السقوط التاريخي للّوبي الصهيوني

عدم شرعية إنشاء إسرائيل للمستوطنات

في شهر نوفمبر 2016 نشر الباحث الإسرائيلي أمون لورد دراسة بخصوص العلاقة بين الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية تتضمن ثلاثة احتمالات خلصت جميعها إلى أن إسرائيل متخوفة من الأيام الأخيرة من حكم باراك أوباما في علاقة بمجلس الأمن وقضية المستوطنات.

2334، هذا هو رقم القرار الذي اعتمد مجلس الأمن في تكرار مطالبة إسرائيل بالتوقف عن القيام بجميع أنواع الأنشطة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية، صوتت على هذا القرار 14 دولة في حين امتنعت الولايات المتحدة الأمريكية عن التصويت وقد قبل هذا القرار بترحيب كبير من قبل السلط الفلسطينية مقابل سخط من الإدارة الإسرائيلية والرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب.

يؤكد القرار عدم شرعية إنشاء إسرائيل للمستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 بما فيها القدس الشرقية، ويعد إنشاء المستوطنات انتهاكا صارخا بموجب القانون الدولي وعقبة كبرى أمام تحقيق حل الدولتين وإحلال السلام العادل.

كما طالب القرار بوقف فوري لكل الأنشطة الاستيطانية على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأوضح أن أي تغييرات على حدود عام 1967 لن يعترف بها إلا بتوافق الطرفين. وأكد القرار على التمييز في المعاملات بين إسرائيل والأراضي المحتلة عام 1967.

تراجع دور اللوبي الإسرائيلي 2334 هو رقم القرار الذي اعتمده مجلس الأمن لمطالبة إسرائيل بالتوقف عن القيام بجميع أنواع الأنشطة الاستيطانية.

ادانة إسرائيل بهذه الطريقة في مجلس الأمن لا يعني إلا شيئا واحدا واضحا لا غبار عليه ألا وهو أن اللوبي الإسرائيلي لم يعد ذلك اللوبي المهاب الذي لطالما ركع العالم بأسره أمامه بعد أن كان هذا اللوبي المحرك الرئيسي للسياسة الدولية لمدة تزيد عن أربعة عقود تحديدا بعد التحول الحاد في سياسة إدارة نيكسون تجاه دعم المساعدات العسكرية وتوفير الغطاء القانوني الدولي لإسرائيل بعد حرب أكتوبر 1973.

إذ برز حينها هذا اللوبي وأصبح لاعبا أساسيا وصاحب دور قيادي في صياغة السياسة الأمريكية في قضايا مثل الحقوق المدنية وفصل الدين عن الدولة والهجرة وتوجهها الليبيرالي لكون أن اللوبي الإسرائيلي خليط من التقاليد اليهودية وتجربة الاضطهاد والمصالح الشخصية.

ويعود نفوذ اللوبي الإسرائيلي على سياسات الإدارة الأمريكية بصفة عامة إلى عام 1943 في أعقاب مؤتمر بيلتمور والمؤتمر اليهودي الأمريكي الذي مثل المعتدلون فيه سيفن صاموئيل وايز، وهزم أنصار أبا هليل سيلفر اللجنة اليهودية الأمريكية، وتوصل مؤتمر بيلتمور إلى نتيجة لهدف المتطرفون في عمل كومنولث يهودي. وأصبح سيلفر الداعي إلى دبلوماسية ظاهرة القائد الجديد للصهيونية الأمريكية، ثم بدأ بتحريك المنظمات الصهيونية وأعاد تسميتها بالمجلس الأمريكي الصهيوني لطوارئ، وبدأ في تحريك اليهود الأمريكيين في حركة جماهيرية.

تنظيم اللوبي الإسرائيلي

دعنا نتفق في تعريف اللوبي الإسرائيلي بتعريفه كتنظيم يقوده اليهود الأشكناز الذين يعيشون في الشتات و المتبنين للفكر الصهيوني يعملون على بسط نفوذهم على عدد من القطاعات والدول، ويتضمن ذلك السياسات والأكاديميين والحكومات والسياسة العامة والعلاقات الدولية، بالإضافة إلى الأعمال والاقتصاد العالمي والإعلام والأوساط الأكاديمية والثقافة الشعبية.

وبخصوص معاداة السامية أو Antisemitismus كما تسمى باللغة اللاتينية ناقش الكاتب جي جي جولدبرج سنة 2004 في خطاب له مصطلح اللوبي اليهودي وقال: ” كانت هناك الكثير من النقاشات المطولة خلال السنوات القليلة الماضية حول امتداد سلطة اللوبي اليهود واتساع تأثيرها، ولم يكن بالإمكان الحديث عن هذه المواضيع في السابق، وعندما كتبت كتاب نفوذ اليهود في عام 1996 اتهمت من قبل العديد من اللوبيين بتضخيم وتصديق أساطير المؤامرات اليهودية العالمية القديمة فقط لأني استخدمت هذا العنوان.”

