النهاية مستحيلة في زمن البداية

بقلم: سعيد زروالي

وانا اتجول بين ارجاء المدينة حيث الزمن يفاجئ زمني بالموت حيا على قارعة الحضور؛ رمقت فتاة في سن الربيع جالسة القرفصاء في وسط (الساحة الكبيرة ) التي تعتبر مركزا للمدينة خلافا للدلالات الكبرى او استعمالا لدلالة المرام ؛سلّطَت الاضواء انوارها على وجهها طيات على الجبين كأن شرارات الانتقام تنبعث من ظلمة الذات المعذبة بغياب عدل يتأبطه الجحيم؛ شعرها بعيد عن الترتيب المعهود اشعث اكرد كأنها خرجت من كثافة السدر بعنف و إسرار؛ سمالها موشحة ؛ مرقعة تخفي كل ممزق من هذا الرداء.

نظرة الانتقام والانتماء

تنظر ببطئ شديد الى الشمال و بنفس الطريقة تنظر يمينا ثم تحلق في الافق تطيل النظر تبتسم كأن انبعاث افلاطوني يؤسس فيها الانتماء للمدينة و ينفخ فيها مرمى الفيلسوف.كنت واقفا قبالتها ارقبها حيث حشد من الناس يتتبعون المشهد والغرابة تعلوا وجوههم و الصمت يرخي سدوله على حبالهم الصوتية ليلقنهم سلوك الحكمة المستمدة من الاصغاء و الاستماع للتناغم الذي يجبره الصمت لبلوغ التأمل و التبصر في الظواهر . تنطرنا نظرة الانتقام نظرة الانتماء نظرة الرفض و كأن يد خفية ارسطية تلزمها غمار الواقع فتنعكس الوان لباسها على رؤيتها لما حولها.

تتحرك يداها ببطأ شديد ؛ ملامح الدهشة تنعكس على وجهها؛ ثمة حبال خفية تشد يداها ؛وبقوة ناعمة تجذبهما الى الاعلى رويدا رويدا و بهدوء تام ؛تحاول مرات عديدة التخلص من هذا القيد الخفي ؛ تصارع عالما تجهل كنهه ؛مخاض الصمت بداخلها لو تصعد لكان قنبلة هي اول ضحية لها ؛ حين تمتد يداها بالغةً الحد الادنى من المد يتغير المشهد الى صنم جامد متأطأة الرأس جالسة على هيئة القرفصاء الا ان اليدين في السماء.

المشهد الذي أعاد الفتاة للحضور

صمت ؛سكون ؛جمود ؛ غاب وجودي الذي يتمطي جسدي؛ لم اعد اشعر بالمحيط ؛ وجدتني في محكمة بلا قضات اشكو قضية جعلتني صنما يتحرك حيث لصوص سرقوا وجودي من جسدي سرقوني مني؛ قهقهة عريضة اعادتني الى الحضور ؛كانت الفتاة تحرك رأسها ببطئ تنظر قبالة الحشود حيث انا جامد مشدود لهذا المشهد تضحك و تضحك جنون مكنها من الحركة.

تعبر عن الطيران بالتحكم التدريجي في اليدين قهقهاتها تنغمس في بركة التعب؛ لما بلغ الجهد حلقومها تضاعفت قوة الطيران ؛مزقت الحبال ؛صرخت صرخة الرفض مدوية كرست في داخلي الحضور :لا..! لا…!. تعود الى حالتها الاولى تنظر يمينا وشمالا ثم الى الاعلى ولا تطيل النظر تنظر الى الحشود قبالتي ؛تطيل النظر ؛ تخاطبه بملامحها ؛ تبدي الانتماء تارة والرفض اخرى ؛ تبتسم ؛ تضحك ؛ تبكي ؛ تغني : (آه!) ثم تعود الى الضحك المجنون ؛ تقف بهدوء تتتبع نظرات الحشود المشدودة اليها و بثقة الحكيم المبصر تقول:

(لو تحركت هكذا ) تدير بظهرها (اكون) تضحك بجنون ( في المقدمة)تعود كما كانت و كانها تعبر عن الانتماء ثم تقول: حركة واحدة تقلب الموازين بل تغير المفاهيم تجعل من الدماء ماء ومن الالة انسان و من الشاذ معهود و القائمة تطول ؛ حركة واحدة تجعلني لا ارى الا نفسي و من خلالي احدد العالم من حولي ؛ تزحلقت دموع الالم على خديها ووضعت محفضة قديمة على كتفها ثم قالت: اكره هذه الحركة لانها سبب كل المآسي و مشت على مهل فتوارت بين الزقاق و الحشود ترقبها عن كثب جامدة تنتظر النهاية و النهاية مستحيلة في زمن البداية.

بقلم: سعيد زروالي

أضف تعليقك هنا