بابا بوتين – سلسلة ليلة شاتية “2”

بعد ان تحدثنا في المقالة الاولى عن مدبرة المنزل في الشرق الاوسط ماما أمريكا، فإنه من المعلوم بالضرورة من الواقع أن تحدث عن اللاعب المتهالك الثاني الذي يستعرض فتوته وعضلاته السياسية والعسكرية في المنطقة، ألا وهو ما يسمى جزافا بالقيصر الجديد بابا بوتين، وأطلقت عليه اسم بابا بوتين بعد أن قرأت مقالا قبل أشهر لعجوز يساري مدنف يراه كذلك ويرى عودة ثنائية القطبية حتى لا تستفرد أمريكا في المنطقة.

وقبل أن نوغل في الحديث عن عنتريات روسيا في المنطقة لا بد أن نعرج على مفهومين مهمين لفهم لماذا تدخلت روسيا أو استيقظت من جديد.

قابلية الإستعباد وبابا بوتين بابا بوتين يريد أن يثبت عنتريته وأنه قطب عالمي من خلال قتل أهلنا في سورية

الامر الاول هو ما سماه مالك بن نبي القابلية للاستعباد التي إنغرست في حمضنا النووي بعد أن تعرضنا للاستعمار، والحديث هنا بعيد عن المظلوميات المشهورة ونظرية المؤامرة الكونية التي يجترها من لم يفهم كيف تبنى المعادلات التاريخية، فإن الاستقراء التاريخي ومن الناحية الفكرية وليس من ناحية تراكمية الاحداث يقول إن هذه المنطقة تعرضت لارتكاس أو انتكاس في مفهوم العزة الاستعلائية للأمة ككل، ومن ثم أمن الجمع بضعفه ودونيته، مما ولد القابلية للاستعباد والاستعمار من الناحية الخارجية، والقابلية للاستحمار من الناحية الداخلية كما قال علي شريعتي وهذه العقدة يحاول الكثير الان التخلص منها وتمنعهم القوى متكاتفة أو متفرقة ومنها بابا بوتين.

الشيوعيين العرب وبابا بوتين

أما الأمر الثاني فهو متعلق باليسار العربي المترهل والمرتهن لاصطلاحات عفى عليها الزمن وماتت مع انهيار دولة الفكرة الشيوعية نهاية القرن المنصرم، غير أن للعرب عادة في الحنين للماضي تفوق كل عاطفة أخرى، ولا زالت كلمات ذلك المنظر اليساري المدنف تتردد في مسامعي وهو يتحدث عن محاربة شرطي العالم المتغطرس من خلال عودة الدب الروسي الشرس، والعودة لثنائية القطبية وترهات الحرب الباردة التي دفعنا كأمة ثمنها واكتوينا بنارها، فيما تصالح الفريقان اللذان لم يختصما أصلا وورثنا نحن العداوة والتنكيل والتجارب العسكرية والاشتراكية الفاشلة.

بعد ما سبق يمكننا التحدث الآن عن عهد الذل الذي نحياه فلك أن تتخيل ما يحدث إذا اخرجت نفسك من دائرة الانحياز والآراء المسبقة ونظرت للصورة من خارجها لتراها كاملة، فمثلا القيصر بوتين يقرر هدنة في حلب لمدة ما، دون أن يعلم حليفه الذي يدافع عنه، ولا حتى عدوه الذي يحاربه، والمطلوب من خلال عنتريات روسيا في المنطقة أن تعيد لنفسها القيمة التي كانت تعتد بها قبل عدة عقود والغريب في المسالة أنها تريد أن تثبت ذلك من خلال قتل أهلنا في سورية، واستعراض قدراتها العسكرية وعنفوان التها الحربية على أشلاء الاطفال وغيره من العنتريات اليومية التي لا تخفى على متابع.

ثلاثة سياسات عربية متبعة في التعامل مع بابا بوتين؟

الإنضمام إلى صفوف جنود بابا بوتين

ليس المهم ماذا تفعل روسيا في المنطقة بل المهم كيف نتقبل نحن ذلك وعليه فإن مواقفنا لا تعدو واحدا من ثلاثة مواقف، أما الموقف الأول فهو موقف التقبل والتشجيع وهذا تجده عند النظام الذي انقذه بوتين وحلفائه وشذرات اليسار العربي العفن التي تصفق وتتغني بعودة القطب الثاني للعالم، دون أن تعلم ان ذلك يخالف مبادئ اليسار التي اصمت اذاننا بدءا من الحديث السمج عن الانحياز للمسحوقين.

