ماما أمريكا – سلسلة ليلة شاتية

لا بد أن التساؤل والاستغراب قد غزى تلك الانفس النادرة التي توقن أن الأمة في هذه المرحلة العسيرة من الكينونة تعيش زمنا من الذل لم تعرفه حتى زمن التتار. فابن العلقمي يُعتبر حسب ما يحدث الان قائدا ملهما فذا لا يشق له غبار، إذ أنقذ نفسه وأهلك آلافا بخيانته.

وحسب المعلوم من الحياة الصحيحة بالضرورة، أن هناك مواقف ينقلها التاريخ كما هي لأنه لا يمكن تفسير كنهها وذلك لكونها ثقيلة على الأفهام أو يلفها الإبهام، مثلا لحظة سجود السحرة وتحولهم الكامل في المواجهة مع موسى عليه السلام، والردود العميقة التي تحدوا بها فرعون، ومن ثم إصرارهم العجيب على القيام بالمهمة، وهو موقف شريف غاية الشرف، ولا يمكن إلا ان تذعن له دون مقاومة، وهناك امثلة أخرى لا يتسع المجال لها.

ماما أمريكا في سوريا

من اللحظات الخالدة في الذاكرة في زمننا هذا هو ذلك الإتفاق على الهدنة في سوريا، الذي أعلن دون علم جزء كبير من الكيان الفاعل والموجود في مواجهة النظام، وحتى دون علم النظام نفسه، والغريب أن الإعلان جاء على لسان طرفي النقيض، واحد يريد أن ينهي مرحلة عمله لخدمة شعبه ببعض غبار الانجازات، ليذره في عيون خصومه في الديار، وآخر استُقدم ليعيث فسادا وقتلا ويبحث عن أمجاد سابقة كانت لبلاده، وفي هذه المعادلة لن تجدنا إلا مفعولا به، عليه الطاعة والإذعان، وهناك من غره الموقف والفراغ الحادث جراء القضاء على التيار الوسطي بما له وعليه.

أمة كاملة ومشتتة يبرز منها تيار يرى أمريكا أصل كل فضيلة، ويكسر من أجلها كل قانون، تريد فتفعل، ويبرر أذنابها دون أن يطلب منهم ذلك، وإنما هي حالة الارتهان والارتماء في أحضان القوي، وإن خاله ضعف، وهناك محاور عدة يمكن من خلالها التدليل على التبعية الذلية الكاملة لأمريكا والنظر إليها كأنموذج يحتذى.

أنموذج ماما أمريكا

كأمة وشعوب بتنا ننتظر من يفوز في انتخابات أمريكا لنبني سياستنا بناء على ما سينتهجه

أولا في السياسة ففي التعامل السياسي لتيارات الحكم الشمولي العربي بشتى اشكاله يتم تبني الأنموذج الامريكي، وهو انموذج نفعي مصلحي مقيت، يرى أن المصلحة المرجوة للبلد من أي شيء مقدمة على الدماء والأشلاء، وهناك محرمات لا يمكن لأي حليف أن يتعداها مهما كان بليغا في خطاباته أمام مفتونيه من الأعراب، أو حتى غير بليغ، فتجد أن أمريكا في العلن تعادي نظاما ما بينما تعمل على بقائه وتكريس عنجهيته، إذا كان لها مصلحة في ذلك، وغالبا ما يكون.

ماما أمريكا في اليمن

خذ مثلا اليمن وما يجري فيه من استعراض لعنتريات من طرف المنقلب ومن طرف المنقذ لم تتدخل امريكا إلا حينما استهدفت له سفينة في باب المندب مع ان المنقذ هو اكبر حليف لها وتعرض لما يقارب الـ200 ألف خرق لسيادته كما يدعي منذ ستة أو سبعة أعوام وفي المقابل تعلم أمريكا أن الأسلحة تهرب للمنقلب الطائفي ولا تفعل شيئا واحتكاما لمنطق اتباعها في المنطقة الم يكن الاولى بها ان تمنع تمادي الطائفي المنقلب وتمنع عنه ما يريق به الدماء او تجذر حليفها الاكبر المغامر الذي يغرق الان في وحل الاستنزاف ام ان الاستدعاء لاجتماع هامشي عقب اخر مفصلي في بلد ما اهم من الدماء المسفوكة والأموال المهدورة.

