يعد المغرب من البلاد المقربة إلى قلب كل عربي، ففرحه هو فرح العرب جميعا من المحيط للخليج، وحزنه يكيل الأبدان بالهم والغم والكرب، الأمة المغربية بلا شك ضاربة بجذورها في عبق التاريخ وأصالة الحاضر والتي امتدت عبر الأزمنة الغابرة المتلاحقة، ويرجع غنى هذه الحضارة المغربية لآلاف السنيين، فقد تعاقب عليها الغزاة الفينيقيين والقرطاجيين والرومانيين والونداليين والبيزنطيين والقوط الغربيين، وقد أدت الفتوحات الإسلامية إلى دخول الإسلام الذي ترك علامة مضيئة في تاريخ المغرب سواء الماضي أو الحديث أو الحاضر.
الروح الانتصارية
من يشاهد لاعبي المغرب يستنبط كم هي الروح القتالية التي يلعبون بها، فهم يضحون بكل ما يملكون نظير رفعة شأن بلدهم وأمتهم الأمازيغية والعربية والإسلامية، إيثار منقطع النظير فالأرض تلين تحت أقدامهم، عقولهم كاشفة الملعب من أوله لأخره، صدورهم حائط الصد الأول التي تحمى شباكهم من مجرد اختراقها من قبل المنافسون، الذين يقفون حائرون ويتعجبون بكمية الفداء والشجاعة اللذان يمتلكهما لاعبي المغرب الأبطال، الجيل الحالي من اللاعبون ما هو إلا امتداد لأجيال سابقة كتبت التاريخ الكروي المغربي في البطولة الأغلى في كرة القدم ألا وهي كأس العالم.
أجيال المغرب الذهبية
كانت البداية والصحوة الكروية مع جيل ١٩٨٦ بقيادة اللاعبين الأفذاذ الذين صعدوا للدور الثاني أمثال الزاكي، المريس عبد المجيد، الفاضيلي حمو، وداني لحسن، الضلمي عبد المجيد، البياز مصطفى، بويحياوي نور الدين، التيمومي محمد، بودربالة عزيز، الحداوي مصطفى، الخياري عادل، البيض خالد، ميري كريمو، السليماني عزيز، ميري مصطفى والذين صعدوا للدور الثاني بالتعادل مع بولونيا وإنجلترا والفوز على البرتغال قبل أن يهزموا من الألمان بهدف رغم تقديمهم لكرة قدم جميلة وممتعة، ثم يأتي بعد ذلك جيل ١٩٩٨ والذي كان يمثله كل من بن ذكري، نايبت، شيبا، روسي، شيبو، طاهر الخلج، مصطفي حجي، عبد الكريم الحضريوي، بصير صلاح الدين، عبد الإله صابر، كماتشو والذين تعرضوا للمؤامرة الشهيرة لإقصائهم وتواطؤ كل من البرازيل والنرويج بعد أن كانت المغرب قريبة جدا من الصعود للدور الثاني.
الجيل الأسطوري الحالي(منتخب الساجدين)
تكمن عظمة هذا الجيل في تحطيم كل أسوار القلاع العظمى في كرة القدم وأباطرة اللعبة شرقا وغربا وكان بمثابة غزو أندلسي جديد لأوروبا، وذلك بقيادة رومان سايس ونايف أكرد وجواد الياميق وحمدالله والزلزولي وحارث وحكيم زياش واشرف حكيمي وسفيان بوفال والنصيري وعز الدين أوناحي وأملاح وأمرابط وبانون وداري ومزراوي ويحيى جبران ويحيى عطية الله مع الحارس العملاق ياسين بونو ومنير المحمدي.
لقد استفاد المحاربون الجدد من التجارب التي سبقتهم وجعلوا مصيرهم بأيديهم لا بأيدي الآخرين، وأضافوا عليها في البطولة الحالية التي تلعب على أراضي عربية في دولة قطر الشقيقة، والتي أنجزت وأعجزت كل شيء لنجاح الحدث العالمي من جميع الجوانب ولعلها تكون استثنائية، ومن خلالها يصل المنتخب المغربي لأبعد مدى ممكن ويسطر مجد عربي وأفريقي فريد من نوعه ويجعل الأحلام ممكنة للشعوب العربية والإسلامية والأفريقية في تبوء مكانة لم يصل لها منتخب من قبل بل وسوف يعجز على أي منتخب الوصول إليها في المستقبل.
