تجارة لا تعرف الخسارة
ثلاث تجارات لا تعرف الخسارة: التلاوة والصلاة والإنفاق كما قال الله جلت قدرته “إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ” (فاطر 29) تجارة لن تبور اي لن تكسد. ومن التجارات الرابحة عمارة المساجد فهي تؤجر صاحبها وترفع من شأنه عند الله تعالى “إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ” (التوبة 18)، وكما جاء في الحديث الشريف الذي رواه مسلم (أحب البلاد إلى الله مساجدها)، و حديث آخر رواه البخاري ومسلم (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله) وذكر منهم: (رجلاً قلبه معلق في المسجد)، و (إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له بالإيمان). وهكذا رواد المساجد فهم في تجارة رابحة مع الله كما قال عز من قائل “فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ” (النور 36-38). وافضل الانفاق الاطعام وخاصة اطعام الفقراء والمساكين وكسوتهم وحتى اطعام الصائمين كما قال الله تعالى “وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا” (الانسان 8)، و “وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ” (البقرة 184)، و “فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ” (البلد 11-14). جاء في الحديث الشريف الذي رواه الترمذي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قالَ: (أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشوا السَّلامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا باللَّيْل وَالنَّاسُ نِيامٌ، تَدخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلامٍ)، و (من فطّر صائماً كان له مثل أجره غير أنّه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً). اما تلاوة القرآن الكريم فتجارة رابحة بلا شك وخاصة عندما يحصل بها تدبر كما قال الله تعالى “كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ” (ص 29)، و “أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا” (محمد 24). قال الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم (اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه). عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم (منْ قرأَ حرفًا من كتابِ اللهِ فله به حسنةٌ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها لا أقولُ آلم حرفٌ، ولَكِن ألِفٌ حرفٌ، ولامٌ حرفٌ، وميمٌ حرفٌ).
كيف تكون التجارة رابحة؟
التجارة المعنوية الرابحة هي التي تقربك أكثر إلى الله تعالى، بينما ابتعادك عنه سبحانه تجعلك في خسران بتجارتك معه عز وجل. فالمعاملة التجارية تتطلب ان تكون موافقة لشرع الله الله تعالى كما في التجارة المادية، فتجارة الخمور او القمار المادية يقابلها ضلالة معنوية والبعد عن الهدى كما قال الله سبحانه “أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ” (البقرة 16) لانهم تعاملوا بتجارة مادية محرمة “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” (المائدة 90) كونهم ربحوا الدنيا بمفهومهم القاصر وخسروا الآخرة “أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ” (البقرة 86) فساء ثمن تجارتهم لوقوفهم امام سبيل الله المستقيم “اشْتَرَوْا بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ” (التوبة 9). وتجارة المخدرات لا تقل فسادا عن الخمر “إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ” (المائدة 33). والتجارة المادية بالربا فهي تجارة معنوية خاسرة لانها محرمة “الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ” (البقرة 257).
والعامل يحصل على اجر نتيجة عمله المادي، وهكذا فالعامل روحيا له اجر كما قال عز من قائل “إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا” (الكهف 30)، و “َأَنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ” (ال عمران 171)، و سيحصل على الاجر في الدنيا والآخرة “أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا” (الكهف 31).
معاني التجارة في اللغة
جاء عن الراغب الاصفهاني في مفردات الفاظ القرآن الكريم: التجارة في اللغة من مادة تجر: تَجَرَ يَتْجُرُ تَجْراً وتِجَارَةً باع وشرى وكذلك اتَّجَرَ وهو افْتَعَل ورجلٌ تاجِرٌ والجمع تِجارٌ بالكسر والتخفيف وتُجَّارٌ وتَجْرٌ مثل صاحب وصَحْبٍ. و التاجِرُ: الذي يَبِيعُ وَيشْتَرِي، قال الجوهَرِيُّ: والعربُ تُسَمِّي بائِعَ الخَمْرِ تاجِراً. وقال ابن الأَثِير: وقيل : أصلُ التّاجِرِ عندهم الخَمّارُ يَخُصُّونه مِن بين التُّجَّار ومنه حديثُ أبي ذَرٍّ: (كُنَّا نَتحدَّثُ أَنَّ التَّاجِرَ فاجِرٌ). من المَجَاز: التّاجِرُ: الحاذِقُ بالأَمرِ. و من المَجاز: التّاجِرُ: النّاقةُ النافِقَةُ في التِّجارةِ وفي السُّوقِ كالتّاجِرَةِ. و في المعجم الوسيط مادة تجر تجرا و تجارة بمعنى مارس البيع و الشراء و التاجر هو الشخص الذي يمارس الأعمال التجارية على وجه الاحتراف بشرط أن تكون له أهلية الاشتغال بالتجارة.
