جدتي

كان لنا بيت كبير، خمسون مترا، أنا و أبي و أمي وأشقائي الثلاثة. البيت حجرتان، حجرة أبي وأمي، و الحجرة الثانية أخي له سرير ونحن الفتيات متكدسات فوق السرير الآخر. وكان لنا جدة تشتكى أمى دائما من حدتها ، فكنا إذا زرناها تأمرنا أمى بعدم سرد أي شئ أمامها.

وذات يوم مرضت جدتي، و قرر أبي أن يأتي بها لتعيش معنا فى بيتنا الكبير . أمي تقبلت الصدمة و فوضت أمرها إلى الله ، أما نحن فأعدنا ترتيب النوم ، حيث اشترى أبي لـ (ديك البرابر) سرير صغير وضعه له بالشرفة، التى قفلها خصيصا له، و بالطبع أصبحت جدتي على سريره، و نحن الفتيات متكدسات فوق سرير واحد.

كل ليلة قبل النوم أتبادل أنا و شقيقاتي (الرفس) ، و تستمر المعركة إلى أن نصل لمرحلة الإغماء، لكن بعد مجئ جدتي، لم نستطع النطق، فكنا نرفس بهدوء و حذر خشية أن تنهرنا جدتي، و لم نكن نتبادل أى حوار معها (تنبيهات أمي)، فقط كانت تطلب الشئ و نحن نأتي به بصمت ووجوهنا في الأرض … إلى أن جاء اليوم الذى رسبت فى اختبار الشهر ، و أنار ( الكحك) شهادتي، فلم أخبر أمي لأنها ستشي لأبي، الذي بدوره سيمدني على قدمي حتى تتورم ، فدخلت الغرفة، ولم تكن أخواتى بها، أما جدتى فكانت تمسك (المصحف) و تقرأ بعينيها، أخذت أقضم أظافرى وأنا أحاول السيطرة على أعصابي، و فجأة شعرت بماء دافئ تحتي، ياالله، أنا أبنة العاشرة أتبول لا إراديا، ماذا أفعل !!!
تسمرت فوق السرير و شددت الملائة فوقى حتى لا تلحظني جدتي، ثم …انتحبت.

لم أدر متى قامت جدتي من سريرها و لا كيف عرفت ما حدث، لكنى فجأة وجدتها بجواري و تحتضنني وتقول: لقد كنت أتبول لا إراديا حتى تزوجت.

فوجدتنى أضحك بشدة رغم دموعي، ثم نظرت لها متوسلة وقلت: لن تخبري أحدا أليس كذلك؟

فهزت رأسها نافية ، ثم سألتني عما يضايقني، فصمت ، فقبلتني وقالت: لن أخبر أحدا.

فشعرت بالراحة و أخبرتها عن رسوبي.

فابتسمت و قالت : كل الطبيبات رسبن و هن صغار .

فقلت لها : أنا فى العاشرة و لا أعرف الكتابة.

فقامت و قالت لي: أبدلي ثيابك ، ولا تخجلى، ستكونين بخير .

فى العشاء اجتمعنا حول المائدة ، فسألت جدتى (ديك البرابر): ما أخبار نتيجتك؟

ففتحت أمي فمها، لأنها تعلم برسوب أخي و لم تخبر أبي، حتى لا ينهره، فأسرعت تقول نيابة عنه: حمادة متفوق، حفظه الله.

فتجاهلتها جدتى ، و نظرت لأبى قائلة: هل سمعت عن السرير ذى الطابقين؟

رد أبى بأدب : نعم يا أمي.

خذ من معاشى ما يكفى لشراءه، كي تنام كل فتاة بسريرها الخاص، ثم تدخلت بعدها فى كل شيء ، حتى فى قلب أمي، فأصبحت أمي تحبها.

و بعد خمسة عشرين عاما توفت جدتي، على سرير وثير فى جناحها الخاص ببيتنا الكبير ذى الحديقة الواسعة ، التى كنا نجتمع بها عندما يأتى أخوتى لزيارتنا، فقد أصبحوا الثلاثة مهندسين، و صرت أنا طبيبة.

بقلم: سلوى مرجان

بقلم: سلوى مرجان
أضف تعليقك هنا