قناة السويس بالنسبة للمصريين ليست مجرد قناة بحرية، فهي بمثابة الأمل للمصريين في عيش حياة أفضل، بالرغم من أنها كانت بالماضي مقبرة لهم أيضا، وذلك عندما شرع الخديوي محمد سعيد باشا في حفرها، بعد أن أعطي فرديناند ديلسبس الفرنسي الجنسية الامتياز الأول لتكون شركة عالمية لشق وحفر القناة في مدينة فرما موقع بورسعيد حاليا، مستعينا بأكثر من المليون عامل مصري، وتوفي أكثر من مائة وعشرون ألفا مواطنا من أبناء الطبقة المتوسطة والفقيرة أثناء الحفر والذي بدأ فعليا في 25 أبريل لسنة 1859م، نتيجة عملهم بالسخرة في ظروف شديدة القسوة وانعدام الرعاية وتفشي الأوبئة والأمراض في تنفيذ هذا المشروع العملاق، وتم استخراج 74 مليون متر مكعب من الأتربة، وقد بلغت تكاليفه 433 مليون فرانك (17320000 جنيه)، أي ضعف المبلغ الذي كان مقدرا لإنجازه والذي استمر لمدة العشر سنوات، والذي تم افتتاحه في 17 نوفمبر لسنة 1869 م، حتى أصبحت شريان الملاحة العالمية بطول 193.3 كم وتنقسم إلى شمال وجنوب حسب القوافل المارة في المجرى الملاحي وأهدت العالم الممر الآمن من حيث ربط قارات العالم أسيا وأفريقيا والأمريكتين وأوروبا ببعضهم البعض، وتم مهاجمة مصر ومحاربتها عبر العصور بسببها وكان آخرها حرب السادس من أكتوبر لسنة 1973 م، والتي عبر من خلالها جنودنا البواسل مانعها البحري الصعب ومن ثم تحقيق النصر ورد الكرامة وعودة سيناء لأحضان الوطن بعد أن اغتصبت لسنوات من عدو صهيوني آثم حاول طمس معالمها وجعلها جزءا من دولته المزعومة من النيل للفرات، فرمزية القناة ليست في العملة الصعبة التي تدخل البلاد فقط والمورد الأساسي في تدفق النقد الأجبني بل في جينات هذا الشعب الذي دافع عنها ومازال جزء لا يتجزأ من وجدانه وعقله المتعلق بالسيادة والشرف والعرض ومن ثم أمام كل هذه العوامل ترفض العروض المقدمة والتي في داخلها الكثير من اللغط وعدم الوضوح والشبهات وغياب الرؤية وضحالة الأفكار واجتزاء الأمور فقط في البيع والشراء دون التمسك بالثوابت الوطنية والمشاعر الدفينة في قلب كل مصري غيور على بلده شهد أو رأى أو سمع عن توسيع المجرى الملاحي وتعميقه وزيادة الغاطس من قبل رؤساء هيئة قناة السويس عبر العصور المتلاحقة حتى أصبحت القناة تستوعب الناقلات العملاقة من كافة أنواعها ومسايرة التكنولوجيا الحديثة واتباع الأساليب العلمية ومواكبة التقدم الذي يشهده العالم، وليس أدل من ذلك تعويم السفينة العملاقة إيفر غيفن وهي من أكبر سفن الحاويات في العالم والتي جنحت في مدخل قناة السويس الجنوبي بتاريخ 23 مارس لسنة 2021 م، وتوقفت التجارة العالمية وشلت حركتها ونجحت السواعد المصرية في تعويمها وتحربكها في أقل من أسبوع وأنقذت العالم من الكساد وتخلف البضائع والتجارة بين دول العالم.
