isis داعش الدولة الاسلامية

خرافة داعش، صنعتها الاستخبارات وروج لها إلإعلام الغربي

لا يشكُ متابعٌ للإعلامِ العالمي عامةً، و الإعلامِ الغربي منه خاصةً في أنَّه إنما يعملُ لصالحِ المشروعِ الصهيوني، ويُرَوّجُ له عالميًا. و يستطيعُ المتابعُ أيضًا أنْ يلاحظَ أنَّ هذا الإعلامَ نفسَه يعملُ باستمرارٍ ، و بنسقٍ عجيبٍ على تلميعِ أشخاصٍ بأعينهم حين يكونُ المشروعُ الصهيوني بحاجةٍ إليهم ، ثم يتم إسقاطهم فجأة ، و بمنتهى السهولةِ ، و اليسرِ ، و السلاسةِ حين تنتهي الحاجةُ إليهم ، أو ينتهي دورهم.

بَلْ ، و يقومُ ذلك الإعلامُ أيضًا بإنشاءِ هيئاتٍ ، و جمعياتٍ ، و جماعاتٍ ، و يُلَمِعُها تلميعًا كبيرًا ، و يُحِيطُها بهالاتٍ كبيرةٍ من الإجلالِ ، أو الغموضِ ، أو الوحشيةِ إلى غير ذلك على حسب المهمةِ الموكلةِ إلى كُلِّ مجموعةٍ ، أو جمعيةٍ ، أو جماعةٍ ، فإذا انتهى دورُ هذه المجموعات اختفى ذكرُها تمامًا من الإعلامِ ، و من الوجودِ ، و صارتْ أثرًا بعد عينٍ ، بلْ ، و صارت كأنها لم تكنْ موجودة يومًا من الدهر أصلًا !

فإذا صُنِعَتْ الخرافةُ ، و نُسِجّتْ حولها الهالةُ كان من السهلِ جدًا أنْ يُنْسَبُ إليها أيُّ جرمٍ يريدُ النظامُ الصهيوني تنفيذه ، من غيرِ إنكارٍ ، أو حتى تفكيرٍ ، فقد هُيئتْ الذهنيةُ العالميةُ لتقبلِ أيَّ شيءٍ يُنْسَبُ إلى مَنْ يريدُ الصهاينةُ ، أو – حكومةُ العالمِ الخفيةِ – نسبتَه إليهم .

أهم تنظيم إرهابي

و اعْتَبِرْ بأكبرِ تنظيمٍ إرهابيٍ عالميٍ في العصرِ الحديثِ ، و الذي نُسِبَتْ إليه خيالاتٌ ، و أوهامٌ ، و هو لا يعدو أنْ يكونَ “ظاهرةً إعلاميةً” صنعها الإعلامُ الغربيُ ، و “نفخ” فيها حتى انتفختْ فصدقتْ هي في نفسِها ما ينسبُ إليها قبل أن يصدقها الناس !

و اعْتَبِرْ أيضًا بحالِ أحداثِ الحادي عشر من سبتمبر ، و التي أجمعت الدراساتُ الحديثةُ أنها لا يمكنُ عقلًا ، و لا واقعًا أنْ يكونَ منفذُها هو منْ نُسبتْ إليه ، أو نسبته هي إلى نفسها ، و أنْ الحقيقةَ أنَّ مَنْ خَطَطَّ ، و نَفَّذَ غيرُ مَنْ وَضَعَ توقيعَه على الأوراقِ كي ينسبَ إليه ما لمْ يفعلُه ، و لا هو في مقدورِه ، و لا فَكَّرَ فيه ، و لا يقوى على التفكيرِ فيه ، و لا يستطيع الارتقاءَ إلى هذا المستوى من دهاءِ ، و مكرِ أجهزةِ استخبارات تَحَصَّلَتْ على خبرات متراكمة فيِ مئاتِ السنين .

