عرف المغرب عبر التاريخ وفود العديد من المسافرين والقوافل التجارية المتجهة نحو الدول الإفريقية، وكان هذا العامل يجبر الدولة المغربية لكي توفر لهؤلاء ظروف سفر جيدة، وحمايتهم من الأخطار خاصة من قطاع الطرق، وأسست لهم عبر مسارهم أماكن يلتجئون إليها لهذا الغرض، كان يسمى ب”النزالة”.
تعريف “النزالة”
النزالة تعني في معجم اللغة العربية الضيافة، وعرفت حسب كتاب “معلمة المغرب” في المجتمع المغربي خلال القرن التاسع عشر بالحراسة التي أنزلت في مكان معين للقيام بحراسة، وبعدها أصبحت تدل على المكان ومؤسسة اجتماعية تابعة للمخزن، كان الهدف منها حفظ الأمن، خاصة أمن الطرق، وتسهيل مهمة المسافرين ومبادلات التجار.
وذكر في كتاب “معلمة المغرب” أنه كانت النزايل تتواجد على رأس كل مرحلة من مراحل الطريق، أي على رأس حوالي 20 كلم في الغالب، وزاد عددها بداية القرن العشرين، وكان السلطان هو من يعين مكان إقامتها باتفاق مع قياد وأعيان القبائل المعنية.
وتكون النزالة على حد وصف كتاب “معلمة المغرب” قطع أرضية غالبا ما تكون مربعة الشكل، بها عدد من المساكن المتواضعة، محاطة بزريبة (حوش) من الأشواك أو بسور من الحجر أو قد تكون محاطة بخندق.
تأسيس “النزالة” وأدوارها
تأسست أول النزالات حسب كتاب “معلمة المغرب” لأول مرة خلال القرن التاسع عشر في الطريق الرابطة بين الرباط والدارالبيضاء في عهد السلطان مولاي سليمان (1822.1792)، والسلطان مولاي عبد الرحمان (1859.1822)، وكان هذا نتيجة الوعي بأهميتها وأدوارها المتعددة.
ومن بين أدوارها المذكورة في الكتاب السالف الذكر، هي “حفظ الأمن بالطريق ليلا ونهارا وفي الرسوم العدلية إشارات يلتزم بها القواد بحفظ طرق قبائلهم وصيانتها، والتعاون فيما بينهم على ذلك، وإذا وقع لأحد أو غيره، في مجال حكم القائد من القواد، فهو الذي يؤدي ما ضاع من مال لصاحبه”.
كانت الدولة المغربية صارمة بخصوص حماية النزالات وحراستها وصيانتها وحفظ الأمن، حيث تسند مهمة حراستها لسكان الموضع، وتبقى مسؤوليتها لقائد القبيلة التي توجد النزالة في ترابها، وكانت أغلب النزايل يحدد مركزها في الطرق الكبرى حيث كانت الأكثر استعمالا من الأجانب، أما المسالك الثانوية كانت تحت إشراف القواد ويتحملون مسؤولية المحافظة على أمن المسافرين المارين بتراب قبيلتهم، ويكون هذا تحت أعين عدلين يتم تعيينهما من طرف قاض تلقى الأمر من طرف السلطان، حيث يقومون بكتابة رسم الإشهاد الذي يتعهد فيه القواد المعنيون بما كان يسمى “تعهد النزالة” يلزمهم بمراقبة ما يقع فيها ونواحيها.
كل هذه الأدوار التي كانت تقدمها “النزالة” يؤدي عليها المسافرون أجرا رمزيا يتفاوت حسب المناطق، وكانت تقدم لهم خدمات أخرى كالبيض والدجاج والشعير والتبن بأثمان معقولة على حد وصف كتاب “معلمة المغرب”، أما إذا كان الأمر يتعلق بمسافر رسمي كسفير فتقدم له مجانا، وكان ملزما على حراس النزالة أن يتم غرم ما يضيع لهم مضاعفا. أما في المناطق الجبلية فتبين مستندات الدولة المغربية أن حق النزالة كان يؤدى عن البغلة وعن الحمار ثم عن الراجلين.
النزالات والأطماع الأجنبية
تعرضت النزالات لأطماع أجنبية من طرف الدول الأوربية التي احتلت المغرب، فحسب كتاب “معلمة المغرب” فقد كان ملاحظا أن التشديد على حفظ أمن القوافل في طرق المغرب ازداد واتضح في أواخر القرن التاسع عشر لهذا السبب، وبفتح السوق المغربية للتجارة الأوربية، وما صاحب ذلك من امتيازات حصل عليها التجار الأوربيون، وسبب ذلك في تطور واجبات النزايل حيث تدهور الأمن بالطرق.
وجاء في كتاب “معلمة المغرب” أنه “بدأ التجار الأوربيون يتدخلون في أمور النزايل، ويشجعون العاملين معهم في التجارة والنقل على تجاهل السلطة المغربية منذ سنة 1868م. وعكست هذا الواقع مراسلة السلطان للنائب المغربي بطنجة، إذ أبرزت المصلحة العامة من وجود النزايل، ونبهت للعواقب التي تترتب عن خرق التجار الأجانب لقوانين البلاد. ذلك أن أصحابها أصبحوا يشتكون من “أصحاب النصارى”، الذين يرون بالنزايل بطائق التجار دون أداء حق النزالة، ثم يدفعون بطائقهم لأخرين ليسوا من المتعاملين من التجار، ويسلكون بها مجانا (رسالة من السلطان محمد بن عبد الرحمان إلى النائب محمد بركاش 27 أكتوبر 1868)”، وخلف هذا الأمر خلافا بين المخزن والسفراء الاجانب ويشتكون أمر القواد للسلطات المغربية، حيث كانوا يتهمونهم بإحداث نزايل جديدة وبالزيادة في واجباتها.
تجربة إدمون دوتي في إحدى “النزالات”
إدمون دوتي هو واحد من مستكشفي المغرب أتى في مهمة استطلاعية من طرف فرنسا، وقد كتب عن رحلته هذه في كتاب “مشاهدات في الشاوية ودكالة والرحامنة” الذي أصدره سنة 1905، حيث تكلم عن النزالة ولم يختلف ما وصفه عن ما جاء في كتاب “معلمة المغرب”، وذكر تقريبا نفس المعلومات، لكنه أضاف شيء أخر حيث قال أنه “النزول فيها غير مريح، فليس على أرضها من غطاء سوى فضلات البهائم، فهي لذلك تعج بالهوام والحشرات، وإذا خرج المرء منها لم يأمن على نفسه هجوم الكلاب الشرسة. ولم نصب في مقامنا هذا المساء بوجه راحة كثيرة، فقد لبثنا طوال الليل في انزعاج من المواشي التي كانت كانت تتجول من حول ذلك المكان فتعلق قوائمها بحبال الخيام فتهزها هزاً عنيفاً يبعث الروح في نفوسنا. ثم إننا لا نزال حديثي عهد بالترحال إلى المغرب، وقد صرنا في ما بعد ننتبه إلى الفوائد التي سنصيبها من تلافي الإقامة في النزالات، وأن ننصب خيامنا في العراء بجوار الدوار”.