المصدر الرئيسي للعملة الصعبة
بلا أدنى شك تنفرد قناة السويس بنصيب الأسد في ثقل الدخل القومي من العملة الصعبة بجانب تحويلات المصريين العاملين بالخارج وقطاع السياحة وعمليات التصدير الشحيحة، وفي كل عام يحقق هذا المرفق الحيوي مليارات الدورات التي تدخل خرينة الدولة بشكل يومي وتكون جزء مهم في موازنتها العامة، ويسهم في عملية التنمية المستدامة، ولو أن كل القيادات التي مرت على مصر واهتمت بالاستثمار في منطقة قناة السويس وانشاء مناطق لوجستية وهيئات صناعية وتم تطوير الموانئ المطلة والمتعلقة بقناة السويس تنمية حقيقية تثبت الأصول ولا تبيعها ولا تتحايل عليها بالخطط الشيطانية المغلفة بالخيانة لأصبحت لمصر في مكانة أخري عما نراه الآن ولأوجدت فرص عمل كثيرة لمواطنينها الذين يئنون تحت وطاة البطالة وزاد مدخول القناة بشكل لا يصدق من كثرة السفن العابرة لهذا المرفق الحيوي واعدادها الضخمة التي يستفاد منها كل الدول المجاورة إلا مصر، الكلام كثير والفعل قليل مع وجود الموائمات ونشوة الاستمرار في لعبة الكراسي الموسيقية التي ابتلي بها الشعب عبر مراحله المختلفة، اهمال العلم وانتشار البيقراطية الحمقاء وتوغل الفساد وترعرعه في بيئة خصبة تم تمهيدها بضمير وسعادة منقطعة النظير في استقباله.
ما يحاك للقناة الآن (المخاطر المحدقة)
كل الدول التي كان يمر بها طريق رأس الرجاء الصالح الذي اكتشفه البرتغالي فاسكوا دا غاما قديما، والتي كانت الرحلة التجارية الواحدة المارة عبره تأخذ مالا يقل عن ثلاثون يوما، واختصرتها قناة السويس في أقل من الأسبوعين، فقدوا هؤلاء الإستفادة ببدء تشغيل قناة السويس والذي كان حلما وتتحقق بسواعد المصريين، وكانت مصر بالنسبة لهم الشوكة التي كسرت ظهر البعير، تستحوذ قناة السويس على نحو 12% من تجارة العالم ومن ثم ظهرت الثعابين والكارهون هنا وهناك يحقدون على مصر ودخلها القومي من القناة التي عززت الاقتصاد المصري، وتبارى الفاسدون والمارقون في تشجيع الأعداء في الغرب والشرق في محاولة بائسة في إنشاء خط سكك حديدية يمتد من ميناء إيلات البحري وحتى البحر المتوسط وهي محاولة بائت بالفشل ولم يستكمل المخطط لعدم جدواها الإقتصادية والتكلفة العالية لإنشاء الخط، بجانب الآثار البيئية التي سوف تخرج من عمليات الشحن والتفريغ، لم يكتفي الأعداء بذلك بل فكروا في إنشاء قناة بحرية جديدة تربط السوق الصيني بدول جنوب شرق آسيا النمور الأسيوية الصاعدة بسرعة الصاروخ وهم ماليزيا وكوريا وسنغافورة وإنشاء موانئ ضخمة لفتح أسواق جديدة في بعض الدول كالهند وباكستان ونيبال وبنجالاديش، ونأتي لثالث المحاولات وهي حفر قناة في القطب الشمالي المجمد بروسيا وهو مايعرف بطريق بحر الشمال كممر بحري من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادي على طول ساحل القطب الشمالي الروسي من بحر بارنتس بمحاذاة سيبيريا إلى الشرق الأقصي، وهذه القناة تعمل في فصل الصيف لمدة شهرين فقط نتيجة ذوبان الجليد، وتستوعب عدد قليل من السفن والمحاولات مستمرة باستثمارات ضخمة تتخطى المليارات من الدولارات لجعلها تعمل طوال العام، وذلك لعمل قناة بديلة لقناة السويس وهذا المذروع حتى لم إكتمل فإنه سوف يأخذ من الوقت الكثير والكثير ولن يغني حتما عن قناة السويس الآمنة من جميع الجوانب، وكل هذه الأفكار تبعث برسالة مفادة علينا بأخذ الحيطة من الصديق قبل العدو، مصر بموقعها الجغرافي المتميز ومواردها الطبيعية الهائلة وحضارتها التي علمت العالم أجمع، ورغم من يدور على أراضيها الآن من أزمات على جميع المستويات سواء السياسية المتراجعة كلمتها وكتم أصواتها والأزمة الإقتصادية الطاحنة المدمرة والفساد المتفشي في عصب أعمدتها والجوانب الإجتماعية الممزقة والتي تهاوت طبقاتها فوق بعضها البعض وانقسمت حاليا لأغنياء وفقراء لا طبقة متوسطة بينهما ولا خلافه، فكلما زاد الفقر في بلدي كلما زادت أوجاعي وأوجاع كل من هو مازال في قلبه ذرة من رحمة بالعباد، فمصر قادرة رغم كل ما يحاك لها سواء من الداخل أو الخارج على النهوض مرة أخرى وأن نرى الشمس تشرق على أراضيها ويظلل القمر ودفئه مواطينها.