و مِنْ هذا السبيلِ أيضًا ما يعرفُ الآن على الساحةِ الإعلاميةِ غربيًا ، و يتابعه على ذلك إعلاميون ، و صحفٌ عربيةٌ بـــ “دولة الإسلام في العراق ، و الشام : داعش” ، و الذي يثبتُ الواقعُ أنَّه ليس لهذا التنظيم أي وجودٍ يذكرُ على الأرض كما سنبينه ، و أنَّه ليس إلا ساترًا يَتِمُّ من وراءِه ارتكابُ أبشعِ الجرائمِ في حَقِّ العراقيين ، و السوريين على أيدي الصهاينةِ الذين نُزِعَتْ من قلوبِهم الرحمةُ ، ثم يُنْسَبُ ذلك كلُه فيما بعد إلى هذه التنظيمات التي تزعمُ أنَّها تعملُ باسم الإسلامِ ، ليتحملَ الإسلامُ ذاتُه فاتورةَ أعمالِ اليهودِ .

و الدليلُ على ذلك أنَّ “داعشَ” هي كلمةٌ مكونةٌ من اختصارِ الحروفِ الأُوَلِ من جملة : “دولة الإسلام في العراق ، و الشام” ، و هو ما يعني أنه حاصل اندماجٍ لتنظيمين منبثقين بطريقة ، أو بأخرى عن التنظيمِ الأمِّ : “تنظيم القاعدة” .

دولة الإسلام في العراق

و هذان التنظيمانِ أحدُهما يسمى : “دولة الإسلام في العراق” ، و قد أُسِسَّ في العراقِ على يّدِّ شخصٍ يُدعى : “أبو بكرٍ البغداديُ” .
و الثاني : هو تنظيمٌ تَكَوَّنَ تحتَ أعينِ ، و على حَجِرِ أجهزةِ الاستخبارات الغربية ، و الشرقيةِ في سوريا ، و ذلك في أعقابِ اشتعالِ المؤامرة على سوريا بإذكاءِ نارِ الحربِ الأهليةِ فيها ، و التي ما زالتْ تدور سوريا الحبيبةُ في رحاها إلى الآن .

و يعرفُ هذا التنظيمُ بــ “جبهة النصرة لأهلِ الشامِ” ، و الذي هو حريٌ بأنْ يُسَمى “جبهةَ الخرابِ للشام” ، أو “جبهةَ النصرةِ لليهودِ ، و الأمريكان”.

فأمَّا الأولُ منهما ، و هو : “دولةُ الإسلامِ في العراقِ” ، و الذي يُعْرَفُ زعيمه بأمير الدولة الإسلامية في العراق : “أبو بكرٍ البغدادي” ، و الذي يُشْتَهَرُ بــ “أبي دعاء” ، و اسمه :”إبراهيم عوَّاد البدري السامرائي” ، و هو يُعَدُّ حاليًا المطلوبُ الأولُ على مستوى العالم أمريكيًا ، و هو في العقدِ الرابعِ مِنْ عمرِه.

و يَذْكُرُ بعضُ العراقيين – على حَسبِ بعضِ التقاريرِ الصحفية الغربية- أنَّهُم كانوا يعرفونه منذُ كان مجردَ فَلَّاحٍ بسيطٍ حتى تم اعتقاُله مِنْ قِبَلِ قواتِ الاحتلالِ الأمريكي في العراقِ ، ليتحولَ في داخلِ معتقله في معسكرِ “بوكا” ، و الذي يضم متطرفين ، إلى شخصِ من أخطرِ الإرهابيين على مستوى العالم كلِه.

وهو ما دفعَ مراسلَ جريدةِ “التايمز ” : “أنطوني لويد” في بغداد للقول بأنَّ : القوات الأمريكية ساعدت بطريقةٍ غيرِ مباشرةٍ (و هذا ظنُه ، و لكنَّ الدلائلَ كلَها تشيرُ إلى أنَّ هذا كان بطريقةٍ مباشرةٍ ، و عنْ عمدٍ ، و تخطيطٍ ممنهجِ ) على خلقِ أهمِ قائدٍ ينتمي للقاعدةِ في منطقةِ المشرقِ العربي.

