بقلم: نبيل الهومي
على سبيل البدء:
يُضْفِي على الإقليم جمالا وبهاء، ويشكل لسُكَّانِه مصدر حياة وعطاء، لولاه ما عاشت كثير من الأسر المتواجدة بالإقليم، فهو طوق نجاة يقيها من الفقر، ويوفر لها حياة كريمة تُمَكِّنُهَا من سُبُلَ السعادة والهناء، عناصره متعددة؛ جَوْهَرُهَا ثَرَوَاتٌ حيوانية، ومضمونها خيرات نباتية خضراء. إنه بيسير العبارة التنوع الببيولوجي الذي يعرفه إقليم سيدي بنور ويجعل منه علامة مميزة على الصعيد الوطني ماضيا وحاضرا ومستقبلا، ويضمن له، بذلك، تحقيق التنمية، التي لم تعد بفضله أملا بل أصبحت حقيقة ظاهرة وليس خيالا. فريق التحقيق الصحفي اقتفى أثر هذا التنوع البيولوجي الذي يعرفه إقليم سيدي بنور ، وندب كل الجهود، بغية تسليط الضوء على مكونات هذا الغنى البيولوجي، والبحث في العوامل المساهمة في ثرائه واستمراريته، بشكل يجعله، على امتداد عقود سحيقة وسنين مديدة، مصدر تنمية وحياة لسكان إقليم سيدي بنور وقاطنيه.
الغنى النباتي بإقليم سيدي بنور: مظاهر فلاحية ثَرِيَّة لتنمية حقيقية
يعد إقليم سيدي بنور مركزا فلاحيا مهما على الصعيد الوطني، فهو ينتج ثروة فلاحية هامة، تتنوع بين الخضروات والذرة والبقوليات والحبوب وسكر الشمندر، وينتج فلاحو الإقليم كميات كبيرة من المكونات الفلاحية المذكورة، يساعدهم في ذلك وفرة الأراضي الزراعية وشساعتها، كما توضح ذلك بيانات المركز الجهوي للاستثمار الفلاحي، وعليه، يحقق الإقليم اكتفاء ذاتيا لساكنته على مستوى المنتوجات الفلاحية، بل ويساهم كذلك في تحقيق الاكتفاء ذاته على الصعيد الوطني، فهو يعد أحد أهم الأقاليم تزويدا للوطن بالخضر والفواكه والحبوب وغيرها.
وبما أن الإقليم يشتهر بإنتاجه الفلاحي المتنوع، فهو يوفر فرص شغل كبيرة لسكانه رجالا وشبابا ونساء؛ فالإنسان البنوري مشدود إلى أرضه يحرثها ويزرعها ثم يجني ما تُدِرُّهُ عليه من محاصيل وثمار. وبهذا توفر الفلاحة، على اختلاف مكوناتها، تنمية حقيقية بالإقليم، فهي تحقق دخلا ماديا قارا للفلاح، ويجعل المرأة البنورية في قلب الاهتمام بأعمال الأرض ومتطلباتها؛ وتغدو هي كذلك معيلا لزوجها على مصاريف العيش، أما شباب إقليم سيدي بنور فيجدون في الفلاحة ملاذا للحفاظ على إرث الآباء والأجداد، كما يرون فيها طريقا يقودهم إلى تحقيق حياة سعيدة، كل هذه الفئات البَنُّورِيّة تمكنها الفلاحة من عيش حياة كريمة. مما يبين الدور الكبير الذي يلعبه الإنتاج الفلاحي بإقليم سيدي بنور في تحقيق التنمية المرغوبة.
إقليم سيدي بنور: فلاحات متوارثة ينقلها الأجداد إلى الأحفاد
يَعْرِفُ إقليم سيدي بنور تنوعا فلاحيا يعكس غنى بيولوجيا كبيرا يتجلى في الإنتاج النباتي الذي تتميز به أراضي الإقليم، ومن المتعارف لدى المتخصصين في قطاع الفلاحة وطنيا أن الزراعات المحلية بالإقليم ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ، فزراعة الشمندر السكري بإقليم سيدي بنور مثلا، تعود إلى سنة 1974، ومن تلك السنة إلى يومنا هذا ما زالت مستمرة ومتواجدة، بل ويشتهر بها الإقليم على الصعيد الوطني، وتفسير ذلك أن فلاحي الإقليم يعملون على تلقين مبادئ الزراعات المعروفة بالإقليم إلى أبنائهم في شكل سلسلة متواصلة تمتد حلقاتها من الماضي إلى الحاضر نحو المستقبل، فكما تلقى هؤلاء الفلاحون هذه الزراعات من أجدادهم وأسلافهم عملوا هم أيضا على نقلها إلى الأبناء، محافظين بذلك على وَهَجِ الإشعاع الفلاحي. ومن يشاهد جموع الأطفال البَنُّورِيِّين وهم يَحُجُّونَ إلى الأراضي الفلاحية مرافقين آباءهم يعلم علم اليقين أن الزراعات لن تعرفها طريقها إلى الزوال والانقراض، ما دام السلف قد نقلها إلى الخلف.