لكن جولدبرج عارض هذه الحساسية تجاه استخدام المصطلح، محتجاً بأن هناك أمر بالفعل يدعى اللوبي اليهودي، وأن هناك شبكة من المنظمات تعمل معاً لنشر ما يمكن تسميته بنظرة أو رأي المجتمع اليهودي بشؤون العالم لا يستهان بها، وهي ليست خيالاً، ولكنها في الوقت نفسه ليست أخطبوط قوي مثل الذي يُصور أحياناً هذه الأيام.

أما ستيفن والت وجون ميرشايمر ذهبا أبعد من ذلك في كتابهما عن اللوبي وقالا أن صرخة معاداة السامية الكاذبة تُستخدم في بعض الأحيان كوسيلة لكبت أي انتقادات موجه لإسرائيل، فيقولان: ” لن يكون أي نقاش حول اللوبي مكتمل بدون دراسة واحد من أقوى أسلحته المتمثلة في تهمة معاداة السامية. كل من ينتقد أعمال إسرائيل أو يقول أن المجموعات الموالية لإسرائيل لديها تأثير كبير على السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، وهو التأثير الذي تحتفي به الإيباك، يضع نفسه في موضع الاتهام بمعاداة السامية. في الواقع بمجرد أن يزعم أي شخص أن هناك لوبي إسرائيلي فإنه سيخاطر بالتعرض إلى تهمة معاداة السامية، بالرغم من أن الإعلام اليهودي يشير إلى لوبي إسرائيلي في أمريكا. بمعنى أخر يتفاخر اللوبي اليهودي بنفوذه، ثم يهاجم أي شخص يلفت الانتباه إليه. إنه تكتيك فعال، فلا أحد يريد أن يكون متهماً بمعاداة السامية.”

أمام كل هذه التعقيدات يسقط اليوم اللوبي الإسرائيلي أمام قرار مجلس الأمن لكن من سينفذ بعد ذلك أجندات الكيان الصهيوني عبر العالم؟
قبل أيّام من توليه الرئاسة في البيت الأبيض، الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب يبدأ بالتخطيط بنقل السفارة الأمريكية في الأراضي المحتلة من مستعمرة تل أبيب إلى القدس وهو بمثابة اعتراف بأن القدس عاصمة موحدة لإسرائيل. ويجمع المختصون في السياسة الدولية فيي اعتبار هذا القرار إنقلابا تاريخيا للسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية.

لقي هذا القرار ترحيبا رسميا صهيونيا وصفه نتنياهو بالقرار العظيم في حين علّقت بلدية القدس الإسرائيلية على نفس القرار بكلمة مذهل.
وفي وقت سابق، قامت المحكة العليا بواشنطن برفض طلبات لمواطنين أمركيين من مواليد القدس بكتابة عبارة “القدس ـ إسرائيل” بجواز السفر إذ لا تعترف الولايات المتحدة الأمريكية بالقدس عاصمة “لإسرائيل” إلى حد اللحظة في إنتظار ما ستؤول إليه الأمور في قادم الأيام.
تكشف لنا نوايا دونالد ترمب أن اليمين المتطرف ينوي أن يخلف اللوبي الصهيوني ويأخذ عنه المشعل فنحن اليوم نتحدث عن ظاهرة سياسية جديدة ألا هي صعود اليمين واليمين المتطرف عبر العالم.

صعود اليمين واليمين المتطرف

اللوبي الإسرائيلي لم يعد ذلك اللوبي المهاب الذي لطالما ركع العالم بأسره أمامه

هولندا، بريطانيا، ألمانيا، فرنسا وغيرهم .. كلها دول تعيش على وقع صعود اليمين واليمين المتطرف إلى سدة الحكم وتنبؤات بتغير في الخارطة السياسية الدولية فأصحاب السلطة الجدد يجمعون فيما بينهم على كره المهاجرين خصوصا منهم العرب والمسلمين فعادة ما يهاجمونهم في خطاباتهم العنصرية متوعدين إياهم بطردهم وملاحقتهم ومراقبتهم ورفض قدومهم إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية ليبرز لنا هنا حقد هؤلاء على العرب والمسلمين وفي نفس الوقت يبقى أصحاب القرار الجدد على وئام مع دولة إسرائيل واعدين إياها بالسلام وبحمايتها. ونفهم هنا أن اليمين واليمين المتطرف استطاع أن يروض اللوبي الصهيوني المنتشر عبر العالم ويضفر بأصواته قبل أن يقوم اليمين بمختلف تشكيلاته بقبر اللوبي الإسرائيلي طمعا في سيادة العالم.

نستطيع اليوم أن نتحدث عن انتهاء كيان لطالما سطّر لنا أوضاعنا والخطوط العريضة لسياساتنا، نهاية تاريخية لكيان سبّح الكثير بمختلف جنسياتهم وألوانهم وأديانهم ولغاتهم بحمده وسجدوا له. لكن مقابل ذلك يطلّ علينا اليوم كيان جديد ألا وهو اليمين الغربي الذي لا يخفي أفكاره ومشاريعه المعادية للعرب والمسلمين الذين هم خارج التاريخ فلا خير في الأول ولا في الثاني.

فيديو المقال

أضف تعليقك هنا

فخر الدين بن مالك

صحفي وطالب بمعهد الصحافة وعلوم الأخبار