خفايا مدفونة

تبدأ القصة من امرأة خائفة تائهة بلغ بها الهم والغم منتهاه حتى انتهت بها الحيرة الى باب رجل يدعى أحمد بن مهدي بن رستم العابد الزاهد فطرقت بابه وقلبها يخفق وصوتها يتقطع فقالت له: إني امتحنت بمحنة و أكرهت على نفسي وأنا حبلى ، وقد تسترت بك وأسألك بالله أن تسترني، فقد زعمت أنك زوجي فلا تفضحني, فسكت عنها ومضت. وبعد أشهر وضعت مولودها فجائه الناس يهنئون ويباركون له بالولد فأظهر لهم البشر والفرح, ثم أعطى إمام مسجدهم مبلغ من المال وقال له: أعطها هذا المبلغ نفقة للولد، فقد فارقتها وكان يصنع ذلك كل شهر وبعد حولين كاملين مات الطفل لتنتهي قصة المعاناة إلا أن قصة الستر لم تنتهي فقد جاءه الناس يعزونه فكان يظهر لهم الحزن والتسليم والرضى, وما هي إلا ليالي حتى تنتهي القصة من حيث ابتدأت لتطرق الأم باب الرجل مرة أخرى ومعها دراهم قد جمعتها في صرة فقالت له وهي تبكي:هذه نفقة الولد التي كنت تبعث بها إلي, سترك الله كما سترتني, فقال لها: هي صلة للولد وأنت ترثينه فهي لك فدعت له وانصرفت.

إلى هنا نسدل الستار على القصة… ونتسائل من منا يملك نفسه تحت وطئة الإثارة والسبق الاعلامي في برامج التواصل على الجوال فضائح مواقع التواصل الاجتماعيوصفحات الانترنت للإثارة أو إضحاك الناس وتلقي التعليقات حين نشر مقطع أو صورة تخص إنسان مسلم أخطاء سواء علمنا الحقيقة كاملة او نصف الحقيقة؟! لا شيء يحفظ كيان المجتمع وترابطه وبنيانه وعلاقات الناس والجيران مع بعضهم البعض مثل الستر ولولاه لتشاحن الناس وتمزقت أواصر الود والاحترام. يمتلئ جوال أحدنا بالفضائح وأعراض الناس وزلاتهم وخصوصياتهم وخفاياهم..فكم من الاجر ينتظرنا لو سترناهم
ودفناها وانتصرنا على هوى أنفسنا (إن الله حيي ستير يحب الحياء و الستر) و (من ستر مسلما في الدنيا ستره الله في الدنيا والاخرة) ﷺ.
كم من رسالة نشرناها وتبين لنا في اليوم التالي أنها مجرد إشاعة فما ذنب من مسسناه بالأذى! كم من مخطىء استغفر وتاب واعتذر و رد الحقوق الى أهلها وما زالنا ننشر خطأه وخفاياه ! كم من مقولة بريئة حملت أكثر مما تحتمل وفهمت بشكل مغاير تماما او هي كلمة حمالة أوجه فاخترنا ما يوافق هوانا وبادرنا بنشرها!

كم من رسالة تصلنا عشرات المرات فيها المسساس بشخص ما ونعيد إرسالها نشرها بحجة أنها قد انتشرت وبلغت الآفاق ولو أوقفناها عننا وسترنا لعفافنا ونبلنا لكتب الله لنا الاجر حتى لو انتشرت فالاعمال بالنيات. من بيننا مستشار اجتماعي ورجل أمن ومحقق وطبيب ومدرس.. ربما اطلع على زلات وخفايا الناس بما تقتضيه مصلحة العمل فطوبى لمن ستر ودفنها قبل أن يدفن ..هذا والد أحد الزملاء مضى على والده 20 سنة وهو يعمل في دار الاحداث والملاحظة ولم ينشر ويفضح أحد عند أبنائه وكان بإمكانه أن تكون حديث كل يوم مع القهوة لكنه الستر
وأخلاقيات المهنة.رجل مستور

أخيرا… من الغريب أن يسرق بيتنا ولا أعرفه الى هذه اللحظة مع أنه معروف ومعلوم!! ..ففي زمان مضى ذكر لي والدي أن بيتنا قد سرق قبل عقود من الزمن انتهت بالإمساك بالسارق قبل أن يغادر المنزل وعرفه وأسقط في يده وطلب منه السارق العفو والستر فسألت والدي من هو ذلك السارق؟ فقال: “رجل مستور” رحمهما الله.
ما أجمل الستر ولا شيء أنبل من الستر على مسلم… اللهم استرنا فوق الارض وتحت الارض ويوم العرض… دمتم ساترين مستورين.

أضف تعليقك هنا

عايض القحطاني

‏‏هندسة كهربائية-جامعة الملك فهد/ مهتم وأبحث في التنمية الاجتماعية التربوية /أكتب في جريدة الشرق.
إنما الأعمال بالنيات. إنما الاعمال بالخواتيم.