بقلم: حنين مهدي
مقدمة
لطالما آمنت بأنَّ الكثرة في كل شيء لا تعد مقياسًا بجانب القلة القليلة الصادقة، وأن إغراق الميدان التربوي بالغث والسمين من الوسائل والطرق والتجارب التربوية التي تشبهنا ولا نشبهها، ننتمي لها ولا تنتمي لواقعنا، لهو الكارثة الواقعة التي تنهض عرضا، فلا تبقي ولا تذر لنهضتنا بالعلم والفكر والتعليم في مجتمعنا سبيلاً.
تتداعى الأفواه التي تقتلها الحماسة لكل دخيل بحناجر لاهبة، هذا يروج للاتجاه الفلاني وهذا يروج لاتجاه غيره، وبين هذا وذاك لا نجد المادة، ولا الفائدة، ولا الحقيقة، ولا انعكاس الأقوال حقيقة في الميدان، ولا نجد لفكرنا الإسلامي التربوي حضورا لائقا بوصفه مادة مستمدة من كلمة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء _وهو الأجدر والأبقى _.
من هنا لابد من وقفة عملية متأنية فاحصة وجادة لإصلاح الفكر التربوي في التعليم، مبنية على أسس متينة قوامها النظرة الصادقة للواقع التعليمي ومتطلباته وآفاقه واتجاهاته، حتى تكون عملية الإصلاح لهذا الفكر مستندة لما يناسب المجتمع بمكنوناته من ثقافة، وديانة، وخصوصية تميزه عن المجتمعات الأخرى.
تعريف الفكر التربوي الإسلامي
بالاستناد إلى عدة مصطلحات متداخلة تسهم بدورها في تكوين هذا المفهوم _ مثل التراث، و التربية، و التعليم، و مصادر الفلسفة_ والذي بدأت الإشارة إليه منفصلا في بداية القرن العشرين، فإننا يمكن أن نخلص إلى أن الفكر التربوي الإسلامي هو طريقة التفكير المستندة إلى العقيدة الإسلامية، التي تتسم بصفات تؤهلها لكونها فكرا عالميا صالحا لكل زمان ومكان، في بناء عملية التربية و التعليم، وما يصاحبها وينبثق عنها من اتجاهات وطرق ووسائل؛ لبناء نظريات تربوية وتعليمية تختص بالفرد والمجتمع ككل، أو انتقاء تجارب تعليمية وعملية من المجتمعات الأخرى، وتعميمها على المجتمع الإسلامي.
خصائص الفكر التربوي الإسلامي
يتميز الفكر التربوي الإسلامي بالعديد من الصفات التي تجعله دونما منازع صالحا للمجتمع الإسلامي والمجتمعات الإنسانية الأخرى ذلك بأنه شامل لكل الجوانب الإيجابية في أي فكر آخر بكل توسط واعتدال دون أية مبالغة أو تهويل.
ومن هذه الخصائص:
- الشمولية: يهتم بشؤون الدنيا والآخرة، ولا يخص قوما بعينه في الخطاب بل يوجه للجميع.
- الربانية: فهو ثابت المصدر، مستمد من لدن عليم خبير، يعلم ما هو أدرى بصلاح البشر وأقوم وأوجه لدنياهم، ويتدرج معهم بما يناسب طبيعة ظروفهم ومكانهم وزمانهم.
- التوازن: فهو فكر شامل متوازن لا يهمل جانب دون الآخر بل يهتم بالجسد والوجدان والروح.
- الواقعية: يتميز الفكر الإسلامي بالواقعية التي تجعله مرنا متكيفا مع التغيرات التي تطرأ على حياة الإنسان المسلم، غير متزمت في إيجاد حل لكل ما يعرض من مستجدات خارج إطار التشريعات الحدية المقيدة بالنص الشرعي.
- تكريم العقل: فنظرة الإسلام للإنسان ترفعه بناء على تكريمه بالعقل والذي يعد أول أدوات الفكر وآلاته، حيث يدعو لإعماله، ويشجع على استعماله والإفادة من نتائجه في مختلف الآيات بمختلف مستويات التفكير الإنساني البسيطة والمعقدة.