ولكن المريب حقًا ، و الذي لم يتساءل عنه هذا المراسلُ ، و لا غيرُه ، و هو أمرٌ لا مبرر له الْبَتَةَ ، و هو : لماذا أطلقتْ القواتُ الأمريكيةُ سراحَ هذا الرجلِ بعدما تحوَّل من محضِ فلاحٍ عراقيٍ عاديٍ إلى شخصٍ متطرفٍ إرهابي هو الأخطرُ في العراقِ ، و ربما في المشرقِ كلِه على حسبِ تصنيفهم هم ؟!

ولماذا أصلًا اعتقلته القواتُ الأمريكيةُ ، و أودعته معسكرًا لا يحوى سوى متطرفين ، و هو لا يعدو أنْ يكونَ مجردَ فلاحٍ بسيطٍ؟!!!
هلْ كان المرادُ أن يتشبعَ داخلَ هذا المعسكرِ بهذه الأفكارِ ليتمَّ استخدامُه بعد ذلك ؟ .. ربما !

لقدْ خرجَ البغداديُ من معسكرِ “بوكا” لِيُشَكِّلَ مباشرةً أخطرَ ، و أكبرَ التنظيماتِ الإرهابيةِ التابعةِ للقاعدةِ في العراقِ في وقتٍ قليلٍ جدًا يُعَدُّ في تاريخِ تكوينِ التنظيماتِ الإرهابيةِ لا وقت ، و لقد قام هذا التنظيم بالعديدِ مِنْ العملياتِ الإرهابيةِ في طولِ العراقِ ، و عرضِها .
فهل سَهَّلَتْ له القواتُ الأمريكية ، أو بالأحرى الاستخباراتُ الأمريكيةُ ، و الإسرائيليةُ ذلك ، و أعانته على تشكيلِ عصابتِه ، و ذلك بعد أنْ صنعته هو شخصيًا على أعينها داخلَ المعتقلِ ؟! .. ربما !

كانتِ البدايةُ في العراقِ في العام 2004 م ، حينما شَكَّلَ “أبو مصعب الزرقاوي” جماعةَ أسماها “التوحيدَ ، و الجهادَ” ، ليُعْلِنَ بعدَها مباشرةً مبايعتَه لـــ “أسامة بن لادن” زعيمِ تنظيمِ القاعدةِ ، و يُغَيِّرِ اسمَ تنظيمِه إلى “تنظيمِ قاعدةِ الجهادِ في بلادِ الرافدين” ، أيْ في العراقِ .
و استمرَ كذلك حتى العامِ 2006 م ، حين خرجَ “الزرقاوي” بتسجيلٍ مصورٍ ليعلنَ تشكيل ما أسماهُ “مجلس شورى المجاهدين” ، و ذلك بزعامة “عبد الله رشيد البغدادي” ، لِيُقْتَلِ “الزرقاوي” بعدها مباشرةً ، و في نفسِ الشهرِ الذي أعلنَ فيه تشكيلَ مجلسِ الشورى ، ليتولى “أبو حمزةِ المهاجرُ” زعامةَ التنظيمِ خلفًا للزرقاوي .

وفي نهايةِ العامِ 2006 م ، و تحديدًا في اليوم 15 أكتوبر م ، عقدتْ مجموعةٌ من الفصائلِ المسلحةِ اجتماعًا ضمن ما أسموه “حلفَ المُطْيبينَ”! ، و اتفقوا على الاندماج تحت مسمى “الدولة الإسلامية في العراق”! ، و ذلك تحت زعامة “أبي بكرٍ البغدادي”! ، و كانتْ هذه هي المرةُ الأولى التي يظهرُ فيها هذا المصطلح : “الدولة الإسلامية في العراق” ، و التي انبثقتْ عن “مجلس شورى المجاهدين” ، و الذي كان في الأساسِ حاصلَ اندماجِ مجموعةٍ مِنْ الفصائلِ الصغيرةِ في العراقِ تحتَ زعامةِ “الزرقاوي” كما أسلفتُ .

