قراءة في الشعور بالمظلومية بمكان العمل بقلم دكتور /إبراهيم محمد عبد الجليل/

بقلم: دكتور ابراهيم محمد عبد الجليل

يدرك خبراء الصحة المهنية ان هناك افراد مستهدفون للاصابة وتوجه لهم برامج متخصصه للعلاج والتغلب على هذه الحالات لكن هناك فئة اخرى تستحق النظر وهم من لديها الشعور بالمظلومية فى مكان العمل.

الموظف وما يتعرض له من ظلم

وهنا  يتخيل الموظف أنه أكثر من يتعرض للظلم في العمل وانه دائما مستهدف من رئيسه مثلًا يدّعي أنه ليس في مكانه وزمنه المناسبين، لأن بيئته تظلمه أو على الأقل لا تقدره حق تقدير ويرى أنه هو الوحيد الذي يمشي على الأرض بفكر سليم ونظرة سامية نقية وأن الدنيا كلها (متآمرة عليه) وأن الجميع (يستهدفونه)  هذا الشعور بالظلم يتولد عنه رغبة بالخمول والملل وفي الغالب ينتج عنه رغبة بالرحيل من العمل، ولا يختلف أحد على أن هذا الشعور بالظلم له أثر سلبي على نفسية الموظف والعمل.

هذه المشاعر تختزن في اللاوعي  فتنعدم روح التضامن وتجعل المرء يعيش بحالة من القلق من الأخر ومن الرغبة في رفض كل أشكال النظام والقوانين مهما علا شأنها او قل درجة. يفقد الثقة بما حوله ويبيح للشكوك مساحة اوسع في وعيه المعرفي كذلك يخلق النمط المتسرع المتعجل فى الشك او النمط البطيء اللامبالي فى العمل  وكلاهما  خطرا على بيئة العمل.

مفهوم الظلم

الظلم مفهوم واسع يختلف عن قضية الشعور بالظلم الذى هو شعور نسبي، فيمكن أن يتعرض شخصان للظروف نفسها ويكون الشعور المتولد لديهما مختلفًا جدًا. إن عقدة الشعور بالاضطهاد مستمرة فى الشعوب والافراد والجماعات  والحزن والبكاء على المظلومية صار شعارا لبعض الشعوب والافراد  ويخلق مجتمع وبيئة عمل غير صالحة ويدفع هؤلاء المظلومين إلى الانخراط في  العنف كما يستخدم الشعور بالمظلومية كسلاح لخلق افكار متطرفة.

والشعور بالظلم يشبه السهم المغروس فى اللحم الذي ينبغي سحبه  لإخراجه فيسبب ما يسبب من آلام شديدة  وإلا فسيقضي على حياة الجريح إن بقي في جسمه. وبدايه العلاج نستلهمها من القرآن العظيم فى قوله عز شانه “ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى”.

الإنصاف يبدأ من الذات

حيث الإنصاف يجب أن يبدأ من الذات لتنظر لنفسها والآخر في ذات المستوى من الاقتراف.. وبذلك تقترب إلى حدود القدرة على اكتشاف الخلل.. لا البقاء في حلقات المظلومية والندب الدائم تحت وطأتها ولا ننظر بعين واحدة تلك التي ترى الفعل المرتد دون الفعل المسبب له. ولا يمكن للإنسان أن يتمتع بدرجة عالية من الإنصاف لذاته والآخر والانفكاك من الشعور بالمظلومية إلا عبر تربية وجدانية وذهنية تملك استعداداً للمحاكمة الذاتية قبل أن يصب جام غضبه وسخطه على الآخر..

ونستقرئ ثانيا علماء النفس فيخبرونا ان هذا الشعور تعبير وتنفيس عن عقدة أخرى هي عقدة الشعور بالذنب قد تخفى على الفرد او الجماعة التى يسيطر عليها هذا الشعور وغالبًا ما يدفعا الفرد لظلم نفسه بنفسه. فمن اراد التميز دون امتلاك مقوماته فقد ظلم نفسه  فالتميز مهارة وسمة ينكر فيها الشخص ذاته لتحقيق اهداف مؤسسته اما ان يتكبر وياخذه العجب بذاته فتلك هى المهلكه.

المظلومية ظلمات ودركات

وصدق رسول الله اذ قال : (المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور) حيث يظهر الشبع وليس بشبعان، ومعناها أنه يظهر أنه حصل له فضيلة وليست حاصلة فقد ترى بعض الناس لضعفه وقلة حيلته ومحدودية فكره يحب أن يظهر دائماً بانه الاعلم ومن هنا يتمالكه الشعور بالمظلومية فهى دركات وظلمات وتستحق العلاج الحاسم

وللتغلب على الشعور بالظلم ينصح علماء النفس كل شخص أن يقيم بشكل عام تصرفه تجاه الظروف السيئة التي يتعرض لها  وربما يساعدك عند كل مرة تشعر بالظلم أن تحلل الموقف وتضع نفسك مكان الشخص، الذي تظن أنه ظلمك وتذكر دومًا، عندما تقيّم تصرفًا ما على أنه ظلم، تذكر كل الأمور الجيدة، التي قام بها هؤلاء الأشخاص معك في السابق.

كما ان الامر ليس ببعيد عن فقهاء القانون ففى مجال (المسؤولية التقصيرية) يستخدم  خطأ الضحية كوسيلة لدفع مسؤولية حارس الأشياء حيث يعتبر خطأ الضحية أحد صور السبب الأجنبي الذي يؤدى إلى قطع العلاقة السببية بين الخطأ والضرر.

إذا قاد شخص سيارته فى الاتجاة المعاكس وظهر فجاءه امام سائق اخر فصدمه ومات فان خطا الضحية يستغرق خطا السائق الاخر الذى يعفى من المسئولية كليا او جزئيا حسب ظروف الحالة وهذا هو التطور الحاصل فى توزيع المسؤولية عن فعل الأشياء لكون الفكر القانونى دائما متجدد ومسايرا لتطور المجتمعات.

توعية البشر ومعالجتهم من المظلومية

واخيرا فان هذه النوعية من البشر الشاعرين بالمظلومية دوما عليهم السعى نحو العلاج وتحتاج لأن تبحث عمن يساعدهم على النظر للحياة بإيجابية، وتحتاج لأن تبتعد عن أشخاص خطابهم سلبي  ونظرتهم للواقع سوداوية  وتعاملهم مع كل أمر مبني على «المظلومية» والغبن وأن العالم وبقية البشر «متآمرين» عليهم و «ناهبين» لحقوقهم. وخاتمة القول ان الطريق للصحة لايكون الا من خلال صحة الافكار

بقلم: دكتور إبراهيم محمد عبد الجليل

 

أضف تعليقك هنا