علاقة التجارة المادية بالتجارة المعنوية
وعن علاقة التجارة المادية بالتجارة المعنوية: روي عن الرسول صلى الله علسه وسلم: أنه مَرَّ عَلَيهَ رَجُلٌ، فَرَأَى أَصْحَابُه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جِلْدِهِ وَنَشَاطِهِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يُعِفُّهَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ رِيَاءً وَمُفَاخَرَةً فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ). قال الله تبارك وتعالى “فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ” (الجمعة 10). و قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (التَّاجِرُ الْأَمِينُ الصَّدُوقُ الْمُسْلِمُ مَعَ الشُّهَدَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ). وقال أيضا : (ثلاثة يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله التاجر الأمين والإمام المقتصد وراعى الشمس بالنهار).
الآيات التي تربط التجارة المادية بالمعنوية
ومن الآيات القرآنية التي تربط التجارة المادية بالمعنوية هي عن دين التجارة والاموال الباطلة قال الله جل جلاله “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ” (البقرة 282)، و “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا” (النساء 29).
السبيل إلى التجارة الرابحة في القرآن الكريم
والتاجر المادي في التجارة الحلال الذي يذكر الله سبحانه ويأتي بالعبادات الواجبة والمستحبة كالصلاة في وقتها والصوم والتسبيح والاستغفار فهو تاجر رابح ماديا ومعنويا كما قال الله سبحانه وتعالى “رِجَالٌ لّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّه” (النور 37) فذكر الله تجارة روحية. ومن التجارة الرابحة التي ربحها مضاعف الانفاق في سبيل الله كما قال عز وجل “مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ” (الحديد 11)، و ان كان الانفاق في السراء والضراء فهو نوع من الاحسان الذي امتدحه الله في محكم كتابه العزيز “الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ” (ال عمران 134)، و المنفق في اي وقت في السر والعلن فأجره عند ربه سبحانه لانه في تجارة تبعده عن الخوف والحزن “الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ” (البقرة 274)، و كما جاء في الحديث الشريف (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار).
التجارة في الأموال
والتجارة المعنوية لها علاقة بالاموال العامة: جاء عن الشوكاني في فتح القدير: الاستغناء عن الأموال العامة، لأنها أموال عامة المسلمين تتعلق بها نفس كل واحد منهم، و الظلم فيها ظلم عظيم، فمن أخذ منها قليلا أو كثيرا بغير حق فإن الأمة كلها يوم القيامة خصماؤه عند الله، وقد قال تعالى: “وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ” (ال عمران 161)، ومعنى الغلول هو الخيانة، يعني بأن يأخذ لنفسه شيئاً يستره على أصحابه، فمعنى الآية على القراءة بالبناء للفاعل: ما صح لنبيّ أن يخون شيئاً من المغنم، فيأخذه لنفسه من غير اطلاع أصحابه. وفيه تنزيه الأنبياء عن الغلول. ومعناها على القراءة بالبناء للمفعول: ما صح لنبيّ أن يغله أحد من أصحابه: أي يخونه في الغنيمة، وهو على هذه القراءة الأخرى نهي للناس عن الغلول في المغانم، وإنما خص خيانة الأنبياء مع كونه خيانة غيرهم من الأئمة، والسلاطين، والأمراء حراماً، لأن خيانة الأنبياء أشدّ ذنباً، وأعظم وزراً “وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ القيامة” (ال عمران 161) أي يأت به حاملاً له على ظهره، كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيفضحه بين الخلائق، وهذه الجملة تتضمن تأكيد تحريم الغلول، والتنفير منه، بأنه ذنب يختص فاعله بعقوبة على رؤوس الأشهاد يطلع عليها أهل المحشر وهي مجيئه يوم القيامة بما غله حاملاً له قبل أن يحاسب عليه ويعاقب عليه. وفي البخاري عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ (قَامَ فِينَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْغُلُولَ فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ قَالَ لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ يَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ وَعَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ يَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ وَعَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ فَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ أَوْ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ فَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ). وهذا الغلول لا يوجد إذا كان معه تجارة مباركة بكسب يمينه و عرق جبينه فإنه لا يحتاج إلى الغلول.
