لم تكن يوماً الهجرة ذات علاقة توافقية مع خيارتنا المُتاحة أو حتى الرغبات الذاتيـة التي دائماً تحلوا لنا على سبيل التفكير بها لم يكن خيارنا الطوعي أو حباً فيها لأجل الخلاص من هم الأحداث وتراكمات المرحلة داخل الوطن أو البيئة ، بل الهجرة رحيل مُبكر عن الحياة لكن ببطء تتلاشى أحداثها رويداً رويداً حتى الخلاص دون أن نأبـه لذلك أو حتى الشعور به.
شجون متصارعة
حاولت تكراراً أن أعيد صياغة أفكـاري وتمازجها مع أفكار من سبق ومن خاض مرحلة الهجرة والعيش في أضيق مكان لمُمارسة تفاصيل حياته وجدت أننا نحتاج أسباباً أقسىٰ من الظروف والحرب والأزمات حتى نبرر الهجرة..أسباب أكثر منطق..أكثر سطوة وحضوراً..أكثر إقناع، لكن يبدو إني لم أجد ما يبرر قرار الهجرة وحلم العــودة كل شيئ أصبح من الخيارات الصعبة التي أحياناً تجعل الشخص حبيس لعواطفه وأفكاره.
أحيانـاً نُجبر أن نتوافق مع ظروف البيئة خاصة إذا كانت نتاج لتراكم عبث فوضوي لمزيج من الحنين والشجن الذي يسكن ذواتنا المُتعبه خاصة عندما نتذكر بأننا غُرباء المهجر وضحايـا حرب الوطن البعيــد، وارواح أهكلتها لحظات الإنتظار على أطلال المجد الذي لم تظهر ملامحه بعد، كم هي قاسية بيـئة الهجرة عندما نتصنع فيها سعادة زائـفة لكي نعبر المرحلـة بســلام..
بيئة جديدة في الغربة يصعب عليك التأقلم مع طبيعتها
تستطيع أن تتعلم في الغربـة حياة آُخرى تخالف تماماً كل ما تعلمته وأنت في وطنك وبين أهلك ومُجتمعك الذي دائماً يتوافق جُزئياً مع مُستوى حُريتك المادية والإجتماعية والثقافية، وأيضاً العلمية، لا شبيه لوطنك في منافي الهجرة الإختيارية كل ما تفكر به تقريباً هو عكس ما تتخيله تماماً حتى وإن وجدت ما يتوافق مع رؤيتك وتمدنك لكن هذا أمام ما كنت عليه في وطنك لا يضاهي جزء بسيط من طقوسك هُناك وتشبعك بها ستشتاق يوماً لكل التفاصيل حتى أبسط الذكريات المُهملة ستعيد إحياء ذكراها.
أن تعيش حياة الهجرة فعلياً هذا يعني أنك قد تجد ذاتك أكثر قرب للحنين وإعادة تشكيل لصورتك ولهويتك رغماً عنك لآن البيئة قاسية جداً ملامح الجمال وبساطة الحياة فيها تُكاد معدومة تماماً، أي أن حالات الإطمئنان تكاد معدومة.
الغربة تفقدك حق التملك الذي منحك إياه الوطن
الهجرة هي الغُربة التي لا تتيح لك أن تملك شيئ سوأ حُلمك ومبادئك وأخلاقك، وقليل من ثقافة الحياة، وكيفية تعاملك مع طبيعة البيئة المحيطة والتي قد تتعدد حسب مُستوايات معينه وحسب تصنيفات لا تخضع لقانون العيش السهل ،قد ترأ ما لم تراه وأنت في وطنك لكن ستكبر لسبب أنك تخوض تجربة هي نوعاً ما قاسية وتختلف نوعاً ما عن ما كنت أنت مألـوف عليه، حتى تفكيرك سيجعل منك شخص أكثر إنفتاحية في قرأءة المشهد وتراجيدياته، رُبما قد لا تستطيع تفصل بين تلك القراءات إن لم تكن صاحب تجربة مُسبقا عايشت تفاصيلها كما فرضت عليك المرحلة ،وبين طقوسك الخاصة المُعتاد عليها القضية كلها إنتقائية لمزاجيات طائشـه.
قد تجد نفسك في لحظات عابره مُكابراً ومُفاخراً بأبسط ما تملك مُقابل أنك تتناسى ظروف واقعك المُحيط وتعقيداته، وهذا لا يُعتبر من جُزئيات الغرور وإنما من باب التغافل والعيش على بساط النسيان الذي يعتبر شيئٌ لابد منه في أراضي المهجر كونك تسدد جزء من تضحياتك مُقابل الثبات لحين تجد سبيل لحريتك ولحياتك بعيداً عن ضغط القوانين وسياسة التعاملات المعمول بها كشيئ ثابت يصعب تفاديه أو حتى الإفلات منـه.
الغربة والوطن معادلة عكسية
الهجرة والوطن هي دائماً مُعادلة صعبه بالنسبة للمُهاجر عن وطنه يصعب في بعض الأحيان أيجاد توافق مُشترك فيما بينهم، ليس إن الوطن هو كل شيئ والهجرة مجرد هروب من واقع هش لأجل البحث عن حياة جديدة ،فـالواطن هو أعمق عن كل تفسيرات الفلسفة وشطحات الحكماء مقارنه به مع وضع الهجره وبلاد المهجر، بلاد المهجر ليس بديل عن الوطن حتى نتصنع فيه أبجدياتنا التي نأمل أن نكون عليها كما كنا في الوطن الأم هُناك ثمة مُفارقات فاصلة بين الوطن والهجرة كمعنىٰ ومضموناً، ثمة إعتقادات قد تطرى على جوهر هذا الصراع الأبدي لكن حتماً هُناك سبيل لمعرفة أدق تفاصيل هذا الصراع الشبيه بصراع العواطف مع الذات.