اخيرا، حل لمشكلة الدروس الخصوصية

تتكون منظومة التعليم من كل من الطالب والمدرس والمنهج العلمي، بالنظر إلى المدارس الحكومية في جميع مستويات التعليم في كافة محافظات مصر نجد أن المشكلة تتلخص في مشهدين، الاول ملخصة “مدارس خاوية”. أما المشهد الثاني فنلخصه في “مراكز التعليم الخاصه ممتلئة ومفعمه بالحيوية”.

استراتيجية استدراج الطلبة لحضور الدروس الخصوصية

الحكومة هددت الطالب للإبقاء عليه في المدرسة ففشلت، وحاربت المدرس للإبقاء عليه في المدرسة ففشلت، وحفزته ففشلت أيضا.

أما المشهد الاول يصف مدارس الحكومة خاوية من الطلاب والمدرسين ولا منهج يدرس. فيغيب الطالب عن المدرسة ليقينه بعدم وجود المدرس في المدرسة، وإن أجبر على الحضور فلن يقوم بدوره كما يجب لتأهيل الطالب لتحقيق ما يتطلع اليه. ويغيب المدرس عن المدرسة ليقينه بعدم عدالة الأجر الذي يحصل عليه وإن حصل على زيادة، لانه لا يزال يستطيع تحقيق أجر أعلا خارج المدرسة. ويغيب المنهج لأن المدرس عمد إعداده إعداداً متواضعاً بهدف دفع الطالب للشعور بالحاجة الى الكتب الخارجية الذي أعدها المدرس نفسه. أما المشهد الثاني فهو يصف إمتلاء مراكز التعليم الخاص التي يمتلكها المدرسين أنفسهم بالطلاب أنفسهم وبالكتب الخارجية البديلة.

لنصل إلى وضع يمكن أن نصيغة في حالة من الإزدواجية، ونقصد بها إزدواج الكيانات التعليمي، حيث تمثلت في كل من المدارس الحكومية ومراكز التعليم الخاصه. بالاضافة الى ازدواجية في الإنفاق تتمثل في إنفاق الحكومة المهدر على مدارس خاوية والممول من ضرائب المواطن، وانفاق جديد يقوم به نفس المواطن مرة ثانية ممثلاً في الدروس الخصوصية، لنصل إلى نتيجة صريحه وهي “ازدواجية الكيانات والإنفاق”.

ارتباط الدروس الخصوصية بباقي مشاكل المجتمع

الحق يقال حاولت حكومة وراء حكومة أن تحل لغز الدروس الخصوصية على مدار سنوات دون فائدة.

والحق يقال حاولت حكومة وراء حكومة تعاقبت علينا أن تحل هذا اللغز على مدار سنوات من عمرنا وتشهد عليها أجيال عديده. والحق أقول كلها محاولات جاده لإزالة هذا الازدواج. ولكنها بحكم الواقع الذي لا يمكن لأحد أن ينفيه فقد فشلت كل هذا المحاولات، حيث لا تزال الدروس الخصوصية موجودة، ولاتزال المراكز التعليمية الخاصة موجوده واقعاً لا ينكره أحد. إذاً لابد أن يكون هناك خطب ما في طريقة حل هذه المشكلة. فإذا نظرنا إلى طرق الحل التي اتخذتها الحكومات المتعاقبة، نجد أنها جاءت تهدف إلى إنهاء وجود المراكز التعليم الخاصة، فحاربت الطالب تارة ففرضت عليه إجراءات وتهديدات للإبقاء عليه في المدرسة ففشلت، وحاربت المدرس تارة آخرى للإبقاء عليه في المدرسة ففشلت، فحفزته ففشلت.

والحقيقة فالفشل طبيعي جدا هنا، لإرتباط مشكلة منظومة التعليم بمشكلات آخرى كالفساد والفقر. فلا يمكن أن نصلح التعليم في غفلة عن مشكلات الفقر والفساد. ليبقا أمامنا خيارين الأول: إما أن نصلح مشكلات المجتمع جملة واحده، وهو ما يصعب علينا فعله حقاً، رحم الله إمرء عرف قدر نفسه، وهو ما سيكلفنا أن ننتظر الدهر كله نعاني من مشكلات التعليم، وإما أن نعترف بفشلنا ونبحث عن حل نستطيع تنفيذه، وهو ما اقترحه اليوم.

حل قابل للتطبيق لمشكلة الدروس الخصوصية

إليكم الحل يا سادة، فهذه المرة لن نحارب الطالب ولن نحارب المدرس، ولن أقضي على المراكز التعليمية الخاصة، بل سأذهب الى أبعد من ذلك، سأقضي على”المدارس الحكومية” فهي سبب المشكلة الحقيقي، نعم سأقضي على الازدواجية عن طريق إلغاء المدارس الحكومية، فبإلغاء المدارس الحكومية تختفي ازدواجية الكيانات والإنفاق، وسنوفر على الدولة أموالاً لإنفاقها في أوجه أخرى. فلا داعي لمقاومة الواقع، المواطنون بمختلف مستوياتهم دخولهم يلجأون للدروس الخصوصية في مراكز التعليم الخاصة عن طيب خاطر، ويدفعون مبالغ يقتطعونها من دخولهم وهم سعداء وراضون.

وأقترح أن نطبق هذا الحل على المرحلة الثانوية فقط حيث تعاني من ظاهرة الدروس الخصوصية بشراسة، والإبقاء على التعليم الحكومي كما هو في المستوى الابتدائي والاعدادي ليحقق اهدافة من ترسيخ مبادئ الوطنية والانتماء. وكلنا ثقه في قدرات خبراء التربية والتعليم بالجهاز الحكومي على ادارة العملية التعليمية في المرحلة الثانوية، عن طريق إتاحة إمكانية قيام الطالب الثانوي تسجيل أسمة وتخصصه العلمي أو الأدبي لدى وزارة التربية والتعليم، بالإضافة إلى الاشراف على الامتحانات في نهاية العام الدراسي، على أن ينتهي دور الوزارة عند هذا. وأن يتركوا الطالب يختار المدرس الذي يريد وأن يختار الكتاب المدرسي أو الكتاب الخارجي كما يريد. وأن يترك المجال للقطاع الخاص أن يعمل ويجتهد ويبدع ويتنافس، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

قد تكون مشكلتنا الحقيقة هي مقاومة القطاع الخاص والتمسك بالقطاع العام الذي اثبتت الايام فشلة في تقديم خدمة يرضى عنها الطالب. وهو واقع لا مفر منه، فإذا تمعنا في مصطلح “الدروس الخصوصية” سنجدها تعبر عن تقديم القطاع الخاص لخدمة التعليم، وهو ما يعكس تفوق وكفاءة القطاع الخاص في تقديم الخدمة التعليمية على القطاع العام.

أضف تعليقك هنا

دكتور اسلام محمد محمد

أستاذ محاضر في مجال الإقتصاد