ونتمنى أن يظل المغرب في الصدارة ويطارد الحلم ويواصل كتابة التاريخ بأحرف من ذهب ويقدم صورة مغايرة عن تلك الصورة التي يتخيلها الغرب عن الإنسان العربي المسلم، وليس أدل من ذلك سوى السجود لله بعد كل انتصار ونشر القيم والتعاليم الإسلامية من البر بالوالدين ومشاطرتهم الأحزان قبل الأفراح ورد الجميل وارسال الرسائل للخارج قبل الداخل لكل من نادي بدفن الأخلاق وقتل الفطرة الإنسانية والإفتراء عليها ونشر الأشياء الشاذة مآله إلى زوال.
تغيير العقلية
كانت النظرة القاتمة التي كانت تأخذ على لاعبي المغرب منذ نهاية حقبة التسعينات حتى سنة ٢٠١٨ هي أن اللاعبون يلعبون لأنفسهم فقط ويخافون من الإصابات حتى لا يفقدوا أماكنهم في أنديتهم الأوربية وعدم الاهتمام بحمل قميص المنتخب ورفعه عاليا والقتال من أجله في المعلب، أما الآن فقد نجح الجيل الحالي في تغيير الصورة كليا وجعلوا الشعب المغربي والشعوب العربية يفخروا جميعا بما يقدمه، مهما ضاعت الهوية لفترات وسط الركام وغروب شمس المغرب يأبى الله تعالى ثم من بعده جينات هذا الشعب الكريم إلا أن ينهض من جديد، وينفض التراب من على جباهه ويتصدر المشهد.
وتتسابق وكالات الإعلام المحلية والدولية في الحديث عن هذا المنتخب الأفريقي الموجود في شمال القارة الذي رفع سقف التوقعات لعنان السماء، ونزفت الدموع العربية في كل شتى بقاع الأرض فرحا وفخرا وزهوا ومحبة لا مثيل لها، والذي ويعد بمثابة منتخب أوروبي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وأصبح المغرب هو تاريخ العرب في كأس العالم.
طارق بن زياد وأعظم الفتوحات الإسلامية للأندلس
يعد القائد المغربي العظيم من القلائل الذين سطروا بمعاركه وبطولاته وملحماته تاريخا ناصع البياض بالنسبة للفتوحات الإسلامية وغزو أوروبا، فتح الاندلس لن يقل شيء عن فتح السلطان محمد الفاتح لـ”القسطنطينية”، فكلهما خلد في التاريخ بحروف من ذهب، حيث تم نشر الإسلام بتعاليمه السمحة في دولا كانت بعيدة المنال، وسيظل المسلمين في شتى بقاع المعمورة يبكون على ضياع الأندلس التي عصت على الفتح حتى جاء موسى بن نصير والي أفريقيا في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك بارسال القائد طارق بن زياد ذلك الفتى الجسور الذي كان لا يخاف في الحق لومة لائم.
وعبر بجنوده التي لم تتعد الاثنى عشر مقاتل لأسبانيا حاليا وانتصر على القوط الغربيين بقيادة ملكهم لذريق ومعه مائة ألف مقاتل وقضى على ظلمهم، وسط خطبته الشهيرة لجنوده بعد أن اكتشف المضيق الذي سهل مهمته في العبور للشاطئ الآخر من المتوسط وسمي على اسمه فيما بعد مضيق جبل طارق.
حيث جاءت مقدمة كلمات بن زياد عن حمد الله وثناء على نعمته ثم تلاها بكلمات عن الجهاد والشهادة في سبيل الله رفعت من روح المسلمين، حيث قال “ايها الناس أين المفر البحر من ورائكم والعدو امامكم فليس لكم والله إلا الصدق والصبر” وأطلق المسلمون على شبه جزيرة أيبيريا عام 711م اسم الأندلس بعد أن دخلها المسلمون بقيادة طارق بن زياد وموسى بن نصير وضموها للخلافة الأموية، وواصل المسلمون التوسع بعد السيطرة على معظم أيبيريا لينتقلوا شمالا عبر جبال البرنييه، حتى وصلوا وسط فرنسا وغرب سويسرا ولشبونة بالبرتغال، واستمر وجود المسلمين فيها حتى سقوط مملكة غرناطة عام 1492، وذلك بعد ثمانية قرون قضاها المسلمون في الأندلس أضاءوا فيها العلم والثقافة والتقدم وأصبح التمدد الإسلامي في أوج إتساعه.
