هايدجر وسؤال الوجود

بقلم: فاطمة الشبلي

لقد حاول هايدجر في “كتاب مدخل إلى الميتافيزيقا” أن يبحث ويستقصي في موضوع “سؤال الوجود” من خلال أربع فروقات أو اختلافات أو تمايزات:

  • الوجود والصيروية
  • الوجود والظهور
  • الوجود والتفكير
  • الوجود والواجب

بداية كتاب “كتاب مدخل إلى الميتافيزيقا” للفيلسوف هايدجر

وفي مستهل وبداية نقاشه ذكر هايدجر سبع نقاط على النحو التالي:

  1. في هذه التمايزات والإختلافات الأربعة تُرسم وتتعين حدود الوجود بواسطة شيء آخر.
  2. تم تحديد وتعيين حدود الوجود في أربع نواح مترابطة،بناء على ذلك فإن تحديد الوجود وتقريره ينبغي أن يكون متفرعا ويزداد ويتعاظم طبقا لذلك.
  3. هذه التمايزات والإختلافات الأربعة هي ليست في أي شكل من الأشكال فروقات وإختلافات عرضية،فكلها يرتبط البعض منها للآخر،وهذه التمايزات الأربعة ترتبط بضرورة أو بنية داخلية.
  4. هذه التناقضات والتعارضات التي تبدو للوهلة الأولى كصيغ لم تنشأ بمحض الصدفة بل إنها نشأت وانبثقت من خلال صلة قريبة جدا مع الشكل والصورة الغربية الحاسمة والمصيرية للوجود،وهي بدأت ومنذ البداية عند الإغريق.
  5. هذه التمايزات لم تبق سائدة ومسيطرة على أجواء الفلسفة الغربية فقط ولكنها انتشرت إلى كل مفاصل المعرفة والفعل والمقال الفلسفي.
  6. إن النظام الذي تم بموجبه درج وتسجيل وتعداد العناوين الأربعة يزودنا بذاته بإشارة إلى نظام سياقها الأساسي والنظام التاريخي الذي من خلاله تمت صياغتها.
  7. إذا أراد أي واحد أن يطرح سؤال الوجود بشكل جذري فإنه ينبغي عليه أن يفهم مهمة كشف وفض الماهية والجوهر الحقيقي للوجود.

إن كل شيء يعتمد على السؤال الأساسي الذي تم طرحه وعرضه في البداية “لماذا كان وجود الموجودات بدلا من العدم؟” ومن أجل تطوير هذا السؤال يقول هايدجر :كنا مجبورين أن نطرح السؤال التالي: كيف للموجود أن يقف مع الوجود؟

ما هو الوجود؟

  • في البداية كان مصطلح الوجود ككلمة فارغة معناه”محض بخار متلاشي”،ولكن في النهاية أثبت أن هذا السؤال “سؤال الوجود” هو الأكثر أهمية واستحقاقا بين كل الأسئلة،إن الوجود وعملية فهم واستيعاب الوجود ليست واقعة معطاه،الوجود هو الحدوث،الحدوث الأساسي الذي يجعل من الوجود التاريخي هناك في العالم أمرا يمكن فضه وكشفه ككل.
  • يقول هايدجر إنه من الخطأ الفادح التحدث عن غموض مصطلح الوجود ولا محدوديته ويضيف أن الوجود الذي أخذناه واعتبرناه في البداية على أنه كلمة فارغة ينبغي أن يكون بالضد مع العدم ويمتلك معنى محددا ومعينا.
  • إن الوجود هو الدائم والمستمر والباقي،فهو دائما مماثل ومطابق لذاته،موجود هناك بالفعل وأساسه هو الحضور الدائم.
    هذا التعريف للوجود ليس تعريفا عرضيا إنه نشأ وانبثق من التحديد والتعيين الذي يهيمن ويسيطر على وجودنا التاريخي هناك في العالم،بمقتضى بدايته العظيمه بين الإغريق،فإذا كان الوجود يمتلك تحديدا وتعيينا،إن عملية تعيين وتحديد الوجود هي القوة التي ما زالت تساند وتهيمن على كل علاقتنا مع الوجود ككل :مع الصيرورة مع الظهور مع التفكير مع الواجب.

