مما يلاحظ في الآونة الأخيرة هو ازدياد درجة الحرارة الطبيعية لسطح الأرض كما يلاحظ نزول الأمطار بكمية كبيرة في ظرف زمني قصير و في بعض الأحيان في غير موسمها الطبيعي لتسبب فيضانات تعقبها فترات جفاف لها عواقب بيئية واقتصادية وخيمة.
الاحتباس الحراري
هذه الحالات تسمى علميا بالاحتباس الحراري باللغة الإنجليزية Global warming و الفرنسية Le réchauffement climatique: هو ازدياد متوسط درجة الحرارة في العالم و كذا إزدياد نسبة الغازات الدفيئة منها غاز ثاني أكسيذ الكربون و غاز الميثان.
بدأت درجة حرارة سطح الأرض بالارتفاع منذ بداية القرن العشرين فهي الآن ضعف ما كانت عليه قبل 200 عام فهناك عدة نظريات تحاول تفسير هذا الارتفاع في درجات الحرارة فمنها من يقول أن السبب طبيعي مع العلم أن العوامل الطبيعية لا تمثل إلا نسبة قليلة من هذا الاحترار. أما النظريات التي تنسب هذا الإرتفاع الجنوني لدرجات الحرارة للتلوث و هي الأقرب بل الأصح لتفسير ما يحدث نتيجة لإرتفاع الغازات الدفيئة و التي يرمز لها ب GHG وهي غازات توجد في الغلاف الجوي لكوكب الأرض.
تقوم بامتصاص الأشعة تحتِ الحمراء التي تطلقها الأرض فتحتفظ بها وترفع درجة حرارة الهواء، بذلك تقلل من ضياع الحرارة من الأرض إلى الفضاء مما يجعلها تساهم في تسخين جو الأرض و تنتج هذه الغازات عن طريق احتراق الوقود الأحفوري سواء من المنشآت الصناعية أو محطات الطاقة أو وسائل المواصلات، إذ يطلق منها سنويا ما يزيد عن عشرين مليار طن في جو الأرض عكس ما كان عليه الحال قبل الثورة الصناعية حيث بقيت نسب غازات الدفيئة في الغلاف الجوي ثابتة تقريبا.
المجتمع الدولي بين الإتفاقيات والتطبيق
ترى “الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ” التابعة للأمم المتحدة أن مستوى الخطر قد يحل في عام 2036 ، حيث يمكن أن ترتفع درجة الحرارة بمعدل درجتين مئويتين نتيجة انبعاثات غازات ثاني أكسيد الكربون البشرية المنشأ من احتراق الوقود وخاصة الفحم الحجري والنفط والغاز الطبيعي، مع مساهمات إضافية تنتج جراء إزالة الغابات والغطاء النباتي.
تعمل الدول الصناعية الكبرى و التي هي المسبب الرئيسي للانبعاثات من أجل خفض نسبة الغازات الدفيئة المنبعثة في الجو من خلال عدة اتفاقيات عالمية نذكر منها: “إتفاقية باريس” و التي هي أول اتفاقية عالمية بشأن المناخ. و التي جاءت عقب المفاوضات التي عقدت أثناء مؤتمر الأمم المتحدة 21 للتغير المناخي في باريس في 2015. و صادق عليها كل الوفود الحاضرة و البالغ عددها 195 في 12 ديسمبر 2015 و تهدف هذه الاتفاقية إلى محاولة إحتواء الاحترار العالمي و خفض الانبعاثات كما نصت على تقديم ما قيمته 100 مليار دولار أمريكي كمساعدات مناخية الدول النامية سنويا.
و يبقى التنفيذ على الواقع أمرا صعبا خصوصا عندما خرجت إدارة الرئيس الأمريكي السابق من الاتفاقية و ابدت رفضها مما صعب فرص الخروج من نفق هذا الخطر الذي يداهم البشرية لتعود الإدارة الأمريكية الحالية للاتفاق من جديد، من أسباب التردد هو أن الدول الصناعية غالبا ما ترضخ لمطالب الشركات الكبرى التي لها نفوذ كبير مما يجعل تطبيق تلك الاتفاقيات على أرض الواقع صعبا و لكن ليس مستحيلا…فيجب أن تكون إرادة سياسية قوية لمواجهة ضغوطات اللوبيات المالية.
الكوارث الطبيعية الناجمة عن الاحتباس الحراري
الفيضانات، الحرائق، الجفاف، التصحر و انقراض الكائنات الحية كلها كوارث سببها الاحتباس الحراري نتيجة ذوبان الجليد بالقطبين الشمالي والجنوبي الذي يسبب إرتفاع منسوب مياه البحار و تأثيره على المناطق المنخفضة كما أنه أيضا يسبب الجفاف و قلة مياه الأمطار التي تؤدي إلى الحرائق، وفي كلتا الحالتين هناك تأثير على الكائنات الحية في مقدمتها الإنسان بطبيعة الحال كما أن التفاعلات في باطن الأرض قد تسبب الزلازل، كما أن النفايات الصلبة و الغازية لها دور كبير في تلك الكوارث، هذا من جهة التأثيرات الطبيعية أما الإقتصادية فالخبراء الاقتصاديين يرون أن التكلفة المالية لا نهاية لها إن واصلنا بنفس الوتيرة كما أنه قد تندلع صراعات و حروب نتيجة الأزمات المتعاقبة التي قد تضرب مختلف مناطق العالم.
كوكب الأرض هو موطننا جميعا لذا لابد ان تجعل الدول و الحكومات حمايته أولوية، كما لابد أن يوعى المواطنون بضرورة التحلي بالمسؤولية بداية من أبسط الأمور كعدم رمي النفايات الصلبة بصفة عشوائية مثلا كما يجب نشر فكرة حماية البيئة و إدماجها في المناهج الدراسية منذ فترة الطفولة لغرسها في عقول الأجيال القادمة و تكوينها و توعيتها.
بأفعال بسيطة لكل فرد يمكن أن نغير العالم و تبقى القرارات الكبرى الناتجة عن القوى الحاكمة هي من يمكن أن تقودنا إلى بر الامان، كلنا مسؤولون لحماية هذا الموطن من أبسط فرد إلى أعلى الهرم.