بقلم: نيرة النعيمي
هذا ما يعرف بـ “الشك” وهو التفكير الدائم بأن الشخص يتعرض للتهديد ممن حوله وبأن الجميع يتآمرون ضده حتى لو لم يكن هناك دليل واضح على ذلك.ذلك الشك، هو أحد الاضطرابات النفسية التي تكون أفكارا خاطئة لدى الفرد، وتجعله يشعر بكراهية تجاه الآخرين وتسبب له العديد من المشاكل في علاقاته مع الآخرين.
الشك
هذا الشك، يرى أشخاص أنه لا يأتي من فراغ، إنما له أسباب وتجارب لاكتساب هذا “الشك” بالتالي حجز حيز كبير في حياته وتصرفاته.عمر (28عاما) هو أحد الأشخاص الذين يحتل الشك مكانا كبيرا في حياته، ما جعله يخسر الكثير من العلاقات الاجتماعية ويجد الصعوبة في تكوين الصداقة مع من حوله بسبب الخوف الذي زرعه الشك في عقله.
بدأ الأمر مع عمر بسن صغير من علاقة صداقة اكتشف أنها مبنية على المصلحة لمساعدة أحد زملائه بالدراسة والوقوف دائما بجانبه.ويقول “بالصدفة سمعته يتحدث عني بالسوء لزملائنا بالصف وبأنه كان يستغلني لا أكثر ولا يعتبرني صديقا”. ومن هذا التصرف تغيرت نظرته لكل شي من حوله ليشعر بأنه تم خداعه وفقد ثقته بالآخرين.ومع مرور السنوات ومواقف أخرى “مشابهة” حصلت معه، أدخله هذا الشك في حالة من الخوف والقلق الذي لا يغيب عن عقله، ليفقد الثقة بكل من حوله وفي علاقات العمل والأصدقاء.
شعور التهديد الدائم سواء في العمل أو في علاقاته الاجتماعية إلى جانب إحساسه بأن هنالك مؤامرة تحاك ضده كلما دخل إلى قاعة الاجتماعات ووجد زملاءه مجتمعين، أدخله في دوامة الشك أكثر، وأصبح مؤثرا قويا في تصرفاته لأن يفتقد عنصر الامان.
عدم الثقة بالنفس
ويوضح عمر أنه حاول التخلص من هذه الصفة وعندما لم يستطع أن يحل الأمر بنفسه قرر أن يتجه لاختصاصي نفسي ليساعده في إعادة ثقته بالأشخاص عله يستعيد جزءا منها.الاختصاصي النفسي الدكتور علي الغزو يبين أن كل مرحلة لها أسبابها ودوافعها التي تولد عند الانسان هذا الشعور بالشك أو عدم الثقة بالآخرين الذي ينبع جزء منه جراء عدم الثقة بالنفس.ويتابع الغزو، أن هذا الأسباب قد تعود لدوافع حقيقية أو غير حقيقية “وهمية” بمعنى أنه شك غير واقعي، مبينا أن الدوافع الحقيقية قد تكون نتيجة أخطاء ارتكبها هذا الشخص بحق الآخرين، بغض النظر عن المرحلة العمرية له سواء صغير أو كبير.
وأصبح معروفا لديهم بأنه ليس محل للثقة سواء بعمله أو بتصرفاته وكلامه.ويلفت إلى أن الخطأ قد يكون من إلحاق شخص الضرر أو الأذى بالآخرين، ويتولد لديه شعور أن أي مجموعة تجتمع تتحدث عنه سواء في مكان العمل أو البيت بين الأسرة ويصبح يراوده الشك انه مدار الحديث.مقابل ذلك، البعض الآخر تكون أسبابه وهمية تعود إلى الصفات الشخصية لفرد يعاني من الانطواء، وغياب الثقة بالنفس بالإضافة إلى العزلة أو الوحدة،
وحين تواجده ضمن مجموعات يظهر لديه الشك بأن الجميع يتحدثون عنه بالرغم من عدم وجود أي خلافات بينهم، ولكنه يشعر بالتهديد.في هذه الحالة من الممكن طلب المساعدة والاستعانة بالأشخاص المقربين، لتقديم النصيحة، مشددا الغزو على ضرورة الاستعانة بطبيب نفسي إن استدعت الحاجة، للاستفادة من برنامج ارشادي ونفسي. ومع مرور الزمن قد يظهر تعديل إيجابي على السلوك، بالتالي التخلص من أوهام يعيشها الشخص.
الحالة النفسية التي يعيشها الإنسان
ويشير الغزو إلى أن الحالة النفسية التي يعيشها الإنسان الذي يعاني من الشك تتلخص بخوفه وقلقه وأن الآخرين سيقومون بأذيته، وقد ينجم عن ذلك أفكار تتمثل بنوع الأذى أو الضرر الذي ممكن أن يلحق به، وبالأصل هو يعيش في وحدة وعزلة ولا يحب الانخراط في المجموعات.ويرجح الغزو أن الشخص الذي يعاني صعوبة التخلص من الشك سيفقد الثقة بكل شيء على الصعيد الفردي، ولكن المشكلة الأكبر عندما يؤسس أسرة وانعكاس هذا الشك على زوجته والأبناء.
ويتابع الغزو، أن هذا الأمر قد يولد مشاكل أسرية وزوجيه قد تؤدي إلى الانفصال في بعض الأحيان نتيجة لهذا “الشك”، إذ إن الخوف وعدم الثقة في البيئة العائلية والأسرية يجعل الحياة مستحيلة مع وجوده.ويلفت الغزو “علينا ألا ننسى عامل التجربة والخبرة وقد يتعرض الإنسان لصدمات ولأخطاء وأحيانا للظلم سواء من العائلة أو الاصدقاء أو مديره في العمل ولكن هذا الأمر ليس نهاية العالم”. ومن المهم رفع مستوى الثقة بالناس.