ومضات سريعة للتطور التاريخي لقناة السويس
سوف نقوم بسردها في السطور القليلة القادمة لعل الأجيال الجديدة تدرك وتعي ماهية القناة، وما تتعرض له من حملات شنعاء للحد من قيمتها ومحو تاريخها، ونثر التراب عليها مرة أخرى وكأن التاريخ يعيد نفسه في هذه المرحلة الخطرة من عمر البلاد وظلام المشهد وضبابية الصورة، وبيع السم في العسل والذي لن نتذوق مرارته الآن ولكن بعد برهة من الزمان، عندما يكون السم قد انتشر في جسد الأمة بكاملها، وتضعف المقاومة وتنهار القوى، وتكون النتيجة التي لا نرجوها جميعا هي التسليم والتفريط والبيع والموت أحياءا على ظهر الحياة.
صاحب فكرة القناة (جذور الفكرة وبداياتها الأولى)
تبين كتب التاريخ أن أول من فكر في ربط البحرين الأبيض والأحمر بطريق غير مباشر، عن طريق النيل وفروعه هو الفرعون سنوسرت الثالث من الأسرة الثانية عشرة، وذلك بهدف توطيد التجارة وتيسير المواصلات بين الشرق والغرب، حيث كانت السفن القادمة من البحر الأبيض المتوسط تسير في النيل حتى الزقازيق ومنها إلى البحر الأحمر عبر البحيرات المرة التي كانت متصلة به في ذلك الوقت، وتمت إعادة شق القناة فى عام 610 قبل الميلاد في عهد الفرعون نخاو الثاني المعروف باسم نيقوس غاية جهده لإعادة شق القناة ، فوفق إلى وصل النيل بالبحيرات المرة ولكنه فشل في وصلها بالبحر الأحمر، وفى 510 قبل الميلاد اهتم دارا الأول ملك الفرس بالقناة، فأعاد ربط النيل بالبحيرات المرة، غير أنه لم ينجح كسلفه في وصل البحيرات المرة بالبحر الأحمر إلا بواسطة قنوات صغيرة لم تكن صالحة للملاحة إلا في موسم فيضان النيل فقط، وتغلب بطاليموس الثاني فى 285 قبل الميلاد على كل الصعوبات التي اعترضت سبيل سابقيه، فتمكن من إعادة الملاحة إلى القناة بأكملها، بعد أن نجح في حفر الجزء الواقع بين البحيرات المرة والبحر الأحمر، ليحل محل القنوات الصغيرة، ورأى الرومان إعادة استخدام القناة للملاحة لضرورات التجارة، فحفر الإمبراطور تراجان الروماني قناة جديدة ( 98 ميلادية )، تبدأ من القاهرة عند فم الخليج، وتنتهي في العباسة، حيث تتصل بالفرع القديم عند الزقازيق، وفي عهد البيزنطيين ( 400 ميلادية ) دب الإهمال من جديد في القناة، فتراكم التراب فيها حتى أصبحت غير صالحة للملاحة على الإطلاق، وفى عام 641 ميلادية أعاد عمرو بن العاص الملاحة الى القناة، وأطلق عليها اسم قناة أمير المؤمنين، وقد خطر له أن يشق قناة مباشرة بين البحرين الأبيض والأحمر، ولكن الخليفة عمر بن الخطاب أثناه عن عزمه، اعتقادا منه بأن شق مثل هذا البرزخ قد يعرض مصر كلها لطغيان مياه البحر الأحمر، وفى عام 760 ميلادية ردم الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور القناة حتى لا تستخدم في نقل المؤن إلى أهل مكة والمدينة الثائرين على حكمه، وبذلك تعطلت الملاحة بين البحرين أحد عشر قرنا تقريبا، استخدمت خلالها الطرق البرية في نقل تجاره مصر .وفى عام 1820 أمر محمد علي بإصلاح جزء من القناة لرى المنطقة الواقعة بين العباسة والقصاصين.