البيع الرابح في التجارة المعنوية
التجارة المعنوية الرابحة هو بيع رابح كما جاء عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم عندما بايعه الانصار بيعة العقبة قالوا له: اشترط لربك ولنفسك ما شئت. فقال (أَشْتَرِط لِرَبِّي أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَشْتَرِط لِنَفْسِي أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسكُمْ. قَالُوا: فَمَا لَنَا إِذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ ؟ قَالَ: الْجَنَّة. قَالُوا: رَبِحَ الْبَيْع، لَا نَقِيل وَلَا نَسْتَقِيل). وروى مسلم وغيره الحديث الشريف (كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا). وهكذا الذي اوفى بعهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استبشر بالبيع “إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ” (التوبة 111)، و “وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ” (البقرة 207). وقوله عز وعلا “وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ” (ال عمران 199).
كفالة اليتامى من وجوه التجارة الرابحة
كفالة اليتامى من التجارة المعنوية الرابحة كما قال الله سبحانه “وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ” (البقرة 83)، و “وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ” (البقرة 177)، و “يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ” (البقرة 215)، و “وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ” (البقرة 220). وبالعكس فالتعامل السيء مع اليتامى واكل اموالهم يعتبر تجارة خاسرة “إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا” (النساء 10)، و “وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا” (النساء 2)، و “وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ” (الانعام 152)، و “وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ” (الاسراء 134)، و “كَلَّا بَل لَّا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ” (الفجر 17)، و “فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ” (الضحى 9). قال الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم (أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة) وأشار باصبعيه السبابة والوسطي.
من بعض مظاهر التجارة الرابحة في الدول
إقامة دور رعاية الأيتام
في المملكة العربية السعودية يوجد عدد من مراكز الايتام أهمها الخاصة بجمعية البر. يتراوح عدد الايتام في مصر من 3 الى 5% من السكان، ويعيش عدد منهم في دور الرعاية. وفي باكستان فان اهم المؤسسات الخيرية هي مؤسسة ايدهي الخيرية التي يعتمد عليها نحو 50 ألف طفل. وفي افغانستان يوجد نحو 70 دار ايتام اكثر من نصفها تمولها الحكومة. ووصل عدد الاطفال الذين يعيشون في مراكز الايواء في اندونيسيا اكثر من نصف مليون طفل في اكثر من 5 الاف دار ايتام.
الإغاثات والجمعيات الخيرية
بالنسبة للإغاثة الانسانية، ففي المملكة العربية السعودية يوجد عدد منها أهمها مركز الملك سلمان للاغاثة والاعمال الانسانية، وفي الكويت جمعية الاغاثة الانسانية، والجمعية المصرية للتنمية الانسانية. وتوجد بيوت للزكاة في عدد من الدول الاسلامية، بالاضافة الى الهلال الاحمر الذي يعتبر احد اهم الجمعيات التي تساهم في الاغاثة والمعونات مثل الهلال الاحمر القطري. ومن اهم المؤسسات الخيرية في باكستان جمعية البشرى الخيرية، وفي الهند بوابة نور الله، وفي اندونيسيا جمعية خير.
إقامة جمعيات لحفظ القرآن
تتواجد جمعيات عديدة لحفظ القرآن الكريم في المملكة العربية السعودية اهمها جمعية مكنون ودار الحافظة والهيئة العالمية للكتاب والسنة واكادمية القرآن الكريم. وتسمى باكستان بلد سبعة ملايين حافظ للقرآن الكريم كون اسم باكستان يعني الارض الطاهرة. ومعظم مدارس حفظ القرآن تأتي من التبرعات. ويوجد في مصر عدد من مراكز حفظ القرآن معظمها في المساجد، واهمها النور الازهري ودور الايمان والبشرى والرحمن. ومن اهم مراكز حفظ القرآن في اندونيسيا يسمى قرية القرآن. وتتواجد المعاهد الاسلامية في اندونيسيا وخاصة المهتمة بالقرآن والتي تحوي مئات آلاف الطلبة.
فيديو مقال التجارة المعنوية في القرآن الكريم