قصة قصيرة « مغارة القره بوللي »

كعادتها تجلس على شاطئ البحر مستمتعة بأغاني كاظم السّاهر وأهازيج الأمواج ونسمات الهواء ، كانت تخفر بسبابة يديها اليمنى اسم أودييل على الرّمل الذي أخفت حُبّها له منذ تعارفهما من يومين في كافي الجامعة ، شعرت ببرودة الجو فارتدت فانيلّة شتوية ونسيت أن ترتدي سروال جينز أميركي حيث ارتدت بدلا من ذلك تنورة مائلة للإخضرار ، الساعة لسعت عقربها الثامنة مساء والعقرب الأخرى تشارف على الثّلُث من السّاعة ، لازالت تنتظر موعد الوُد أو ربّما الإفصاح عن ما يجول في قلبها وعقلها مذ أن رأت ذاك الأشقر وهو يكتب أقصوصة على كرسي حديقة الجامعة.

رمت ببصرها نظرة على يمينها فشاهدت مغارة بدت ككهف موحش ، وأمام بابها نار ودُخان يصّاعد نحو سماء القره بوللي في لياليها النوفمبريّة ، كانت خائفة حيث تذكّرت للوهلة الأولى أحاديث جدّتها عن الغابة وعن الكهوف وعن الحيوانان التي تختبئ فيها مع أطفالها وكيف تشعل النّيران إبعاداً للخطر المحدق والقادم من القتلة الصّيّادين ، نهضت ، وسارت مسرعة نحو تلّة قريبة كي يتسنّى لها رؤية ما يحدث في المغارة ، حارت واحتارت في التّقد للنظر عن قرب وكثب ، وفجأة غاصت قدمها في علبة تُونة فأحدثت شرخا أدمت لها قدمها أيّما إدماء ، نزفت والدموع تنحدر من مقلتيها ، أصابها سُعال حادّ وبدأت بالكحّة حتى من كان في المغارة سمعها ، فشاهدت مصباحا أزرقا قادمٌ نحوها من بعيد ، فحاولت المشي ولو الإختباء عن القادم ، وكان القادم يرتدي نظّارة وقفازات موشّحة بالأسود والأبيض وحذاءا رياضيّا ، بعد تيقّنها من عدم الفرار.

تنهّدت وقالت: أرجوك ساعدني.

أسرع في خطواتها حتى وصل لها وقال: سُليمى!، ما بك!؟

طافت عيناها بالأرجاء وسقطت مغمأتا عليها ، حملها على كتفه حتى وصل للمغارة ، وضعها في حجر ضيّق وأغلق بابها – المغارة – ببعض الحجارة وقطع الكرتون وأكياس النايلون إتّقاءا للبرد والزمهرير ، قبّل فمها ونفخ فيه حتى استيقظت بتقيُّأ عليه ، ومن ثمّ عادت لتغوص في إغمائها ، مزّق جوربه الأيسر وربطه بعقدة محكمة على جرحها ، توسّد يده وفرش لها بنطلونهه وسترته المزركشة .

وقال: الحُبّ بدايلته مؤلمة ، ولأجل الأنثى يتحمل الرجل أمل الحُبّ. وناما نوما عميقا حتى حفظا عن ظهر قلب أصوات الأمواج التي غنّت بصوت برتقالي لا يفقهه الغرباء ولا بعض أولاد البلد ..

أضف تعليقك هنا

منعم بن دائخة

طالب جامعي بالجامعة الأسمرية الإسلامية قسم اللغة العربية