كيف نصلح الفكر الإسلامي التربوي في التعليم؟
باستعراض تعريف الفكر الإسلامي وخصائصه التي تميزه عن الفكر في أي ديانة أخرى أو الاتجاهات العالمية والتراث الفكري الآخر أينما وجد فلا بد من وقفة جادة لإحلال هذا الفكر في مواقعه التي تؤتي أكلها لإصلاح العملية التعليمية برمتها وإبراز بصمة إسلامية تعيد للشخصية المسلمة حضورها في موروثات النشء الذي تتنازعه أسواط العولمة والمذاهب الفكرية الهدامة وآفات الفكر الضال.ويمكن إصلاح الفكر الإسلامي التربوي من خلال عملية شاملة لجميع مكونات النظام التعليمي من مدخلات وعمليات ومخرجات.
أولا: إصلاح البنية الفكرية للمعلم
ينبغي عند إعداد المعلمين في المعاهد والجامعات مراعاة الأسس الفكرية التي يتم تربيتهم عليه، وهناك جملة من الصفات التي يتميز بها المعلم المعد إعداد فكريا من وجهة نظر إسلامية تربوية:
- منتم لدينه متمسك بعقيدته.
- يتقبل الاختلاف المحمود الذي يثري مشهد التعليم وينشط حركة التربية.
- قادر على التمييز بين الغث والسمين في مجال عمله مما يخدم هدف التربية الإسلامية الأول وهو التزكية والتطهير.
- قادر على استخدام الوسائل التعليمية والطرق والأدوات والمعينات التي ترتقي بعملية التعليم وتضمن بقاء لأثر تعليمه وتنتج أفرادا متعلمين أسوياء فكريا ونفسيا وعلميا.
- منفتح على الفكر العالمي ومستجداته والتراث الفكري العالمي بطريقة حذرة وموضوعية وانتقائية تضمن له الوصول إلى مناهل الحقيقة والحكمة والفائدة بلا إفراط ولا ضرر أو إغراق للساحة في الميدان التعليمي الإسلامي بما لا يتناسب مع مبادئه وأصوله.
أهم الاتجاهات الحديثة المناسبة لتربية المعلم للمجتمع المسلم
1. التأكيد على تأهيل المعلم لتربية تلاميذه تربية إسلاميةوهذه العبارة تعني في جوهرها توجيه سلوك المتعلم بمساعدة المعلم على أن ينمو بشكل كامل وشامل ومتوازن، ومنها اكتساب الخبرات الخاصة بالقيم الإلهية والخبرات البشرية مما يجعل سلكه قولا وعملا وفق منهج الله.
قال تعالى: {وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 129]
ويقول أيضا: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7، 8]
2. العناية بتزويد المعلم بالثقافة الإسلاميةفالثقافة الإسلامية هي الأساس التي يبنى عليها نظام المجتمع ويقوم عليها البناء التعبدي وهي منطلق تحرر النفس الإنسانية من العبودية لغير الله، ولذا فهي تستنفر المعلم لتربية تلاميذه وتوجيههم وإرشادهم وحفز هممهم نحو دفع الأمة إلى الانطلاق الحضاري تحت راية دين الله الحنيف وتعريفهم بماضي أمة الإسلام وحاضرها.
3. العناية بالتوجه الإسلامي للعلوم وبإسهامات العلماء المسلمين فيها.
4. تمكين المعلم من مهارات التعبير باللغة العربية الفصحى ومن التعليم فيها. ويدخل في إطار هذا البند: الاتجاه نحو تعريب جميع المعلومات ورفع مستوى المعلم فيها وتقوية المعلم في التحدث باللغة العربية لما لها من اسهامات في تقوية المعلم وانعكاسها على شخصية الطالب في اللغة.
5. الأخذ بمبدأ التعليم مدى الحياة والنظر إلى تربية المعلم في إطار نظام موحد، وذلك لكي يبقى المعلم متصلا بعالم التربية والعلم ومطلع على التجديدات الحديثة
6.رفع مستوى برامج تربية المعلم وتكاملها وتنوع خبراتها؛ لأن برامج اعداد المعلمين هي الركيزة الأساسية لنواة تكوين المعلم، لذلك من الضروري على الجامعات والجهات المختصة أن تقوم يتعدل خطة إعداد المعلم والاهتمام به في جميع الجوانب، المهنية، العلمية، الاجتماعية، الأخلاقية.
