قد تتعرض التربة أو المياه أو الهواء أو جسم الإنسان لمواد مشعة تعرف بظاهرة التلوث الإشعاعي، وتكون نتيجةَ لأنشطة بشرية أو تجارب خاطئة تسببت في تسرب المواد المشعة وتلوث البيئة المحيطة بها، وقد يتسبب التلوث الإشعاعي في عدة أضرار وخسائر بشرية وبيئية تمتد مدة تأثيرها وآثارها إلى عدة أجيال، ومن عدة مصادر ممتدة من مصادر طبيعية أو صناعية.
مصادر التلوث الإشعاعي
أولاً: المصادر الطبيعية
وهي مصادر التلوث الإشعاعي النابعة من مصادر كونية ضمن ظواهر طبيعية مثل: الأشعة الكونية الصادرة من الفضاء، ومصادر الإشعاع الطبيعية على سطح الأرض وكافة العناصر المشعة الطبيعية التي وجدت على سطح الأرض منذ بدء الكون، وبقدر مستوى التلوث الإشعاعي تتشكل الآثار البيئية أو البشرية من تلك المصادر.
ثانياً: المصادر الصناعية
تنشأ المصادر الصناعية للتلوث الإشعاعي نتيجةً لممارسات بشرية تسببت بالتلوث الإشعاعي بشكل غير مباشر، وتعتبر النفايات المشعة المتمثلة في البقايا أو المهملات أو الفضلات التي تنتج من العناصر المشعة الموجودة داخل المفاعلات النووية من أهم المصادر الصناعية بالقرن الحالي.
كارثة تشيرنوبيل الشهيرة وآثارها على الإنسان والبيئة المحيطة
وبالحديث عن التلوث الإشعاعي وآثاره السلبية الممتدة على البيئة والإنسان، يشار إلى التجربة المأساوية لأكبر كارثة لانفجار مفاعل تشرنوبل الأوكراني او الروسي السوفيتي في ذلك الحين، وتصنف كأكبر كارثة نووية شهدها العالم على مر العصور.
مفاعل تشرنوبل هو عبارة عن محطة طاقة نووية لتوليد الطاقة الكهربائية تم بناؤها بجوار مدينة برابيت الأوكرانية مع الحدود الروسية على بعد يبلغ 18 كيلو متر شمال غرب مدينة تشيرنوبيل التي تعتبر شبه مهجورة الآن. كانت هذه المحطة تمول أوكرانيا بما يقرب من 10 % من ما تحتاجه من الكهرباء.
في شهر أبريل سنة 1986م ونتيجة لخطأ في التشغيل بمحطة توليد الطاقة باستخدام الطاقة النووية وقع انفجار في مفاعل تشيرنوبيل أدَى إلى تسرب الكثير من الغبار الذري المحمل بالعناصر المشعة مكوناً سحب ذرية ضخمة حملتها الرياح إلى معظم دول أوروبا الشرقية والغربية. وقد تسبب انفجار المفاعل النووي لتشرنوبيل بتلوث نووي شديد تشكل بسقوط الأمطار في شهر مايو من نفس العام محملة بالعناصر المشعة إلى سطح الأرض، مما أدى إلى تلوث التربة والنباتات والمياه والأغذية بالعناصر المشعة.
وتسبب بتأثر النباتات والتربة وكذلك الحيوانات التي تتغذى حيث أصبحت أجسامها ملوثة بالإشعاع الذري وبالتالي تتلوث اللحوم، والألبان ومشتقاتها وبهذه الطريقة يصل التلوث الإشعاعي للإنسان عن طريقها كمصادر للتغذية، إضافة إلى تأثر جسم الإنسان بالتعرض المباشر للتلوث الإشعاعي.
تعريف التلوث الإشعاعي
التلوث الإشعاعي هو ارتفاع كمية الإشعاعات النووية وزيادة نوعيتها في البيئة المحيطة حيث تقاس تلك الإشعاعات بوحدة دولية لقياس الإشعاع الممتص تعرف ب سيفَرْت أو زيفرت (بالإنجليزيةSievert :) ورمزها (Sv) ويقاس مدى الحد الأقصى المسموح للتعرض للإشعاع لكل عام، وتختلف القيمة القصوى للإشعاع الممتص بالنسبة للعاملين في مجال معرض للإشعاع نسبة الى الأشخاص الطبيعيين.
للعاملين في مجال الإشعاع فالحد الأقصى المسموح له للتعرض للإشعاع في العام الواحد 20 ملي سيفرت، أما اما الأشخاص الطبيعيين فالحد الأقصى المسموح لهم للتعرض للإشعاع في العام الواحد هو 1 ملي سيفرت. وقد تختلف حدود الجرعة الفعالة الآمنة حسب عمر الشخص، والفترة التي تعرض فيها للإشعاع، وبحسب الجزء من الجسم التي الذي تعرض للإشعاع.