وفي يومِ الاثنين 19/4/2010 م شَنَّتْ قواتُ الاحتلالِ الأمريكي هجمةً عسكريةً قُتِلَ فيها “أبو عمرَ البغداديُ” ، و “أبو حمزةَ المهاجرُ” لِيَتِمَّ بعدَها اختيارُ “أبي بكرٍ البغدادي” أميرًا لــ “للدولة الإسلامية في العراقِ” ، و تعيين “الناصر لدين الله سليمان”!س وزيرًا للحرب .
و لم يكن ” أبو بكرٍ البغداديُ” ، و حتى العام 2006 م يعرفُ إلا بكونه شخصًا بارزًا في تنظيم “قاعدة الجهاد في العراق” ، و كانتْ مَهَمَتَهُ الأساسية ، و الوحيدة تنحصر في تسهيل انضمامِ المتطرفين إلى التنظيم ِمنْ سوريا ، و المملكةِ العربيةِ السعوديةِ .
كما أنشأَ”البغداديُ” أيضًا كيانًا أطلقَ عليه اسمَ “المحكمةِ الإسلاميةِ”! ، و كان يشرفُ بنفسه على عمليةِ اختطافِ أفرادٍ ، و مجموعاتٍ من المخالفين له ، و لتنظيمه في الأفكارِ ، و المعتقداتِ ، و مِنْ ثَمَّ يَعْرِضِهُمْ على المحكمةِ التي يسميها”المحكمةَ الشرعيةَ”! ، و التي تُصْدِرُ بدورِها أحكامًا بالإعدامِ لينفذها هو أيضًا علنيًا ، لِيَبثَّ الرعبَ ، و الإرهابَ في نفوسِ ، و قلوبِ مخالفيه .

وظَلَّ”البغداديُ” يرتقي داخل التنظيمِ حتى صار في العام 2010 م زعيمًا لتنظيم القاعدة في العراق .
إلا أنَهُ فجأةً ، و بحجةِ التشديدِ الأمني قامَ بتجميدِ أنشطةِ التنظيمِ بمجردِ توليه زعامته منذ العام 2010 م ، و ظلَّ على حالةِ الكمونِ تلك حتى اشتعلتْ جذوةُ الحربِ الأهليةِ في سوريا في العام 2013 م ، ليعود مرةً أخرى ، و يجدِّدَ نشاطَه ، و كأنما قدْ ذهبتْ التشديداتُ الأمنيةُ فجأةً – ، و لكنَّ الحقيقةَ أنه قد جاءته أوامرُ البدءِ مرةً أخرى بتفعيلِ نشاطِه ، و نشاطِ تنظيمِه لينفِّذَ مهمتَه – ، ليعمل مباشرةً على توسيعِ مجالِ عمله ليمتدَ منَ العمقِ العراقي إلى داخلِ العمقِ السوري ، و يعمل على استقطابِ ألاف الأعضاءِ الجددِ ، و القيام بالمزيد من العملياتِ الإرهابيةِ ، و التفجيراتِ الداميةِ في العاصمةِ العراقيةِ بغدادَ ، و غيرها ، بالإضافةِ إلى محاولةِ العملِ داخل سوريا ذاتِها .

ليتماشى ، و يتماهى بذلك مع السياسةِ الصهيونيةِ للتفكيكِ ، و تدميرِ ، و تقسيمِ المنطقةِ فيما يُعْرَفُ بـــ : “الطوقِ النظيفِ ، أو الإستراتيجية النظيفةِ لتأمينِ مملكةِ إسرائيلَ”! ، و هي عبارةٌ عنْ مشروعٍ قديم قدمه “ريتشارد بيرل” – ، و الذي يعرف في الدوائرِ الغربيةِ بــ “أميرِ الظلامِ”! ، و “دراكولا” ، و شخص هو أمريكي ، صهيوني ، حقود على العرب ، و المسلمين ، و يعد قطبًا من أقطاب المحافظين الجدد ، كما يعرف بكونه واحدًا من صقورِ الإدارةِ الأمريكية منذ عهد “جورج بوش” الابن ، و كان هذا السفاح القذر ، من أكبرِ الداعين لاحتلال العراق بسبب ما يحمله في صدره من غلٍ ، و عدائيةٍ تجاه العرب ، و المسلمين – قدم مشروعه المشار إليه ، في العام 1996 م لرئيسِ وزراءِ إسرائيل في ذلك الوقت “بنيامين نتنياهو” يَحُثُهُ فيه على ضرورةِ إلغاءِ اتفاقية أوسلو ، و التي أنجزها : “إسحاق رابين” : “الأرضُ مقابلِ السلامِ” ، و اعتمادِ إستراتيجية جديدةٍ أكثرِ شراسةً ، تتمكنُ مْنْ خلالها إسرائيلُ من إعادةِ تشكيلِ محيطِها الاستراتيجي بالتعاونِ مع كلٍ منْ تركيا ، و الأردن! ، و ذلك عن طريق إضعافِ سوريا ، و احتوائها ، أو حتى تدميرها- هذا مكتوبٌ ، و موثقٌ منذ العام 1996م – ، و لكن لابدَّ من تركيزِ الجهدِ أولًا على الإطاحةِ بــ “صدام حسين” في العراقِ ، و الذي هو هدفٌ استراتيجيٌ بالنسبةِ لإسرائيل .