فرمان الامتياز الأول
صدر فرمان الامتياز الأول الذى منح فرديناند ديلسبس حق إنشاء شركة لشق قناة السويس فى 30 نوفمبر 1854 وينص هذا الفرمان فى مادته الأولى على أن ديلسبس يجب أن ينشىء شركة ويشرف عليها ، وفى مادته الثانية أن مدير الشركة يتم تعيينه بمعرفة الحكومة المصرية وفى مادته الثالثة أن مدة الامتياز تسع وتسعون سنة تبدأ من تاريخ فتح القناة، وفى مادته الخامسة أن الحكومة المصرية تحصل سنوياً على 15 % من صافى أرباح الشركة . وينص هذا الفرمان أيضاً على أن رسم المرور فى القناة يتم الاتفاق عليه بين الخديوى والشركة، وأن تتساوى فيه كل الدول دون تفرقة أو امتياز، وأنه عند انتهاء امتياز هذه الشركة تحل الحكومة المصرية محلها، وتستولى على القناة وعلى كل المنشآت التابعة لها.
فرمان الامتياز الثانى
صدر فرمان الامتياز الثانى فى 5 يناير 1856 وهو يتضمن 23 مادة توضح ما تضمنه الفرمان الأول من أحكام. غير أنه يلاحظ أن المواد 14 و 15 من الفرمان الثانى تؤكد بصورة واضحة حياد القناة، فقد جاء فى المادة 14 القناة البحرية الكبرى من السويس إلى الطينة والمرافىء التابعة لها مفتوحة على الدوام بوصفها ممرا محايدا لكل سفينة تجارية.
تأسيس الشركة العالمية لقناة السويس البحرية
تأسست الشركة العالمية لقناة السويس البحرية (15 ديسمبر 1858) برأس مال قدره 200 مليون فرنك (8 ملايين جنيه)، مقسم على 400,000 سهم قيمة كل منها 500 فرنك، خصصت الشركة لكل دولة من الدول عددا معينا منها وكان نصيب مصر 92136 سهما ونصيب انجلترا والولايات المتحدة والنمسا وروسيا 85506 أسهم غير أن هذه الدول رفضت رفضا باتا الاشتراك في الاكتتاب، فاضطرت مصر إزاء رفضها، إلى استدانة 28 مليون فرنك (1120000 جنيه ) بفائدة باهظة لشراء نصيبها بناء على إلحاح دليسبس، ورغبة منها في تعضيد المشروع وإنجاحه، وبذلك أصبح مجموع ما تملكه مصر من الأسهم 177642 سهما قيمتها 89 مليون فرنك تقريبا (3560000 جنيه) أي ما يقرب من نصف رأس مال الشركة.
افتتاح القناة في حفل أسطوري (17 نوفمبر 1869)
امتزجت مياه البحرين الأحمر والمتوسط في 18 اغسطس 1869 لتظهر إلى النور قناة السويس، شريان الأمل ونبع الخير لمصر والعالم، والتي وصفها عالم الجغرافيا الراحل الدكتور جمال حمدان بأنها نبض مصر، وافتتحت القناة في حفل أسطوري (17 نوفمبر 1869) بحضور ستة آلاف مدعو فى مقدمتهم الإمبراطورة اوجينى زوجة إمبراطور فرنسا نابليون الثالث ، وإمبراطور النمسا، وملك المجر، وولى عهد بروسيا، وشقيق ملك هولندا، وسفير بريطانيا العظمى فى الآستانة، والأمير عبد القادر الجزائري، والأمير توفيق ولى عهد مصر، والكاتب النرويجى الأشهر هنريك إبسن، والأمير طوسون نجل الخديو الراحل سعيد باشا، ونوبار باشا وغيرهم، وعبرت القناة في ذلك اليوم (17 نوفمبر 1869) السفينة “ايغيل” وعلى متنها كبار المدعوين تتبعها 77 سفينة منها 50 سفينة حربية، وعلى هامش الافتتاح أقيمت بهذه المناسبة احتفالات ومهرجانات تفوق الوصف والإبهار ، فقد أنفق فيها الخديوي اسماعيل نحو مليون ونصف مليون جنيه، وكان مبلغ كبير جدا في هذه الحقبة والتي أدت في نهاية الأمر مع سياسيات أخرى للخديوي اسماعيل في افلاس مصر ورهن كل أصولها وكانت مقدمة للإحتلال البريطاني.
