بقلم: فاروق بن عبود
تَحتَ مَظَّلَة هذا العُنوان لايصِحُّ الحديث عن تَمَايُزٍ بينَ إنسانٍ وإنسان ..باعتبار الذُّكورة والأنوثة فلا افتِيات بين هذا الثُّنائي إلاَّ بأداءِ الواجبات وسَدًُ كلً واحدٍ مِنهما للثَّغرِ الذي يقِفُ عليه.
بناتُ حوَّاء شقائقُ الرجال
بناتُ حوَّاء شقائقُ الرجال لهنً ما لهنَّ وعليهنً ما عليهِن وإحقاقًا للحق نقول ..أنَّ المرأة منذُ القِدَم وَجَدَت نَفْسها أمام جُملةٍ مِنَ التَّحديات والمعاركِ والصِّراعات ..لم تكن لها فيهم ناقةٌ ولا جمل..فَرَضَ الذكور مَنطِقَهُم وسَيْطروا على زِمَامِ الأمور ..لَيس لأنَّهم على صواب بل لأنهم أصحاب قوة و بأس
بينما المرأة هي تلك المخلوقُ المَهيض الجَناح..فالرًَجُلُ أولاً وآخرًا وهوَ السيد والملك وهو الآمر الناهي ..وصاحب الحق المطلق والقول النافذوالمرأة.. ما المرأة؟ واي شأن لها .. إنها كالريشة في مهب الريح ساد هذا التصور المُجحِف في حق المرأة لدى الكثير من الحضارات ..أزمنة مديدة
فَقَبِلَت مُرغمةً على نفسها ما تطيق وما لا تطيق لم تشأ أبدا ان ترفع صوتها في حضرة المجتمعات الذكورية بأي اعتراض واختارت السلامة والنجاة لنفسها وسِلاحُها صمتها المُطْبَق.
معاناة المرأة على مر العصور
الشرائع الارضية ..والاديان السماوية المحرفة والاعراف والتقاليد وحتى الفلاسفة والكهنة ورجال الدين جلهم كانوا في صف الذكران ..ولم ينتصر لحقها منهم احد ..والتاريخ يقص علينا شواهد لا حصر لها مما لاقتْهُ المرأة من عنتِ العيش وقسوة المعاملة والاستنقاص من قدرها ..بل يوجد من خنق انفاسها حين كانت رضيعة ومن اخرجها من دائرة الكائنات البشرية ومن النعوت والصفات ما يَعفُّ اللسانُ عن ذكرها
متى أُعيد للمرأة حقها؟
لن أكون مُنصِفًا الاَّ اذا قلتُ أنّ المرأة تنفَّستِ الصُّعداء وسمعت لأَوَّلِ مرة خِطَابًا مُتميزا عمن سَبَقه، خطابٌ هزّ كيانها وغيَّر نظرتها لذاتها ..فقط مع بعثة النبي الكريم وشريعة الدين الاسلامي الحنيف مع مرور الزَّمَن ..بدا جليًّا نُضْجُ الانسانية ..فعُقِدتِ المؤتمرات وأُبرِمَتِ المواثيق ..حين تعالت النِّداءاتُ المطالبةُ بحقوقِ المرأة المسلوبة ..لم يكن ذلك إذعانا لسوادِ عيونها ..بل لانها قبِلَت التَّحدي ..فكفرت بالصمت وعقدت العزم أن تُثْبِت للعالم أجمع ..انَّها ليست مِن سَقْطِ المتاع …وانها كيان أصيل ولا تستقيم الحياة أبدا ولا تزدهر إلاّ بحضورها.
دور المرأة في المجتمع
طُوِيَت الصَّفحات المظلمة وتحيَّزَت المَرْأة مكانها الطبيعي كرفيقة للرجل ..مِثلُها مِثله ..ولا أفضلية لأحد منهما الا بما يُقِدِّملم يَحُل بين إثبات المرأة لكينونتها ..إلا غيابها وتغييبها ..ولكن الحقيقة أنها ما غابت ولو لحظة حتى وهي في أحلك عصورها ..فهي بالامس واليوم وغدا ..تلك الأُمُّ الرَّؤوم ..التي حَبَلَت وَحَمَلت في أحشائها الذكر والانثى ..وصبرت وصابرت واصْطبرت حتى تضع مولودها ..والذي كان كتلة لحم تتغذَّى طيلة التسعة شهور ، مما تَطْعَمُهُ أمُّه ..فهي تَتَغَذَّى لِيَتَغذَّى ..ثم بعدها يخرج الى الحياة باكياً ..وهي فرِحَة حانية عليه ..لا تَفْتَأُ حتى تُلْقِمَهُ صدرها مُرضِعَةً إيَّاه ..حليبا وحَناناً
تُواصِلُ المرأة ( الأم )هذه المَهَّمة بكل ما أوتيت من قوة حتى آخرِ لحظة في حياتها واهبةً كل ما تملك لاولادها دون أي مقابل ودون أي مصلحة ..فترهنُ سعادتها بسعادتهم وتعاستها بتعاستهم …يُعبرًُ أحدهم بقوله ” إن هَمَّ الاولاد يأكل مع الام في صحنٍ واحد”…لا بد أن يتصدر هذا الاسهام للمرأة في المجتمع كل الاسهامات .. فلا يملك الرجل أن يَتفوقُ على امرأةٍ في هذه الميزة التي خُصَّت بها كأنثى .
