العالم بين البوح و الوصايا

في تلك الليلة الخجولة، بينما الأرواح و الضمائر نائمة في سبات عميق، كانت الأرض صامتة خائفة على غير عادتها تبحث بشغف عن القمر الذي قضى الليل بطوله متخفيا وراء سقوط الشهب ونحيب النجوم، متسللا بين خيوط الظلام الكئيبة.

العالم يرفع الراية البيضاء

كانت لحظات الخجل تلك كالهدنة الماكرة التي تسبق العاصفة، كانت تلك الليلة التي رأيت فيها العالم يرفع الراية البيضاء مستسلما، مطالبا بالانتحار المشروع أو الموت الرحيم على حد قوله.

لأول مرة ينتفض ضد البشر و يقف ضعيفا أمام تلك المآسي التي لا تكاد تنتهي، ذاك الصوت المخنوق ماكاد يتردد لحظة عن قول الحقائق التي نهابها جميع، تحدث عن زمن الحب الذي ولى ولن يعود ، وعن قتل الأحلام حرقا وجبرا وقصرا، و فيما ينفع هشيمها؟ بكى بحرقة على عصيان الأبناء حتى جفت مدامعه وحكى بأسف عن العلاقات التي يحتويها الزيف و الخداع و التصنع.

الوصايا الأخيرة للعالم 

أمام هذا البوح لم يكن له إلا أن يكتب وصيته الأخيرة للبشرية جمعاء، لأولئك الذين ماتوا قهرا و للأحياء ظلما و للذين سيأتون بعدنا دهرا، خط بيدين مرتعشتين و صاياه المبعثرة

  • الأولى

    • أن الحق حق مهما تبدل الزمان وتغير، وأن الحب رزق للمطهرين والأنقياء، وأن للكذب لون واحد وهو الأسود.
  • الثانية

    • تقول بأن الطيبة و الصدق و الحلم ملامح أخرى للقوة.و أن الصبر على الابتلاء و عدم تقطيب الجبين هبات ربانية خلقت ليحيا الإنسان في سعادة و رضى.
  • الثالثة

    • تقول أن السخاء يجب أن يكون اسما أخر للحب و أن نجاح أي علاقة إنسانية قائم على حين الاختيار.
  • الرابعة

    • تخاطب الإنسان قائلة أن شظايا الألم ستندثر و أن كل ذات قادرة على جعل صوتها يصدح طربا و نظما و حكمة لا صراخا و صخبا.

أشرف الليل على الانتهاء و بدت ملامح الصباح شاحبة متعبة، كأنها تحاول إخفاء أثار البكاء بأصابع الدجى، و لم يكن للعالم إلا أن يخلد للنوم منتظرا قرار السماح له بمغادرة الحياة.

فيديو مقال

 

أضف تعليقك هنا