7.الأخذ بالتطورات المعاصرة في التقنية التربوية ومحو الأمية التكنولوجية؛ لأن عصرنا الحاضر هوزمن التقدم العلمي والتكنولوجي، تطورت معها طرق تدريس المواد، وتقدمت أساليبها لمراعاة تغيرات العصر كما أسلفت آنفا.
لذلك كان من الضروري تنمية قدرات المعلمين على الأخذ بالتطورات الحاصلة في العالم شريطة ألا يتنافى ذلك مع الشريعة الإسلامية.
8.التأكيد على البحوث وتطبيقاتها الميدانية، وذلك لما لها من أهمية في تقدم العلوم والارتقاء بشخصية المعلم.
ثانيا: إصلاح فلسفة التعليم
إن من أهم ما يبنى عليه التعليم هو فلسفته والتي يجب أن تكون مستندة إلى أساس مكين، وتنفرد المجتمعات المسلمة بهذه الفلسفة الخالية من الخطأ، لكن الواقع التربوي لمجتمعات التعلم المسلمة يثبت تورطها في تبني فلسفات دخيلة خاطئة تظهر جليا في الأهداف المعلنة وغير المعلنة للمنهاج.
إن الطريقة المثلى التي يجب أن تبنى عليها المناهج هي الطريقة التي توصل الفرد المسلم للغاية من وجوده وهي العبادة وتوحيد الله وحمله لأمانة استخلاف في الأرض من خلال إعمارها والسعي في مناكبها.
وإن أي خروج عن هذا الهدف لهو خروج عن الفطرة السوية وعن هدف الوجود الإنساني، فلا يصح أن تكون فلسفة التعليم مستندة لنظريات بشرية قاصرة هدفها الأسمى جعل الإنسان مستهلكا، أو آلة رخيصة.
ويتوجب على أصحاب الشأن والغيرة عند تخطيطهم للعملية التعليمية برمتها ما يلي:
- تجنب أي صورة أو رمز أو إشارة لأي مضمون أو محتوى يخالف العقيدة الإسلامية في المنهاج.
- التركيز على تبني اتجاهات تبرز مرونة المشروع الإسلامي وسماحته وقيمه ومواكبته للعالمية؛ بل احتوائها من خلال محتوى هادف مرتبط بأنشطة وأساليب ومهارات ممثلة تماما لصحة الفكرة.
- التركيز على ممارسات تربوية تعليمية مميزة وحضارية تعكس صورة الفكر الإسلامي.
- تسليط الضوء وحشد الجهود لإرساء قواعد النظرية الإسلامية في كل حيثيات الميدان التربوي التعليمي وكل جزئيات النظام التعليمي.
الخاتمة
في الختام: إن الناظر في الشأن التربوي الإسلامي لن يعجز عن رؤية محاولات الانسلاخ التام عن الإرث الإسلامي بمضامينه الجزلة المتوازنة، ولن يبذل جهدا كي يستبصر ما وراء السطور من كل رمز دخيل أو بذرة انحراف أو فكرة شاذة زرعت بأيد تعمل في الخفاء لكنها معروفة، وهذا كله يستدعي وجود أناس غيورين لا يهزلون في جدهم، بينما يجد العالم كله في باطله، لتربية جيل صالح تشد بها الأمة عضدها، ويكون ركنا متينا تأوي إليه في غمرة احتياجها وضعفها، يقلب الطاولة رأسا على عقب إذا ما أصبحت الأمة المسلمة قصعة تتداعى عليها سائر الأمم.
المراجع
- القرآن الكريم
- شوق، محمود أحمد ومالك، محمد (2001): معلم القرن الحادي والعشرين، دار الفكر العربي، القاهرة.
- شوقي، محمود أحمد (1995): تربية المعلم للقرن الحادي والعشرين، مكتبة العبيكان، الرياض.
بقلم: حنين مهدي