“الذهب الأبيض” هكذا يسمي فلاحو إقليم سيدي بنور زراعة الشمندر، فهي قوت عيشهم، ولولاها لما عاشت مجموعة من الأسر القاطنة بالإقليم، ويقول بعض الفلاحين أن الشمندر دخل إلى الإقليم حاملا معه الأمل والسعادة، فهرعت الابتسامة وهرع الجد والكفاح قبل الراحة والارتياح، يقول أحمد المستخدم بمصنع السكر كوسيمار الموجود بمدينة سيدي بنور: “نسميه بالرزق الذهبي لأنه جلب الرزق لنا ولأبنائنا، بحثنا في الحرف والأعمال، ولم نجد مثله في الدخل والإنتاج”.
إن الزراعات المتواجدة بإقليم سيدي بنور زراعات مستدامة لا يبقى نفعها حبيس الماضي والحاضر بل يمتد إلى المستقبل، فالعادة لدى أهل سيدي بنور أن الأرض لا تباع ولا تشترى، وإنما تُوَرَّثُ للأبناء والأحفاد، ومن هذه الزراعات المتنوعة يعيش أغلب الأهالي ويُدَرِّسُونَ أبناءَهم، لِيُسْهِمَ هذا التنوع البيولوجي، بذلك، في تحقيق تنمية مستدامة شاملة لإنسان سيدي بنور ماضيا وحاضرا ومستقبلا.
الإنتاج الحيواني بإقليم سيدي بنور: آفاق تنموية رائدة في ظل مؤهلات فلاحية واعدة
يتميز الإقليم بإنتاج حيواني كبير، فهو يتوفر على 420 ألف رأس من الأبقار، ومليون رأس من الأغنام، مما يتيح له إنتاج 450 مليون لتر من الحليب، تساعده في الإسهام بنسبة ٪22 من الإنتاج الوطني من الحليب، كما تبلغ نسبة اللحوم الحمراء التي ينتجها 53 ألف طن سنويا، بما يعادل نسبة ٪18 من مجموع الإنتاج الوطني من هذه المادة. وتنتشر على تراب إقليم سيدي بنور مجموعة من التعاونيات الفلاحية التي تعنى بجمع الحليب وتسويقه جهويا ووطنيا، بشكل يؤمن حاجيات المغرب بنسبة تصل إلى الربع، كما أن الإقليم يضم مجموعة من المجازر العصرية التي تختص بذبح المواشي والأبقار بطرق حديثة تحقق جودة المعروض وتضمن سلامة الزبائن.
يسهم التنوع الحيواني، على غرار مثيله النباتي، بالإقليم في تحقيق تنمية محلية للساكنة، عبر ضمان مدخول مادي تعيل به الأسر نفسها؛ فأهل سيدي بنور يبيعون الحليب للتعاونيات الفلاحية، ويبيعون اللحوم البيضاء والحمراء ومشتقاتها من البيض في الأسواق الأسبوعية، ويسوقونها أيضا جهويا ووطنيا.
إن الإنتاج الحيواني الكبير الذي يتميز به الإقليم يجد له فضاءات مناسبة تسوقه وتضمن إشعاعه، من قبيل الأسواق الأسبوعية التي تشتهر بها منطقة سيدي بنور، ويبقى أبرزها سوق “ثلاثاء سيدي بنور” أحد أكبر الأسواق الوطنية، والذي يوفر فرصا عديدة لأبناء الإقليم، فهو يتيح لهم عرض إنتاجاتهم النباتية والحيوانية، محققا بذلك تنمية محلية تبعث الحياة إلى أنسجة البنوريين والبنوريات، إضافة إلى هذا السوق الرئيسي يعرف الإقليم سنويا تنظيم “المعرض الوطني المهني لتنمية الإنتاج الحيواني”، والذي تحتضنه منطقة الطويلعات (تبعد ب 10 كيلومترات عن إقليم سيدي بنور)، ويشكل مناسبة مهمة للاستفادة من خبرات الفلاحين مجال تربية المواشي، وكذا لتشجيع الاستثمار في إقليم سيدي بنور، نظرا لما يتسم به من مؤهلات فلاحية واعدة. ويستضيف هذا المعرض ما يقارب 112 عارضا، ويتوخى استقبال نحو 50 ألف زائر سنويا.
التنوع البيولوجي بإقليم سيدي بنور وأهداف التنمية المستدامة 17: علامات التعالق وعلاقات التوافق
يتوافق التنوع البيولوجي الذي يعرفه إقليم سيدي بنور مع أهداف التنمية المستدامة 17، التي أطلقتها الأمم المتحدة في فاتح يناير 2016، وهذه الأهداف عبارة عن خطة للتنمية المستدامة، تلتزم الدول بموجبها بالقضاء على كل أشكال الفقر، ومكافحة عدم المساواة، ومعالجة تغير المناخ، ويتركز الهدف الثاني من هذه الأهداف في القضاء التام على الجوع؛ وتعزيز الممارسات الزراعية المستدامة؛ إذ إن هذه الخطوة تعتبر توفير الأمن الغذائي، هو لازمة من لوازم هذا العالم، الذي نريد أن نحياه، والذي تغيب فيها المجاعة. وهذا تحديدا ما يحققه التنوع البيولوجي من إنتاج نباتي وحيواني فهو يوفر الغذاء اللازم والكافي للساكنة محليا وجهويا ويساهم بقدر كبير في توفير نسب مهمة منه على الصعيد الوطني. كما أن تنوع الإنتاج المحلي بين ما هو نباتي وحيواني يقود إلى خلق تنمية مستدامة تشمل الإنسان البنوري في فترات الحياة كلها السابقة منها والحاضرة واللاحقة. (شاهد بعض مقاطع فيديو موقع مقال على اليوتيوب).
بقلم: نبيل الهومي