خواطر “الضرائب”

ذهبت السكرة وجاءت الفكرة. قررت الحكومة فرض إجراءات تقشفية لتخفيض عجز الموازنة وهذه الإجراءات مثل الدواء المر الذي سيتجرعه الشعب ولكن في المقابل يجب أن تأخذ الحكومة إجراءات أخرى تضمن العدالة الاجتماعية بحيث يدفع الأغنياء أكثر من الفقراء. ومن هذه الإجراءات ما يلي:

الضرائب التصاعدية

تعاني مصر من قصور تشريعي في مجال الضرائب على الدخل. وبرغم التعديلات القانونية المتتالية وآخرها كان القانون 96 لسنة 2015 إلا أن الحقيقة الباقية هي أن الموظفون فقط هم من يدفع الضرائب حيث يتم خصم الضرائب من المنبع وتكون الشركات الخاصة حريصة على تطبيق الضرائب على موظفيها لأن ذلك يعتبر من ضمن مصاريف الشركة التي يتم خصمها من الوعاء الضريبي، ولكن غالبا لا يدفع صاحب الشركة ضرائب تتناسب مع أرباحه. خواطر الضرايب

برغم أن القانون يفرض شرائح على الضرائب إلا أن هذه الشرائح صغيرة والنسب كذلك بسيطة بحيث أن مبلغ الضرائب الإجمالي بعد تطبيق الشرائح المختلفة لن تتعدى 20% من صافي الدخل ولذلك لا يعبأ أحد بعمل ملف ضريبي ويقدم فواتيره للحصول على الاعفاءات الضريبية. وليس مثل أوروبا والدول المتقدمة تصل قيمة الضرائب التي يدفعها المواطن إلى 40 % من دخله ولذلك يكون المواطن حريصا على الحصول على فواتير لجميع نفقاته لخصمها من وعائه الضريبي حتى لا يدخل في الشرائح العليا.

أرى ضرورة تعديل نظام الضرائب في مصر ووضع شرائح أكثر واقعية وزيادة النسب على الشرائح العليا لتحقيق العدالة الاجتماعية، وإلغاء مبلغ الإعفاء الشخصي ووضع جدول يحدد الإعفاءات التي يحصل عليها المواطن شريطة تقديم فواتير بها. وهكذا سيكون المواطن حريصا على الحصول على فواتير بأتعاب الأطباء الذين يزورهم وتكاليف العمليات الجراحية التي أجراها وأتعاب المحامين الذين تعامل معهم وإيجار الشقة التي يسكن فيها ونصيبه في صيانة العمارة التي يعيش فيها وأجر أي شخص أدى خدمة له.

سيقوم المواطن بإعداد هذا الملف حتى يحصل على الاعفاءات الضريبية التي يتيحها له القانون ومن هنا ستعرف مصلحة الضرائب الدخول الحقيقية لكثير من أصحاب الأعمال الحرة وتقوم بتحصيل الضرائب عليها.

الضرائب العقارية (العوايد)

برغم وضع قانون الضريبة العقارية منذ سنوات (القانون رقم 196 لسنة 2008) إلا أنه فعليا مازال خارج حيز النفاذ. وتبلغ نسبة الضريبة السنوية 0.13 % من القيمة السوقية للعقار ويبلغ حد الإعفاء للمسكن الخاص للأسرة مبلغ إثنين مليون جنيه ويتم دفع الضريبة على ما زاد عن ذلك. بعبارة أخرى لن يتم تحصيل الضرائب إلا على الوحدات السكنية الأخرى التي يمتلكها أحد أفراد الأسرة سواء كان الزوج أو الزوجة أو أبناءهم القصر.

والإستفادة من تطبيق القانون ستكون في التالي:

– إضطرار أصحاب العقارات لتسجيلها في الشهر العقاري حتى يتمكنوا من الحصول على الإعفاءات. وهكذا يدخل للدولة مبلغ كبير جدا من رسوم التسجيل بالإضافة لما يتبع ذلك من حفظ الحقوق بدلا من الفوضى الحالية (توكيلات، صحة ونفاذ).

– قيام أصحاب العقارات المغلقة بطرحها للإيجار للاستفادة من عائد الإيجار بدلا من زيادة أعبائهم ودفع قيمة العوايد على عقار مغلق، مع ملاحظة أنهم سيدفعون ضرائب دخل على العائد من الإيجار.

– تحصيل العوايد على الوحدات السكنية في المصايف والساحل الشمالي والتي تمتلكها الطبقات القادرة مما يساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية.

منع التعاملات النقدية

حجم الاقتصاد الغير رسمي في مصر ضخم جدا ولا يمر بالبنوك سواء اقتصاد شرعي (سمسرة و غيرها) أو غير شرعي (رشوة، اختلاس، مخدرات، آثار، …) ويتم استخدام الأموال التي تمر به في شراء عقارات وأراضي وسيارات وما شابه. خواطر الضرايب

من المعتاد في مصر أنه عندما يشتري أحدهم أرضا أو عقارا أو سيارة أن يذهب لإتمام البيع، وهو يحمل عدة حقائب بها كمية هائلة من الأموال السائلة، وتتم كثير من هذه الصفقات بعيدا عن أعين الدولة وخارج البنوك ولا يعرف أحد مصدر هذه الأموال.

والحل في رأيي وضع قيود على هذه التعاملات ويمكن أن ترفض إدارة المرور ترخيص السيارة إذا لم يقدم صاحبها صورة الإشعار البنكي لتحويل قيمتها وهذا سيؤدي لأن البنك سيجبر صاحب الأموال على الإفصاح عن مصدرها وهكذا ستخرج أموال كثيرة من النشاط الغير شرعي من التعاملات مما يخفض التضخم، وإذا كان النشاط شرعيا ستعرف به الدولة ويدفع عنه ضرائب، وكذلك ستعرف الدولة حجم تعاملات معرض بيع السيارات مما سيمنعه من التهرب من الضرائب.

ويمكن ربط توصيل الكهرباء للمنازل والمحلات بتقديم عقد مسجل في الشهر العقاري الذي سيطلب إثبات تحويل ثمن العقار عن طريق البنك الذي سيطلب الإفصاح عن مصدر الأموال.

الخاتمة

تعديل النظام الضريبي مطلوب لإجبار الأغنياء على أن يدفعوا للفقراء وهذا سيضمن تحقيق العدالة الاجتماعية بين طبقات المجتمع وكذلك سيجعل الشعب حريصا على الحصول على مقابل للضرائب التي يدفعها في صورة خدمات تعليم وعلاج وبنية تحتية. وهكذا سيقوم بمحاسبة الحكومة فعليا على أدائها، وإذا لم تستطع الحكومة توفير هذه الخدمات بما يرضي الشعب سيضطر مجلس النواب لمحاسبة الحكومة وإلا لن ينتخبه الشعب مرة أخرى وبذلك تتحقق أول قواعد الديموقراطية والعدالة الاجتماعية.

#تحيا_مصر

أضف تعليقك هنا

حسام عطاالله

مهندس مصري مهموم بمستقبل بلده.