ما بعد الافتتاح حتى اتفاقية القسطنطينية
فى 15 فبراير 1875 اشترى دزرائيلى رئيس الوزراء البريطاني من الخديوى اسماعيل 176602 سهما مقابل مبلغ 3.976.580 جنيه انجليزى وهذه الأسهم المصرية المباعة كانت تمثل 44% من مجموع الأسهم وكان تعطي مصر حق الحصول على 31 % من مجموع ربح الشركة، وتنازلت الحكومة فى 17 أبريل 1880 للبنك العقارى الفرنسى عن حقها فى الحصول على 15% من ربح الشركة مقابل 22 مليون فرنك، وبذلك أصبحت الشركة تحت السيطرة المالية لفرنسا وانجلترا للأولى 56 % من الأسهم وللثانية 44% ، وفيما بين مايو وسبتمبر 1882 تم احتلال الانجليز لمصر فى أعقاب الثورة العرابية واستولى الجيش البريطانى على مرافق الشركة، وأوقف المرور بالقناة مدة مؤقتة، وصدر تصريح من لورد جرانفيلد فى 3 يناير 1883 إلى الدول الكبرى أعلن فيه أن الحكومة الانجليزية ترغب فى سحب جيشها من مصر فى أقرب فرصة تسمح فيها حالة البلاد بذلك، ويقترح تنظيم وضع قناة السويس بموجب اتفاقية تبرم بين الدول الكبرى، ومن ثم اجتمعت فى 30 مارس 1885 فى باريس لجنة دولية لوضع وثيقة بضمان حرية الملاحة فى القناة فى كافة الأوقات ولكافة الدول، ولكن لم يتم الاتفاق على وضع هذه الوثيقة، بعد ذلك أبرم فى القسطنطينية اتفاق بين كل من فرنسا والنمسا والمجر واسبانيا وانجلترا وايطاليا وهولندا وروسيا وتركيا بمقتضاه تم وضع نظام نهائى لضمان حرية الملاحة فى قناة السويس، وارتباطا بمسألة احترام مصر لاتفاقية القسطنطينية بعثت فى 17 يولية 1957 برسالة إلى محكمة العدل الدولية، يبلغها أن مصر قد قبلت الولاية الجبرية للمحكمة طبقاً لأحكام المادة 36 من القانون الأساسى لهذه المحكمة بالنسبة لكافة المنازعات التى تتعلق بالمرور فى قناة السويس.
قرار تأميم قناة السويس (عودة الحق إلى أصحابه)
تم الإعلان عن قرار تأمين قناة السويس من خلال الخطاب الشهير والذي ألقاه الرئيس جمال عبدالناصر فى مدينة الإسكندرية بتاريخ 26 يوليو لسنة 1956، ونصت المادة الأولى من القرار على أن تؤمم الشركة العالمية لقناة السويس البحرية (شركة مساهمة مصرية) وتنقل إلى الدولة جميع مالها من أموال وحقوق وما عليها من التزامات وتحل الهيئات واللجان القائمة حالياً على إدارتها، ويعوض المساهمون وحملة حصص التأسيس عما يملكون من أسهم وحصص بقيمتها مقدرة بحسب سعر الإقفال السابق على تاريخ العمل بهذا القانون في بورصة الأوراق المالية فى باريس، ويتم دفع هذا التعويض بعد إتمام استلام الدولة لجميع أموال وممتلكات الشركة المؤممة، وبالفعل أوفت الدولة المصرية بكافة التزاماتها، فمع حلول الأول من يناير 1963 كانت قد سددت التعويضات التي أعلنت عن عزمها على دفعها لمساهميها تعويضا لهم عما يملكونه من أسهم وحصص تأسيس بقيمتها مقدرة وفقا لسعر الإقفال، في اليوم السابق للتأميم في بورصة الأوراق المالية بباريس، وبلغت جملة التعويضات 28300000 جنيه قيمة 800000 سهم سددت جميعها بالعملة الصعبة ، قبل تاريخ استحقاقها بسنة كاملة.