ما قبل التاريخ( ويكيبيديا المغرب)
من ليس له ماضي ليس له حاضر لذا فحضارة المغرب ليست وليدة اليوم، بل ترجع أولى أثار الحضارة الأمازيغية الحالية إلى تسعة آلاف سنة قبل الميلاد، حيث ظهرت بعض مواقع العصر الحجري بالقرب من الصخيرات وتطوان مما يدل على أثارا للتوطين ودلائل على الزراعة والحياة الكاملة بكل مكوانتها النابضة.
من الفينيقيين إلى البيزنطيين
كان الفينيقيون أول من قام بغزو المغرب مع بداية القرن الحادي عشر قبل الميلاد، حيث شيدوا مراكز تجارية، في طنجة وليكسوس وسلا وموكادور (الصويرة)، وبعد أفول شمس الفينيقيين، أصبحت طنجة تحت حكم القرطاجيين الذين سيطروا على المناطق الساحلية ليتوسعوا بعد ذلك في المناطق الداخلية. وقد جعل القرطاجيون من طنجة والصويرة قاعدتين عسكريتين أماميتين، كما قاموا ببناء مدينة في الموقع الحالي للرباط.
وفي العام الأربعين بعد الميلاد، أصبحت المنطقة الشمالية للمغرب ملحقة تابعة للإمبراطورية الرومانية، وتعتبر مدينة وليلي أهم موقع روماني أثري بالمغرب تندرج منذ سنة 1997 ضمن قائمة مواقع التراث الإنساني العالمي لليونيسكو، وقد استمرت سيطرة الرومانيين على أرض المغرب إلى حدود القرن الثالث قبل أن تصبح مع بداية القرن الرابع تحت حكم الونداليين ذوي الأصول الجرمانية، وذلك إلى حدود منتصف القرن الخامس وهي الحقبة التي عرفت تدمير مملكة الوندال.
الفتوحات الإسلامية والسلالات المتعاقبة
تميزت نهاية القرن السابع وبداية القرن الثامن بتوحيد الغزوات العربية تحت راية الأمويين واندحار البيزنطيين، وقد جلب العرب معهم لغتهم العربية وخاصة دينهم، الإسلام، الذي سيسود في جميع أنحاء المغرب الكبير.
الأدارسة (798- القرن العاشر)
هي أولى السلالات الملكية التي حكمت المغرب والتي يعود أصلها إلى أمير عربي منتسب للرسول عليه الصلاة والسلام كان لاجئا بمنطقة الأطلس المتوسط حيث بايعه الأمازيغ سنة 789 تحت اسم إدريس الأول، وبعد وفاته، أسس ابنه، إدريس الثاني، أول سلالة ملكية في المغرب وعاصمتها فاس. ويعود الفضل للأدارسة في تشييد جامع القرويين ومسجد الأندلسيين بفاس، وضريحي إدريس الأول في زرهون وإدريس الثاني بفاس، بالإضافة إلى المسجد العتيق بمدينة تينيس في الجزائر.
المرابطون (1069/1147)
في سنة 1058 فرض المرابطون وهم سلالة أمازيغية يعود أصلها إلى مجموعة من الرحل الصحراويين، سيطرتهم على إمبراطورية عظيمة امتدت من الحدود الشرقية للمغرب الكبير إلى الأندلس وذلك لمدة قرن من الزمان. وقد قاموا على امتداد هذه الربوع بتوحيد امبراطوريتهم بالاعتماد على الإسلام أساسا، وعلى فكرة الحرب المقدسة كما بصموا كذلك على حضارة راقية، متأثرة بالثقافة الأندلسية التي احتكوا بها، وأسس المرابطون مدينة مراكش، ثاني الحواضر الإمبراطورية في المغرب، بعد مدينة فاس، وأطلقوا اسمها على دولتهم. ويعود تاريخ العديد من الصروح إلى هذه الحقبة من تاريخ المغرب كالجامع الكبير بتلمسان، وضريح ملك إشبيلية المعتمد ابن عباد في أغمات (30 كلم من مراكش بسفوح الأطلس الكبير) بالإضافة إلى القبة المرابطية في مراكش.
الموحدون (1147 – 1248)
تأسست الحركة الموحدية في الأطلس الكبير على يد ابن تومرت الذي كان يدعو إلى العودة إلى الإسلام ويعارض المذهب المالكي الذي يتبعه المرابطون، قضى الموحدون على المرابطين وحكموا الإمبراطورية المغربية، بما فيها شمال إفريقيا وإسبانيا المسلمة لمدة قرن، وجعلوا من الرباط مدينتهم الإمبراطورية، وتركوا أثرا مهما في تاريخ هذه المنطقة من خلال الثقافة الرائعة التي طوروها، حيث خلفوا كنوزًا معمارية، في كل من المغرب (مسجد تنمل الذي يبعد 100 كيلومتر عن مراكش، المصنف من قبل منظمة اليونسكو كموقع للتراث العالمي، وصومعة حسان في الرباط، والكتبية في مراكش) وإسبانيا ( برج الذهب في إشبيلية، الذي أصبح اليوم المتحف البحري، والخيرالدا في إشبيلية).