إسهامات حرائر الجزائر
يقول المثل ..يُعرف المرء عند الشدائد والمحن ..وأي شدة مرَّت بهذا الوطن العزيز كمحنة المستدمر الغشوم ..والحديث عن إسهامات حرائر الجزائر إبان هذه الحقبة أَسالَ مدادا كثيرا ..فغدت حقائق شهد بها العدو قبل الصديق ..أَبْلتِ المرأة الجزائرية بلاءً حسنا …وقدمت للثورة خدمات تغطي عين الشمس ..فشوهدت في جميع المواقف ولم تدَّخِر جهدا لنصرة القضية العادلة ..فكانت مجاهدة ..وفدائية ..وممرضة ..وصانعة ل ” كسرة ” تسد جوعة المجاهدين ..
حصل الشعب المجاهد بمعية المجاهدات على حريته ..وصدحت الشوارع بتكبيرات الرجال ..تُزَيِّنُها زغاريد النساء ..فَرِحينَ مستبشرينَ ..بما حققوه من نصر مُؤَزًَر.
هل تخلّت المرأة الجزائرية عن الرجل؟
بُعَيْدَ الاستقلال ..لم يتعافى الشعب سريعا من جراحه ..وأخذ في تضميدها رويدا رويدا …لم تتخلى المرأة عن الرجل في هذه المرحلة التي تشبه فترة النقاهة بالنسبة للمريض ..كان الشعب في عمومه ..يميل الى الاشتغال بالفلاحة والزراعة ..فامتهنت النسوة هذه المهنة الشاقة ..وكابدن عناء العمل في الحقول والمزارع مع رعي الاغنام والابقار رفقة الرجال جنبا الى جنب …نالت الشمس الحارقة ما نالت من وجه المرأة الجزائرية وسلبت منها الكثير من انوثتها ورِّقتها.
فاستحالت في بعض طباعها لا تَفْرُقُ عن الرًجال ..بدأت الهوة الزمنية في الاتساع والابتعاد عن يوم الاستقلال ..وبدأت ملامح البلاد تتغير شيئا فشيئا ..شُيِّدَتِ المُدن وفُتِحَتِ المؤسسات التعليمية ..والتحقت الاناثُ بالمدارس.
هل ميّز المجتمع الجزائري بين المرأة والرجل؟
لم يُعْرَف عن المجتمع الجزائري أنه مجتمع ذكوري في عمومه ..ولم يُنظَر إلى المرأة نظرة إختلاف عن الرجل ..او انها ستنافسه ..وتجلى ذلك في حرص الآباء على تعليم بناتهن والسعي لان يكملن دراستهن الجامعية ..طيلة الخمسين عاما بعد الاستقلال ..كان دور المرأة يتنامى وينتشر بشكل ملفت في قطاعات عديدة ..نذكر منها للحصر لا للقصر.
اقتحمت العمل في الشأن العام وخوض المعارك السياسية رغم وعورة هذا المسلك وكثرة مطباته الا انها حملت على نفسها التقدم وخوض غماره …دخلت قبة البرلمان وتحدثت بالنيابة عن الذين وثقوا بأماناتها ، تقلدت مناصب عليا اخفقت في بعضها ونجحت في بعضها الآخر.
التجربة السياسية للمرأة الجزائرية
التجربة السياسية للمرأة نذكرها ههنا ..تَأْريخًا وشهادةً لا ذمَّا ولا إشادة _وفي ميادين التربية والتعليم ..ابدعت المرأة الجزائرية في هذا القطاع الحيوي الحساس وقدمت أروع النماذج في التفاني والاخلاص ..وغدا لقب المعلمة والاستاذة لقبا ثان لصيقا بلقبها الاصلي واستطاعت افتكاك منزلة رفيعة في قلوب الجزائريين.
عملها في ميدان الطب والتطبيب
وفي ميدان الطب والتطبيب كان للمرأة الجزائرية حضورها الطاغي والمتميز ..وابانت عن موهبة فذة في شتى التخصصات الطبية والعلاجية ..سواء في الطب البشري او البيطري ..بالإضافة إلى قطاع التمريض ..تحلت المرأة الجزائرية بمسؤولية كبيرة ..حين تصدت لهذه الوظائف الانسانية السامية فأدخلت البهجة والسرور على قلوب المجتمع ..في الكثير من الأحيان ..ولأن المجتمع الجزائري مجتمع محافظ فقد اسعده بأن يرفع عنه الحرج بوجود طب نسائي.
أخيرا وليس آخرا نقول اننا لن نَفِي المرأة حقها و سيطول بنا الحديث لو استفضنا في سرد الاسهامات التي جادت بها على المجتمع ..ليس فقط في القطاعات التي ألْمَحْنا إليها ..فقد أثبتت براعةً ومقدرةً فائقة في جلِّ التخصصات والمهن ..بالإضافة إلى اشتراكها في العمل الجمعوي والتطوعي وإسدائها خدمات جليلة للكثير من العوائل والأسر الفقيرة
اذا وُجد هناك قصورٌ او بعض السلبيات فهذا من طبع البشرويتحملها كلا الجنسين، الرجل كما المرأةفالمجتمع الذي يتطلع للنهضة ..عليه ان يضع خططا ومناهج تؤهله لتحقيقها ..ويُعِدَّ ابطالا وبطلاتٍ لهذا المسعى العظيم في الختام نوجب الشكر لكل حرة نبيلة مساهمة في بناء وطنها ونقول ان المرأة الجزائرية تستحق لقب ايقونة الثورة والاستقلال.
بقلم: فاروق بن عبود