تصنيف ماما أمريكا للأطراف 

وحتى في طبيعة الأحلاف في المنطقة فنحن نطبق ما تريد وتملي أمريكا، فهل لك أن تخبرني ما الذي أو من الذي جعل فلان معتدلا والآخر متطرفا وإن شب الخلاف بيننا، حتى وصلنا إلى مرحلة من الانقطاع والإقصاء التام عن بعضنا البعض، سوى مصالح أمريكا ورغبات أمريكا وتصنيفات امريكا، لك ان تطلق العنان لمخيلتك وتستنتج انك لا تحادث جارك بناء على تصنيف أمريكا وأذنابها له أنه متطرف أو متشدد.

كيف سيتعامل العرب مع ماما ترامب أمريكا  

إن الأمة التي تنشد ريادة العالم وسيادته لا بد أن تتخلص أولا من عقدة النقص والإتباع للقوي المتهالك عبر...

حتى في الانتخابات الاخيرة جعلنا الشأن الامريكي أهم بكثير من أمورنا الخاصة، كأمة وشعوب وبتنا ننتظر من يفوز حتى نبني سياستنا في الاعوام القادمة بناء على ما سينتهجه، وإذا ما سألت واحدا من منظري هذا التوجه لقال لك بكل وقاحة ان الامر يعتبر براغماتية وواقعية يجب ان يشكر عليها اتباعها، وفي خضم ذلك ننسى أنهم إنما يتنافسون لخدمة فكرتهم العنصرية الاستعمارية الواحدة لا المشتتة.

وها هو قد فاز دونالد ترامب فرأينا من كان يسبه بالأمس يفتح له أبواب بيته وفكره وجيبه، فلماذا هذا التشاغل في شؤون أمريكا؟ ولماذا هذا التهويل لأمرها وشأنها؟ فهي منذ عقدين عاثت في بلادنا فسادا، مرة باسم محاربة الارهاب الذي إلى الان ليس له تعريف محدد أو معايير معروفة يحتكم إليها وحتى في هذه قام اتباعها في المنطقة بتبني التعريف الهلامي دون أن يسالوا، وتارة أخرى تدخلت لفرض قيم الديمقراطية وحماية حقوق الأقليات، ومن ثم سلمت بلدانا للأقليات والطوائف التي تتصرف الان بانتقامية، وعسف للحقوق، وتريق الدماء انتقاما لقتيل هم قتلوه والأمر يطول في استقصاء مخازي امريكا وأتباعها في المنطقة وفي العالم.

غلمان ماما أمريكا

ثانيا في جميع المجالات الاخرى التي تتبع السياسية الامريكية في المنطقة فلك أن تتبع أصل كل من تؤويه أمريكا يعتبر متنورا وبلده الاصل بؤرة تخلف حتى تراكمت في أمريكا كل عاهات الفكر وانحرافات المنطقة المعيارية واستغلوا منبر امريكا الاعلامي ليروجوا لنمط الحياة الامريكية وتفاهات الرأسمالية وكذبة حرية الفرد المستعبد في أمريكا نفسها وفي المقابل من يرفض النمط والفكر الامريكي تلحق به كل نقيصة ومسبة وليس المهم معاداة أمريكا له بل ملاحقة غلمان امريكا في المنطقة له ومباهاتهم بذلك.

إن الأمة التي تنشد ريادة العالم وسيادته لا بد أن تتخلص أولا من عقدة النقص والإتباع للقوي المتهالك فقبل أن تحدثني عن سياستك المتنورة في إدارة بلديات المنطقة المسماة دولا حرر نفسك مما تريد أمريكا، وحرر شعبك من تتبع نمط الأمركة، ودعك من التحالفات التي أنت فيها الممول وأنت منها الهدف وإلا فارقد في غيك تعمه.

أضف تعليقك هنا

مروان محمد ابو فارة

مهتم بالحالة الفكرية للأمة
أبلغ من العمر 35 عاما
أمضيت في سجون المحتل الصهيوني عشرة أعوام
أحمل شهادة البكالوريوس في المهن الصحية تخصص تمريض
من فلسطين المحتلة