رأي الدول الغربية باستضافة قطر للمونديال
بكرت أصفر باعوا قضيتهم؟ منذ أن تم اختيار قطر لتكون الدولة الشرق الأوسطية والعربية الأولى التي تنظم كأس العالم لكرة القدم بدأت أصوات الأوروبيين بالهجوم والتنديد بهذا القرار بوسائل شتى، فمرة يدعون دفع الدولة الصغيرة رشى لمسؤولي الفيفا وقتها ليفوزوا بالتنظيم وتارة أخرى يتهمون السلطات هناك بحرمان العمال من حقوقهم ومرة ثالثة يدعون أن البلد الصغير لن يكون قادرا على استيعاب كل المشجعين والسياح في المونديال، لكن هجومهم الأخير الخاص بارتداء شارة مجتمع الشواذ كان الأعنف، فما السر وراء هجماتهم وكيف استطاعت الدولة الصغيرة أن تفرض كلمتها وتكسب احترام العالم؟
دعم أوروبا مجتمع الشواذ في كرة القدم
بداية لنعد عدة سنوات إلى الوراء حيث كانت الرياضة مجردة من الرسائل السياسية والثقافية إلا في بعض الحالات الفردية وحتى عندما كان يتم الأمر بشكل جماعي كان يتم عبر إشارات أو حملات بسيطة لا تكاد تثبت في عقل المشاهد، لكن بداية من عام 2020 تحولت قضية دعم مجتمع الشواذ في الغرب وفي إنكلترا تحديدا إلى قضية رأي عام فبات يخصص لهم شهر كامل توضع فيه شارتهم على أذرعة كباتن الفرق في الدوري الإنكليزي، فضلا عن ذلك بدأنا نرى أعلامهم بكثرة في افتتاح المباريات أو على عامود الركلة الركنية الذي يتواجد في زوايا الملعب الاربع، وكل ذلك تحت شعار دعم الفئات المستضعفة وأننا كبشر كلنا متساوون ويجب أن نحظى بنفس الحقوق.
ما القصد من وراء دعم الغرب للشواذ في المونديال؟
وبعيدا عن مناقشة أن هذه الفكرة نفاق غربي واضح، لم يكترث العالم لتلك الرسائل الغربية، فلا الأفارقة نسوا استعباد واضطهاد الأوروبيين لهم الذي بدأ منذ مئات السنين ولا زال مستمرا، ولا الآسيويون تناسوا ما فعله الأوروبيون من تقسيم لبلدانهم ونهب لثرواتهم عبر السنين الماضية ولا العرب تنازلوا في مسألة تقبل فكرة شاذة دخيلة يعارضها دينهم وتحاربها فطرتهم. كل ما سبق مهد الطريق لهذه المعارك التي تشهدها كواليس مباريات كاس العالم، معارك يخوضها الأوروبيون لإرضاء غرورهم الذي يدفعهم لتصديق فكرة أنهم أفضل من باقي الشعوب وأكثر تقدما ورقيا، حتى وصلت بهم جرأتهم للمطالبة بما يدعون أنها حقوق في دولة يجرمها دستورها وقانونها.
أوروبا تدعي الحرية وتجرم من يخالف رأيها!
وأنا هنا لست أناقش مسألة مشروعية المثلية الجنسية -والتي ترفضها فطرتي قبل أن ترفضها معتقداتي- على أن مسعى الأوروبيين يبدو أنه قد تحقق ولو جزئيا في جعل هذه الفئة من الناس وقضية دعمها قضية عالمية سواء استطاعوا رفع شعاراتهم في قطر أم لم يستطيعوا ذلك. لكن ما لم يخطر على بال الأوروبيين هو أن السحر قد ينقلب على الساحر وهو ما كان، حيث أن غير المتابع يعتقد أن التوجه الأوروبي من خلال المنتخبات الوطنية هو توجه يعكس حال المجتمع الأوروبي لكن المتابع لتفاعل الاوروبيين على صفحات التواصل ومواقع الويب والمنتديات سيجد معظمهم ينتقدون ما يقوم به منتخباتهم من إثارة للجدل لا مسوغ لها، حتى أن البعض منهم بات يرى في هذا التوجه خطرا على المجتمع الأوروبي ذاته من خلال محاولة فرض رأي أو فكر كان في بدايته مندرجا تحت مسمى الحرية الشخصية ودعم الفئات المستضعفة والأقلية لكنه بين ليلة وضحاها أصبح فكرة من الواجب دعمها ومن الجريمة معارضتها أو التخلف عن دعمها حتى.
أوروربا كانت ولا زالت تحاول فرض سطوتها
ولعل البعض منكم قد يعتقد أن في هذا الأمر مفارقة لا منطقية وبلا تفسير لكن المطلع على تاريخ الأوروبيين سيدرك أن كل ما يجري من مناحرة ومجابهة مردها إلى عقدة الرجل الأوروبي المتفوق الذي لا يحتمل أن يقول له أحد لا وهو ما كان في قطر، حيث ضرب الأوروبيون كل الأعراف والمسلمات الدولية والإنسانية المتعلقة باحترام ثقافة وقوانين الدول المضيفة بعرض الحائط، فكان الموقف الأوروبي شديد الميوعة غير قابل للتفسير حتى من رئيس الفيفا نفسه الذي أدلى بتصريحات لم تعجب منتخبات ومسؤولي القارة العجوز أبدا، فتحول الأمر لمعركة فرض رأي وسيطرة من خلال اتباع أساليب لا عقلانية بل ويمكن وصفها بالصبيانية على غرار ما فعله المنتخب الألماني في مباراته الأولى التي خسرها أمام اليابان وعلى غرار ما فعله المنتخب الويلزي في مباراته الثانية التي خسرها أيضا أمام إيران.
وفي حين لا يبدو التوصل إلى اتفاق بين الدولة المستضيفة والفيفا من جهة وبين الاوروبيين من جهة ثانية قريبا، لن يكون من المستغرب أن نرى فصولا جديدة من فصول التذمر ومحاولات فرض الرأي الأوروبي بالقوة، وربما تأخذ الأمور منحى أكثر حدة إذا ما قررت واحدة أو أكثر من الدول الأوروبية الانسحاب من الفيفا كنوع من الضغط لفرض السطوة، وحتى ذلك الحين سنظل نعاني من تصرفات دول تريد تشويه فطرة مجتمعاتنا السليمة كما في مجتمعاتها المريضة بحجة حرية الرأي والتعبير. وبغض النظر عن الطريقة التي ستتطور بها مجريات هذه القضية فالرابح الأكبر هي الدولة المنظمة متمثلة بقطر ومن ورائها العرب، والخاسر الأكبر هو منتخبات الدول الأوروبية التي خسرت كثيرا على الصعيد الرياضي والجماهيري وحتى الثقافي، ولعل ما يؤلم الأوروبيين فعلا هو إدراكهم بأن خسارتهم هذه المرة أكبر بكثير من مجرد شارة توضع على الذراع.
فيديو مقال حرب الألوان التي كشفت نفاق الأوروبيين