التجربة التونسية إلى أين تسير؟

ماذا يمكننا أن نعرف ونصنف التغيير السياسي الذي حصل في تونس؟

رغم مرور زهاء التسع سنوات على التغيير السياسي الذي حصل في تونس فإنه إلى اليوم ليس هناك إتفاق وإجماع حول تصنيف وتعريف التغيير ذاته بين من يعتبره ثورة أو انتفاضة أو مجرد تحول سياسي السلطة من قلة الى قلة اخرة، وبين من يعتبره انتقال ديمقراطي يمر بصعوبات عديدة.

هذا الجدل له ،فالأصل أن الثورات تنقل الأوضاع من السيئ الى الأحسن لا سيما اقتصاديا واجتماعيا باعتبار أن الشعارات التي ترفع زمن الثورات هي العدالة والرفاهية ،لكن للأسف فان البلاد تعيش في أزمة اقتصادية خانقة وعدم استقرار سياسي  ،فمنذ 2011 تعاقبت على تونس ثماني حكومات جلها حزبية باستثناء حكومة مهدي جمعة في 2014 التي صنفت كونها حكومة تكنوقراط اضطرت اليها الأحزاب الحاكمة حينها ضمن ما عرف بالترويكا للخروج من وضعية عنق الزجاجة التي كانت عليها البلاد خاصة بعد اغتيال القيادي اليساري شكري بلعيد .

الأحزاب السياسية ودورها في المشهد السياسي في تونس اليوم

ينشط في تونس اليوم ما لا يقل عن 218 حزبا جلها مغمورة أما التي لها تأثير في المشهد السياسي فلا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، لكن مع أهمية المشهد الحزبي فهناك مشهد آخر موازي له تأثير لا يقل عن الأول وهو المجتمع المدني الذي تمثله المنظمات الوطنية وخاصة الاتحاد العام التونسي للشغل أكبر منظمة شغيلة واتحاد الصناعة والتجارة والذي يمثل رجال الأعمال.

إضافة الى عدد كبير جدا من الجمعيات كثير منها حوله نقاط استفهام كثيرة  ،حيث أن ظاهرها خيرية لكن في الحقيقة فان شبهات تبييض الأموال وتمويل الارهاب ارتبطت بها ، وهذا بشهادة تقارير رسمية منها لجنة التحاليل المالية التابعة للبنك المركزي.

تدهور الوضع الإقتصادي في تونس

بالنسبة للوضع الاقتصادي فهو بدون مبالغة متأزم وفق المؤشرات الرسمية من إرتفاع التداين الخارجي، إلى تصاعد نسبة التضخم، فتقلص مخزون العملة الصعبة  ،لكن هذه ليست المؤشرات الوحيدة فهناك مظاهر أخرى تعكس حجم الأزمة من تعطل وتراجع قطاعات أساسية في الاقتصاد مثل انتاج الفسفاط والنفط وعدم انعكاس تزايد عدد السياح الأجانب على مخزون العملة الصعبة وهو ما جعل محافظ البنك المركزي السابق الشاذلي العياري يطلق صيحة فزع أمام البرلمان :”أين أموال السياحة”.

هذا الأمر يقودنا الى مؤشر آخر وهو تزايد حجم الفساد ونهب المال العام رغم بعث هيئة مستقلة لمكافحة الفساد وتعيين في فترة ما وزارة كاملة من مهامها مقاومة الفساد، فالدولة ممثلة في الحكومة والسلطة التشريعية تعترف وتقر كون الفساد استشرى أكثر مما كان عليه قبل 2011 لكن التعاطي وقف عند وصف الحالة ولم يتجاوزه الى المعالجة وتفعيل الحلول.

الوضع الاجتماعي في تونس اليوم

هنا أيضا لا يمكن فصل الوضع الاقتصادي عن الآخر الاجتماعي فهما مترابطان ، لكن لكون المؤشرات كثيرة فإننا سنأخذ جانبا واحدا يعكس الوضع ككل وهو تآكل الطبقة المتوسطة التي كانت تمثل صمام أمان لاستقرار المجتمع، فهذه الطبقة كانت قبل 2011 تمثل ما لا يقل عن 60 بالمائة من المجتمع لكنها حاليا وفق خبراء نزلت الى 40 بالمائة أي أن 20 بالمائة انتقلوا الى خط الفقر .

يمكن تفسير الأمر كون الفترات الانتقالية تشهد أزمات عامة لكن بعد حوالي تسع سنوات فإننا لم نعد نتموقع في الفترة الانتقالية بل هناك تفسير أو تفاسير أخرى منها الفشل السياسي وضعف الدولة ومؤسساتها، وأيضا غلبة الانتهازية وخدمة المصالح ان كانت حزبية أم شخصية، بعد أسابيع قليلة ستجرى انتخابات تشريعية تعقبها أخرى رئاسية.

الانتخابات

وعمليا فان الحملات الانتخابية انطلقت بقوة ومعها بدأت الأحزاب تبيع الوعود والشعارات كونها تمتلك الحلول  ، وهي نفس الاسطوانة التي “شغلت” في انتخابات 2011 ثم 2018

والسؤال هنا: هل مازال المواطن يثق في هذه الأحزاب التي نجحت في الوصول الى السلطة واستثمارها لمصالحها؟

وهي نفس الاسطوانة التي “شغلت” في انتخابات 2011 ثم 2018 خلال هذا العام جرت الانتخابات البلدية والتي مثلت “بروفة” لما بعدها أي التشريعية والنتائج كانت كارثية فنسبة المشاركة كانت ضعيفة جدا والى أبعد حد، ‘ضافة الى نتيجة أخرى ظهرت بوضوح وهي العقاب الجماعي للأحزاب، حيث أن القائمات المستقلة هي التي فازت بالنسبة الأكبر من المقاعد ولولا تشتتها لكانت رئاسة أغلب البلديات من نصيبها

ليبقى السؤال الأهم وهو: هل سنشهد مقاطعة في الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة كما حصل في الانتخابات البلدية؟

فيديو مقال التجربة التونسية إلى أين تسير؟

أضف تعليقك هنا