ومن الجانب التربوي، يبين الدكتور أن الانسان ابن بيئته وكما تتم تربيته يتصرف بذات الطريقة، موضحا أن وجود الطفل وعيشه في بيئة إيجابية يساعده في اتخاذ القرار بعيدا عن الشكوك بالآخرين.ويتابع الأهم دائما تعزيز ثقة الطفل بنفسه من خلال إعطائه دورا قياديا، وهذا يوصله لتعزيز الثقة. ويوضح أن اضطراب الممارسات الحياتية التي يعيشها الفرد مع والديه أو أصدقائه أو في المدرسة قد تبني لديه حالة “الشك” لهذا يفكر بأنه لمجرد اجتماع شخصين من الممكن أن يتحدثا عنه.ويعرف الشك بأنه “ضعف في الشخصية” والإنسان الذي يمر بذلك هو انطوائي وغير اجتماعي.
أهم المراحل التي تتشكل فيها شخصية الإنسان
ويبين أن الطفولة هي من أهم المراحل التي تتشكل فيها شخصية الإنسان، مضيفا، لهذا على الأسرة أن تركز على العامل الاجتماعي والنفسي والعاطفي وجميع الجوانب واعطائها حقها، وبعيدا عن الحكم على التصرفات والنظرات.ويشير إلى أن الأهل قد يكونون الأساس في زرع بذرة الشك في أطفالهم، لذلك عليهم تربيتهم على الثقة بالأشخاص لحد معين، منوها أن الوالدين هم الأساس وعليهم توضيح مفهوم الثقة وكيف يصل لها، ومن الأشخاص الذين قد يثق بهم، وما هي المواقف التي ممكن أن يعيشها والمواقف التي تجعله يبتعد عنهم.
أهمية توفير بيئة جيدة للطفل
ويشدد على أهمية توفر البيئة التي يعيش فيه الطفل بعيدا عن الأنانية وانعدام الثقة، بالإضافة إلى زرع الروح الايجابية وألا يثق ثقة عمياء لأنها قد تكون سلبية، فإن هذه معطيات مهمة لا تضره في ظل الأمور الايجابية والسلبية.ومن جهة أخرى يجب أن يتم تربية الطفل على القضايا المحظورة التي قد يتعامل معها في حياته، وهذا ما يسمى بالنمو المتوازي بمعنى التربية على الجانب الايجابي.ويوجه الأهل إلى أنه بمجرد ملاحظة “الشك” عند أحد الأطفال عليهم بناء الثقة لديه من خلال استخدام أساليب التربية الصحيحة.
محاولة تعرف الأهل على أصدقاء أبنائهم
ويضيف، محاولة تعرف الاهل على أصدقاء أبنائهم وشخصياتهم، لمعرفة من أين يأتي هذا السلوك وان كان هنالك خلل ما يتم علاجه بالحوار والمناقشة، لذلك على الأهل التركيز على التربية التوجيهية والاعتماد على الرقابة لمعرفة الصديق والرفيق، ويؤكد أن الأهل يجب أن تكون لديهم متابعة دائما لابنائهم، لأن العلاج سيزيد صعوبة في المستقبل وسيدخل في أمور نفسية يصبح علاجها أصعب، لأنها تترك أثرا نفسيا كبيرا داخل الانسان من حيث انعدام الثقة ونقل ذلك للغير.
الأعراض التي تظهر على مرضى الشك
ووفق دراسات، فإن مرض الشك يعد أحد الاضطرابات الشخصية السلوكية وعادةً ما يبدو الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب غريبي الأطوار. وغالبًا ما تظهر أعراض على الأشخاص المصابين بمرض الشك، مثل: جنون العظمة، وانعدام الثقة، والشك في العديد من الأشياء والتصرفات بدون أي سبب واضح عادةً ما يبدأ المرض بالظهور في أوقات الطفولة أو بداية البلوغ ويعد شائعا بشكل أكبر لدى الرجال، ويصيب مرض الشك 2.3 – 4.4 % من الأشخاص حول العالم.
الأسباب وراء الإصابة بمرض الشك
وتعد الأسباب وراء الإصابة بمرض الشك غير واضحة وغير معروفة، ولكنها قد ترتبط بالجينات المتوارثة، حيث تعد الإصابة بالمرض مرتبطة بالعائلات التي تتوارث أمراض الاضطرابات الذهانية، مثل: الفصام.وغالبًا ما يكون الأشخاص المصابون بمرض الشك في وضعية الدفاع طوال الوقت، ويعتقد هؤلاء الأشخاص بأن جميع الأشخاص يكيدون لهم ويعقدون لهم المؤامرات ويحاولون إيذاءهم.
وتنتاب هؤلاء الأشخاص مشاعر غير صحيحة ويقومون بلوم غيرهم والشك فيهم بسبب ذلك، مما يؤثر في قابلية هؤلاء الأشخاص في تكوين علاقات مقربة حتى ضمن نطاق العمل.غالبًا ما يتم علاج مرض الشك بواسطة العلاج النفسي من قبل مختص، بحيث يتغلب معظم الأشخاص على الأعراض المرتبطة بالمرض.وتكمن الصعوبة في علاج المرض بأن الأشخاص المصابين بمرض الشك عادة ما يكونون غير مقتنعين بإصابتهم بالمرض، وغالبًا ما يعتقدون بأن المشكلة متعلقة بغيرهم من الأشخاص، مما يشكل تحديا للأطباء النفسيين.
بقلم: نيرة النعيمي