فأنتِ تلاحظ الآن أنَّ في إستراتيجية “بيرل” النظيفة! – و يعني بالنظيفة ألا تتورط إسرائيلُ بنفسِها بطريقةٍ مباشرةٍ في حربٍ تكونُ فيها بعضُ الخسائرِ ، و إنما يُحَارِبُ آخرون عنها فتكون الخسائرُ من نصيبهم ، و تصب كل الروافدِ ، و الفوائدِ في النهايةِ عند إسرائيل ، فتحصدُ المكاسبَ من غيرِ مفاسد ، أو خسائر تذكرُ ، و هذا هو معنى :الإستراتيجية النظيفةِ– يقول “بيرل” في مشروعه المقدم لـــ “نتنياهو” ما نصه : ” تبقى سوريا هي العدوُ الأوَّلُ بالنسبةِ لإسرائيل ، و لكنَّ طريق دمشق يمرُ أولًا عبر بغداد”!!
بمعنى أنَّه لا مّفّرَّ عنْ أنْ يمتدَ الطريقُ من العمقِ العراقي إلى العمقِ السوري ، و هو عين ما قام به ، و يقوم “أبو بكرٍ البغدادي” ، و رفاقه منتقلًا من عمق العراق إلى عمق سوريا ، و منفذًا لإستراتيجية “بيرل” النظيفة ، و التي عاد “نتنياهو” مرة أخرى على رأس الدولة اللقيطة لتنفيذها !
فهل يُعْقَلُ– في عقلِ بشرٍ– أنَّ هذا محضُ مصادفةٍ ، و أمرُ غيرُ متفقٍ عليه ، و غير مدبرٌ ؟!
أمَّا أصحابُ العقولِ فيقولون لا يمكنُ إلا أنْ يكونَ هذا مدبرٌ ، و لا شك ، و أمَّا من باعوا عقولهم لمن يسحبهم من آذانهم ، أو لمنْ يدفعُ لهم فليس لنا معهم كلام .
و الآن ، و بعد هذا الاستطرادِ الطويلِ الذي كان لا مفرَّ منه لتتضحَ الصورةُ ؛ نعود إلى” البغدادي” ، و الذي أعلنتْ وزارةُ الخزانةِ الأمريكيةِ في 4 أكتوبر من العام 2011 م ، أنَّ “أبا بكر البغدادي” يُعْتَبَرُ إرهابيًا ، عالميًا ، و ذلك بعد سلسلةٍ من الهجماتِ ، و العملياتِ الإرهابيةِ التي نُسِبَتْ إليه .
و رصدتِ – أيْ وزارةُ الخزانةِ – مبلغًا من المالِ قدرُه 10 ملايين دولارًا لمن يدلي بمعلوماتٍ تؤدي إليه ، أو لمن يقتله .
هذا هو التنظيمُ الأولُ ، و أما التنظيمُ الثاني ، و هو :”جبهةُ النصرة” فقد ظهرَ لأولِ مرةٍ في شهرِ يناير من العامِ 2012م ، حيث أعلنتْ مؤسسةٌ إعلاميةٌ تابعةٌ لتنظيم “قاعدةِ الجهادِ” عبر الإنترنت تُدعى : “مؤسسةُ المنارةِ البيضاءِ للإنتاجِ الإعلامي” ، عنْ تشكيلِ منظمةٍ جهاديةٍ جديدةٍ في سوريا يُطْلقُ عليها : “جبهةُ النصرةِ لأهلِ الشامِ” بقيادة شخصٍ يدعى : “أبو محمدٍ الجولاني” .

