترب الرجل العجوز من سند أوقف العربة ثم قال  تبدو غريباً أيها الشاب، هل تريد أن أوصلك إلى مكان ما،  قال له سند  أجل أرجوك خذني إلى مكان تجمع السكان.

صعد سند العربة مع الرجل ودار بينهم  الحوار التالي:

سند: ما اسمك يا عم.

الرجل: يعقوب.

سند: لمَ تستخدم هذه العربة في التنقل.

يعقوب: أفضلها أكثر من الإبل فهي أسرع.

سند: ألا يوجد وسائل تنقل كالحافلات والقطارات.

يعقوب: يوجد حافلة وحيدة تعود للقرن الثاني والعشرين موجودة في المتحف، منذ نفاذ النفط في منتصف القرن الثاني والعشرين اختفت جميع وسائل التنقل في ذاك الوقت.

سند: في أي قرن نحن.

يعقوب: الخامس والعشرين، ولكن لماذا تسأل كل هذه الأسئلة من أي البلاد أنت هل لديكم نفط!!  .

سند:  والنت هل هو موجود.

يعقوب: عن ماذا تتكلم لا أفهم.

سند: الشبكة العنكبوتية،  والهواتف المحمولة.

يعقوب: لا أعلم عن ماذا تتحدث، العنكبوت هو الشيء الوحيد الذي أدركت معناه  …. حسناً قد وصلنا إلى منتصف المدينة وإلى الآن لم تقل لي من أي البلاد أنت.

سند: من الشرق الأوسط… وما اسم هذه المدينة.

يعقوب: أنت في منتصف الشرق الأوسط.

بدأ سند يتجول بين السكان متعجباً بجميع ما يراه، ثم بدأ يكلم نفسه قائلاً: أين ذهب النفط، أين ذهب التطور، كيف عاد البشر للحياة البدائية.. ثم تذكر سيدرا وقال: يا لك من فتاة مخيفة يا سيدرا كيف علمت أن الحفرة القريبة من شجرة السنديان هي طريق للمستقبل … وما إن مرت بضع لحظات عليه إلا وسمع صوت رجل يصرخ بصوت عالٍ “أرض الحجاز أصابها الفيضان…. أرض الحجاز أصابها الفيضان”.

قام سند بإيقاف الرجل وقد سأله كيف ذلك ومن أين أتى الفيضان على أرض الحجاز. قال له الرجل بسبب الأنهار الموجودة هناك فقد فاضت، تعجب سند من وجود الأنهار في الصحراء ثم قال أي أن الجزيرة العربية عادت مروجاً وانهارا!!

أكمل سيره وإذ بصوت صغير يقول له ابتعد من طريقي هيا إنك تعيق حركتي، بدأ سند يبحث عن مكان الصوت ولكن لم يجده ثم ركز قليلاً وإذ بالصوت يأتي من سلحفاة صغيرة، شعر بالخوف فهذا مشهد غير مألوف بالنسبة إليه، ثم ذهب مسرعاً  باتجاه الغرب وفي طريقه سقطت منه ساعة الزمن التي أعطتهُ إياها سيدرا .ولكن سند لم ينتبه لسقوطها.

توقف بجانب رمال ملونة ثم بدأ ينظر إلى ذراتها وما إن مرت لحظات سمع صوتا بالغ الخشونة لمجموعة من الرجال ثم رأى جيشا رجاله بالغوا الضخامة يرتدون أدرعا حديدية على صدورهم، وقد انتبه أحد هؤلاء الرجال إلى سند فقام بحمله بيد واحدة قائلاً له ستكون وجبة لذيذة لأطفالي، بدأ سند يصرخ ويبكي ويتوسل الرجل الضخم ولكن دون  أي جدوى وفي هذه اللحظة لاحظ سند سقوط الساعة من يده دون أن ينتبه.

توقف الجيش برهة من الوقت لأخذ استراحة وقبل دخول الرجل الضخم بقيلولة ربط سند بشجرة سنديان عملاقة، حاول سند تمزيق ورق الشجرة الملتفة حوله ولكنه لم يستطع، كانت قوة الأوراق تضاهي قوة النحاس.

أصبح يفكر ماالذي يمكن أن يخلصه من هذه الأوراق العملاقة، خطر على باله النيران فهي تأكل كل شيء في كل زمان ومكان، قام بإخراج كبريتة من جيب بنطاله بصعوبة ثم قام باشعال النار وإحراق الأوراق بها، نجح بهذا الأمر واستطاع الإفلات من تلك الأوراق الضخمة بعد ذوبانها، ثم مشى رويدا رويدا لكي لا يلاحظ الرجال رحيله وعاد إلى المكان الذي توقع سقوط الساعة فيه. بحث عنها ثلاثة أيام ثم وجدها في صباح اليوم الرابع، وقبل عودته إلى القرن الواحد والعشرين جرب بعض التفاعلات الكيميائية على الرمال الملونة.

 عاد سند من رحلته وأصبح بروفيسورا

عاد سند إلى قرنه، وفور عودته بحث عن سيدرا كثيراً ولكن لم يجد أي شيء يساعده لمعرفة مكانها، ثم تذكر  كلامها حين حذرته بعدم البوح  بسر الحفرة. مرت عدة سنوات وأصبح سند أشهر بروفيسور فيزياء في البلاد، كما كان من أحد العباقرة الذين استطاعوا حل معادلات معقدة، حيث أن رحلته إلى القرن الخامس والعشرين أفادتهُ كثيراً ولكن  بقي محتفظا بها سراً داخل ثنايا ذاكرته ولم يخبر أي أحد .

انتهى البروفيسور سند شرح المحاضرة لطلبة الفيزياء ثم سأل الطلبة إذا كان هناك أحد يريد أن يسأل بخصوص النظريات فوقف طالب يدعى “ريان” وقال إسمح لي ببعض الدقائق: أربع سنوات ونحن ندرس الفيزياء وتنقلنا خلالها بين عقل آلبرت أينشتاين وماكس بلانك ونيوتن وتعمقنا بجميع النظريات وإلى الآن عقلي لم يستوعب النظرية النسبية… أريد فقط إجابة واضحة، هل السفر عبر الزمن ممكن؟!. نظر  إليه سند مبتسماً ثم صمت لمدة عشرة دقائق ثم قال له ابحث عن فتاة تدعى سيدرا ربما هي  ستفيدك ثم خرج سند من المحاضرة مبتسماً عائدة إليه ذكرياته، كما وهم في الأسبوع المقبل أن يسافر عبر المستقبل ليرى هذه المرة إلى أي زمن ستأخذه الحفرة.

ملاحظة: ما تم ذكره عن الثقوب السوداء هو حقائق علمية توصل إليها العلماء.

فيديو مقال رحلة إلى القرن الخامس والعشرين

أضف تعليقك هنا