تأثيرات الإشعاع على جسم الإنسان
قد تظهر تأثيرات الإشعاع على جسم الإنسان عند التعرض لجرعة إشعاعية كبيرة خلال فترة زمنية قصيرة خلال يوم أو أقل، أو إذا تعرض إلى جرعات إشعاعية صغيرة لفترة زمنية طويلة.
وبتعرض جسم الإنسان لجرعة إشعاعية كبيرة خلال فترة زمنية قصيرة، يمكن أن يؤدي إلى تدمير الطحال والجهاز الهضمي، وتدمير الجهاز العصبي المركزي أي الدماغ والحبل الشوكي، ويؤدي كذلك إلى تدمير نخاع العظام، والذي يعد أول جزء من الجسم يتأثر بالجرعات الإشعاعية، والمسؤول عن تكوين خلايا الدم مما يترتب عليه نقص عدد كرات الدم الحمراء في جسم الإنسان. ويتسبب نقص عدد كرات الدم الحمراء في جسم الإنسان بالشعور بالإعياء ، أو غثيان ودوار وإسهال ، أو التهابات متفرقة في الجسم.
وعلى النحو الآخر قد يتعرض الجسم لجرعة إشعاعية صغيرة لفترة زمنية طويلة قد تمتد لشهور، مما يسبب تأثيرات بدنية مثل سرطان الجلد أو تأثيرات وراثية في تركيب الكروموسومات الجنسية للآباء، وينتج عنها ولادة أطفال بتشوهات خلقية أو تأثيرات خلوية تحدث في تركيب الخلايا مثل تغيير التركيب الكيميائي لهيموجلوبين الدم، مما يؤدي إلى عدم تمكن كريات الدم الحمراء من نقل الأكسجين في الجسم وتدمير باقي خلايا الجسم.
تأثير التلوث الإشعاعي على البيئة
تتسبب الزيادة في نسبة الإشعاع الطبيعي بسبب التجارب البشرية التلوث الإشعاعي للهواء والماء والتربة، وقد يؤثر ذلك على البيئة و المناخ بشكل ملحوظ سواء في المنطقة التي تعرضت للتلوث الإشعاعي أو حتى البلدان المجاورة. ويمكن للتلوث الإشعاعي أن ينتشر بسرعة بسبب الرياح التي تنقل السحاب المحمل بالغبار الذري أو بواسطة الأمطار أو المياه الجارية كالأنهار، أو حتى بسبب الإنسان مثل تصدير مواد غذائية ملوثة بالإشعاع.
و يعد عقم التربة أخطر تأثير يسببه التلوث الإشعاعي على البيئة، مما يرفع من نسبة الإشعاع في التربة و الأغذية المزروعة ونسبة سمية التربة، فتصبح التربة غير قادرة على إنبات العناصر الطبيعية من جديد كما تتلوث المحاصيل و تصبح غير صالحة للاستهلاك.
وقد يتسبب ذلك في المجاعة لسنوات طويلة في المنطقة الملوثة بالإشعاع إضافة الى إصابة الحيوانات و الحشرات التي تتغذى على هذه النباتات الملوثة بالإشعاع بطفرات جينية تتسبب لها بأمراض مميتة بالتوازي مع الكائنات البشرية التي تتغذى عليها .
طرق الوقاية من التلوث الاشعاعي
ارتداء المتعاملين مع المواد المشعة بالمعامل والمستشفيات للقفازات والملابس الواقية من الإشعاع يعد أمر رئيسي للوقاية من التلوث الإشعاعي وانتشاره. ويتعبر وضع قوانين خاصة تلزم المحطات النووية بتبريد المياه الساخنة، قبل إلقائها في البحيرات والبحار والتأكد من خلوها تماما من مصادر التلوث الإشعاعي أمر هام لضمان تلافي تأثر المياه الجوفية والسطحية بالتلوث. ومن الضروري التخلص من النفايات النووية بعدة طرق مختلفة وفقا لقوة الإشعاعات الصادرة منها بأن يتم دفن النفايات ذات الإشعاعات الضعيفة والمتوسطة التي توضع في باطن الأرض محاطة بطبقة من الإسمنت والصخور، وبدفن النفايات ذات الاشعاعات القوية على عمق كبير في باطن الأرض.
ولأهمية حماية البشرية والاستدامة البيئية ولتفادي وقوع كوارث مشابهة للحوادث التي وقعت سابقاً للمفاعل النووي فوكوشيما الياباني أو المفاعل النووي تشيرنوبيل السوفيتي واستعاضتها بتطوير مصادر صديقة للبيئة، كالاستفادة من الطاقة البديلة التي لا تشكل أي خطر على البشرية أو البيئة كالطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، حيث يمكن استغلال الموارد الطبيعية المتاحة التي تساعد في تقليص مستوى التلوث البيئي، و كذلك توفير طاقة بديلة نقية.