المرينيون (1248 – 1548)
ترك الميرينيون عددًا هائلا من المعالم التاريخية بالمغرب، والتي نجد غالبيتها في عاصمتهم فاس، وفي مدن أخرى أيضا، مثل مقبرة شالة في الرباط أو مسجد المنصورة في تلمسان بالجزائر. وعُرف العصر المريني بتشييد المدارس بأعداد كبيرة، مما جعل المغرب البلد الإسلامي الأكثر عددا من حيث المدارس، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر، مدرسة الصفارين بفاس (التي تسمى مدرسة النحاسين)، ومدرسة البوعنانية بمكناس ومدرسة الطالعة بسلا.
السعديون (1548 – 1660)
في بداية القرن السادس عشر ثار السعديون والبربر القادمون من وادي نهر درعة، المستاءون من الهجمات المسيحية، ضد المرينيين وطردوهم من السلطة، ثم أقاموا سلالتهم الخاصة وقاتلوا ضد البرتغاليين، وبذلك استولوا على أكادير، وقعت المعركة النهائية ضد البرتغاليين يوم 4 غشت 1578، بالقرب من القصر الكبير، وأدت هذه المعركة، التي سميت بـ”معركة الملوك الثلاثة”، إلى ضم البرتغال من قبل إسبانيا سنتين بعد ذلك، وقد خلف السعديون إرثا رائعا في مراكش يتمثل في مقبرة ملكية تتميز بثروة معمارية كبيرة، وهي مقابر السعديين.
العلويون (من سنة 1660 حتى يومنا هذا)
استمد العلويون تسميتهم من علي، صهر النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وقد جاءوا من الحجاز واستقروا بواحة تافيلالت، وأصبحوا سلاطين بالمغرب بعد فترة من عدم الاستقرار بعد وفاة آخر سلطان من سلالة السعديين سنة 1659،كان مولاي رشيد ثالث أمير علوي بتافيلالت، هو من أعاد توحيد البلاد بين سنتي 1664 و1669 كما أعاد تأسيس سلطة مركزية، مثلت بداية سلالة العلويين في المغرب، ونقل ابنه مولاي إسماعيل عاصمته إلى مكناس، على بعد 60 كيلومترا من فاس وصد العديد من الهجمات الأوروبية أثناء قتاله ضد القبائل البربرية المتمردة في الجبال، تعد مكناس أول إنجاز عظيم للسلالة، وهي مدينة شيدت على الطراز الإسباني المغربي، وأحيطت بأسوار عالية مثقوبة بأبواب ضخمة، وهي تعكس بشكل خاص الانسجام بين الأنماط الإسلامية والأوروبية.
الحماية الفرنسية (1912-1956)
أنشأت معاهدة تنظيم الحماية الفرنسية للمملكة الشريفة، والمعروفة باسم معاهدة فاس، عشية الحرب العالمية الأولى، محمية فرنسية على معظم الإمبراطورية، وسيطرت إسبانيا على جهة تطوان في الشمال وجهة إفني في الجنوب بموجب اتفاقية سرية بين فرنسا وإسبانيا، في حين خضعت جهة طنجة لنظام خاص ستحدده فيما بعد اتفاقية باريس المؤرخة في 18 دجنبر 1923، وهو ما جعل منها مدينة ذات مكانة دولية، وقد حكمت هذه الاتفاقيات المختلفة المغرب حتى سنة 1956 تاريخ استقلاله.
المغرب الحديث (من سنة 1956 حتى يومنا هذا)
منذ الاستقلال تغير لقب الحاكم من سلطان إلى ملك، وكان محمد الخامس أول من حمل هذا اللقب، وبتاريخ 26 فبراير 1961، خلفه ابنه الحسن الثاني حتى وفاته بتاريخ 23 يوليوز 1999، واليوم أصبح ابنه الملك محمد السادس العاهل الثالث والعشرين من الأسرة العلوية، وثالث ملوك المغرب الذي سيخلفه يوما ما ولي العهد الحالي مولاي الحسن.
فيديو مقال المغرب يُسعد الشعوب العربية في كأس العالم