عواقب التأمين (الآثار المترتبة على القرار)
كان الرد سريعا ومباشرا من الدول الكبرى والبنك الدولى وهو رفض تمويل مشروع السد العالى، إلا أن القرار فى حقيقة الأمر كان كاشفا وليس منشئا للحقوق المصرية، وهو يرتبط ارتباطا وثيقا بالسيادة المصرية على كامل التراب الوطنى بعد ثورة 23 يوليو لسنة 1952م ، بعد قرار التأميم تعرضت مصر لهجمة استعمارية شرسة بدأت بمحاولة خنق الاقتصاد المصرى عندما انسحب المرشدون والفنيون الأجانب الذين يعملون فى القناة لتعطيل الملاحة وعرقلة دولاب العمل ومن ثم إحراج الدولة المصرية بعدم قدرة أبنائها على إدارة القناة، لكن روح التحدى التى تحلى بها المصريون دوما فى أحلك الأوقات ساعدت على تجاوز الأزمة حيث نجح المرشدون المصريون بمعاونة بعض المرشدين من الدول الصديقة فى تسيير الملاحة بانتظام وسلام بعد يومين فقط من انسحاب المرشدين الأجانب، وتوالت الأحداث بعد ذلك والتى انتهت بشن العدوان الثلاثى على مصر والذى استمر من 31 اكتوبر إلى 22 ديسمبر 1956، وإذا كان العدوان الثلاثى قد تسبب فى غلق القناة إلا أن ضفاف القناة ومصر كلها خاضت فى ذلك الوقت معركة مجيدة تكللت ليس فقط بانتصار 23 ديسمبر 1956 لكن معركة السويس المجيدة كما يسميها المؤرخون دفنت الاستعمار وعصر الاستعمار ودشنت بلا جدال عصر التحرير فى العالم وافتتحت موجة الاستقلال فى العالم الثالث بأسره، وبنفس روح التحدى استؤنفت الملاحة في القناة ( 29 مارس 1957) بعد انتشال السفن الغارقة فيها وتطهيرها.
إعادة افتتاح قناة السويس (5 يونيو 1975)
توقفت الملاحة فى القناة بسبب العدوان الإسرائيلى فى 5 يونيه 1967م ، واستمر الوضع كذلك حتى أعلن الرئيس أنور السادات في خطابه التاريخي في مجلس الشعب ( 29 مارس 1975) إعادة فتح قناة السويس وقال إنني لا أريد لشعوب العالم التي تهتم بالقناة معبرا لتجارتها أن تتصور بأن شعب مصر يريد عقابها لذنب لم تقترفه، إنهم جميعاً أيدونا ونحن نريد قناتنا كما يريدونها طريقا لازدهارنا، سوف نفتح قناة السويس ونحن قادرون على حمايتها نفس قدرتنا علي حماية مدن القناة التي قمنا ونقوم بتعميرها، فلقد مضي ذلك العهد الذي كانت فيه المسافات حائلا دون العدوان، وأكمل أعلن لابن هذه الأرض الطيبة الذي شق القناة بعرقه ودموعه، همزة للوصل بين القارات والحضارات، وعبرها بأرواح شهدائه الأبرار لينشر السلام والأمان على ضفافها، يعيد فتحها اليوم للملاحة من جديد، رافدا للسلام وشريانا للازدهار والتعاون بين البشر.
فيديو مقال قناة السويس رمز العزة والكرامة والتضحية