توضيح مفهوم سؤال”كيف للموجود أن يقف مع الوجود؟”

في هذا الكتاب يبين هايدجر أن سؤال كيف للموجود أن يقف مع الوجود؟ يثبت ويبرهن أنه بالأحرى سؤال “كيف يقف هذا الموجود مع وجودنا هناك في التاريخ؟ إنه سؤال ما إذا كنا نقف في التاريخ أم أننا فقط نترنح ونتمايل بشدة في الإبتعاد عنه.

نحن نتحرك في كل الإتجاهات وسط الموجود ولا نعرف كيف له أن يقف مع الوجود،حتى حينما يطمئن أحدنا أننا لم نعد نتهادى ونترنح بشدة ،يقوم الناس بأفضل ما استطاعوا القيام به ليبينوا أن هذا الإستقصاء والبحث عن الوجود لا يجلب إلا الإرتباك والغموض والفوضى التي تكون نتائجه مدمرة،وهذه هي العدمية بعينها.

يتساءل هايدجر أين هي العدمية حقا؟ ويجيب إنها تكون في العمل حينما يتشبث الناس في الموجودات المألوفة ويفترضون أن هذا الأمر كاف للإستمرار في القبض وأخذ الموجودات كموجودات،ويضيف إتهم يرفضون التعاطي مع سؤال الوجود ويعاملونه وكأنه نسيان وهكذا تفهم العدمية بأنها أساس نمط الإشكالية التي حاول نيتشة أن يكشفها في كتابه “إرادة القوة”، وبالخلاف مع نيتشة يؤكد هايدغر:إن دفع البحث والإستقصاء في الوجود ورسم العدم في سؤال الوجود في الحقيقة هي الخطوة الأولى نحو التجاوز الحقيقي للعدمية.

مجمل القول في مفهوم الوجود

  • إن المناقشة التي تناولت التمايزات الأربعة تبين لنا بدقة أن البحث في الوجود الذي هو أكثر البحوث إشكالية ينبغي أن يتم إنجازه بهذا المستوى من العمق، إن الوجود يتحدد ويتعين وجوده بالضد مع :الصيرورة والظهور والتفكير والواجب،وهذه التمايزات ليست شيء نحلم به للتو،إنها تمثل القوى التي تهيمن وتسيطر على الموجود وعلى كشفه وفضه وتبديه،ثم يسأل الصيرورة هل هي عدم؟ الظهور هل هو عدم؟ التفكير هل هو عدم؟ الواجب هل هو عدم؟ الجواب لا على الإطلاق.
  • ويوضح هايدجر بأن الموجود ككل هو سطوة طاغية لا تقاوم، فالإنسان طبقا لهايدجر هو كائن: خائف،قلق،رهيب ومريع،أولا لأنه يبقى ينعرض وينكشف ضمن سياق ووسط هذه القوة الساحقة والطاغية التي لا تقاوم،ولأنه بمقتضى ماهيته وجوهره هو في الواقع يخص ويعود إلى الوجود،ولكن الإنسان أيضا شخص عنيف،شخص يجمع القوة ويجلبها معا إلى حالة التجلي والتبدي والتمظهر،فالإنسان هو الشخص العنيف وليس بمعزل عن الصفات الأخرى ولكن بمعنى فقط أنه في حالة عنفه الأساسي يستخدم القوة بالضد من الساحق الطاغي القوي الذي لا يقاوم،والإنسان أيضا هو الأكثر غرابة والأكثر قوة: إنه العنيف في وسط ما هو طاغي وساحق ولا يقاوم(الوجود).
  • ويعلن هيدجر أن كل هذه القوة التي يمتاز بها الإنسان سرعان ما تتحطم وتتهشم أمام سلطة واحدة هي “الموت”،إنه النهاية التي تقوم خلف أي تحقق واكتمال،إنه الحد الذي يقف خلف كل الحدود،إن الموت ينفينا ويطرحنا بعيدا عن كل الأشياء المألوفة لنا وتحيط بنا،إن الإنسان من حيث هو موجود يضل واقفا في حضرة لا موضوعه.

المراجع:

مارتن هايدجر،مدخل إلى الميتافيزيقا

بقلم: فاطمة الشبلي

أضف تعليقك هنا