ولا ادري ما المقصود لدى اليسار بالمسحوقين؟ فهل المقصود أؤلئك الذين يعملون ولا يتقاضون أجورا كافية فينتصر لهم اليسار المتهالك؟ أم أن اصطلاح المسحوقين لا يتسع للأعراض المنهوكة والدماء المسفوكة والبيوت المهدمة على رؤوس ساكنيها؟ أم علّه لا يتسع للملايين التي هاجرت أو تحديدا للدقة ’هجرت قسرا وفرت من التقتيل والإبادة؟ أم أن اليسار عاد دورته الاولى حين طلب ستالين من الناس تقبل القتل والتهجير أمام الزحف الأحمر في طريق البحث عن جنة البروليتاريا المزعومة؟

وأمر اخر الم يتفكر اليسار في كون قطبهم الجديد بزعامة بوتين ينسق مع قطب الامبريالية والاستعمار والرأسمالية العفنة ام انه يجوز للدعار ما لا يجوز لغيرهم ؟ ثم الم تخر الجبال من كثرة تكرار محاربة اليسار للبرجوازية وتغنيه بتلك الحرب فلماذا ينحاز اليسار لنظام استبدادي برجوازي طائفي قميء ؟ وكثير من الاسئلة والأمثلة الاخرى التي يجب ان يجيب عليها اليسار العربي الذي كل قياساته في المرحلة الاخيرة تعتبر أقيسة فاسدة لا تقوم بها حجة ولا يقبلها عقل.

التمنع مع الرغبة في رعاية بابا بوتين

اما الموقف الثاني فهو موقف التمنع من الرغبة وهذا تجده في فتيان السياسة المستجدين الذين فهموا المصالح العليا لدولهم بصورة مجردة، فعملوا على تحقيق تلك المصالح دون أي اعتبار لأي مستوى من الاخلاق، أو حتى نخوة أبي جهل، فهم في الظاهر يملئون الافاق بتصريحاتهم المعادية والمناهضة لبابا بوتين، ولكن أفعالهم على الارض منافية لذلك، فهم يتشاورون مع روسيا فيما سيفعلون وغالبا تكون افعالهم اما استنكار أو شجب أو حسب الموضة الجديدة النظر للأمر بقلق عميق.

فتجد أن من يعادي محور روسيا ايران ظاهرا هو نفسه من يقيم المؤتمرات الاستثمارية لاستقطاب راس المال الروسي ومن تخلت عنه أمريكا سيركض لحضن بابا بوتين وهكذا دواليك في صورة هلامية قذرة.

موقف اللاموقف من بابا بوتين 

اما الموقف الثالث فهو موقف اللاموقف وهو تحديدا موقف الجبناء والمهزومين المستحمرين حيث يصورون الأمر على أنه تنازع على السلطة وطلب لكرسي الحكم، وإن جادت قريحة أحدهم فهو يصور لك القوى الفاعلة في سوريا والمنطقة المناهضة للظلم والطغيان لا تعدو دمى يلعب بها لاعبون من خارج المنطقة، وهذه التصريحات منهم دليل على طبيعة أنفسهم، فكما قال الشافعي فان الالسن مغارف القلوب.

نعم فمن يرى الناس الذي يطلبون الحرية دمى، هو الدمية التي يتلاعب بها الاعلام الرسمي العربي، ومن يرى الناس اصحاب اطماع أو أهواء فهو الاجدر بذلك الوصف ويمكن التلخيص بالقول

إن من لم تجعله ستة اعوام من الانتفاض والحروب والقمع والتشريد يتخذ موقفا واضحا حازما، فهو على مذهب علي شريعتي، مستحمر، وعلى مذهب الفلاسفة القدماء يحمل مظلة العبودية ليتقي امطار الحرية، ويا لها من سبة.

ترهات الحرب الباردة دفعنا نحن ثمنها، فتصالح الفريقان، وورثنا نحن العداوة والتنكيل والتجارب العسكرية والاشتراكية الفاشلة.

 

إذا فليس من المهم ماذا سيفعل او يفعل مغفل روسيا في المنطقة، بل المهم ما موقفنا نحن من ذلك وكيف نقوم بخلق التبريرات ليلا قبل النوم لنخلق فجوة من الراحة الضميرية المتوهمة، وعليه فإنه إن أزلنا قابلية الاستعباد والاستعمار من نفوسنا، لا يلج

إلينا عدو خارجي وإن تخلينا عن “إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ” فلن يستطيع حاكم أو متفلسف كاذب أن يستحمرنا فيحكمنا ويستجلب شذاذ الآفاق ليكرس حكمه.

وسؤال أخير، إن لم نستطع العيش دون حضن امريكا أو عضلات روسيا فلماذا نستحق ان نسمى أمة؟

أضف تعليقك هنا

مروان محمد ابو فارة

مهتم بالحالة الفكرية للأمة
أبلغ من العمر 35 عاما
أمضيت في سجون المحتل الصهيوني عشرة أعوام
أحمل شهادة البكالوريوس في المهن الصحية تخصص تمريض
من فلسطين المحتلة