و بعدها بأسابيعَ قليلةٍ ، و تحديداً في اليوم 17 فبراير من العامِ نفسِه نشر عضو في “منتدى شموخ الإسلام” الجهادي ، و التابع للقاعدة عبر شبكة الإنترنت خبرًا عن مقتل كويتي في سوريا ، و هو ما عُدَّ أولَ مؤشرٍ على بدء تدفق الأجانب إلى سوريا .

و هو ما نفى أيضًا مزاعم البعض بأن “جبهةَ النصرةِ” ليست إلا تمويهًا من نظام الأسد ، و انكشفَ الأمرُ على حقيقته ، و زاده وضوحًا ، ما قام به عددٌ من الجهاديين البارزين ابتداءً من مارس 2012 م بالترويجِ لجبهةِ النصرةِ عالميًا باعتبارها الجبهة الجهادية التي ينبغي الانضمام إليها في سوريا ، و مساعدتها ، و دعمها ، و تمويلها .

و بعد تشكيلِ”جبهة النصرة في الشام” خرج “أبو بكرٍ البغداديُ” زعيم “دولة الإسلام في العراق” في تسجيلٍ صوتي بتاريخ 9/4/2013 م ، و عَبْر شبكة “شموخ الإسلام” القاعدية ليعلن اندماج “جبهة النصرة لأهل الشام” مع “دولة العراق الإسلامية” ، مكونين ما أسماه “الدولة الإسلامية في العراق ، و الشام” ، و هو ما عرف بعد ذلك اختصارًا بــ “داعش” ، و أعلن في التسجيل نفسه إلغاء اسم “الدولة الإسلامية في العراق” ، و كذلك إلغاء اسم “جبهة النصرة” ، و أنَّ الكيانَ الوحيدَ الموجودَ الآن هو “الدولةُ الإسلاميةُ في العراق ، و الشام” .

إلا أنّه بدا واضحًا أن هذا الإعلان عن اندماج التنظيمين كان أُحادي الجانب ، خاصةً بعد أنّ خرج “أبو محمد الجولاني” بنفسه دون “أبو محمد العدناني” المتحدث الرسمي باسم “جبهة النصرة” في تسجيلٍ صوتي يعلنه فيه عن وجود علاقة طيبة مع تنظيم “دولة العراق الإسلامية” ، و عن علاقة خاصة بزعيم التنظيم “أبي بكر البغدادي” إلا أنه نفى علمه بالاندماج المزعوم ، و أنْ لا علاقة له بذلك ، و أنّ تنظيمه مستقلٌ عن أي تنظيمٍ آخر ، و أعلن في التسجيل نفسِه مبايعته لــ “أيمن الظواهري” زعيم القاعدة في أفغانستان. وهو ما استدعى وجود خلافات قوية ، و ظاهرة بين التنظيمين إلى ساعة كتابة هذه الكلمات .

و لكنّ الغريبَ ، و المريبَ في آنٍ واحدٍ هو أنّه على الرغمِ من النفي الواضحِ ، و الصريحِ من قِبَلِ زعيمِ النصرةِ اندماجه ، و تنظيمه مع “دولة العراق الإسلامية” ، و هو ما يعني ألا وجود بالمرة لما نتج عن اندماجهما ، و هو تنضم “داعش” إلا أن الإعلامَ الغربي ما زال مُصِرًّا على النفخِ ، و التضخيمِ في هذا التنظيم الخرافي ليتخذه تكأةً ، و مبررًا لحربه على سوريا ، و التآمر عليها من أجلِ تدميرها ، و تقسيمها ، وكذلك استخدام التنظيمِ ذاتِه للحربِ على العراق مؤخرًا ، و ذلك لتبريرِ التدخلِ السافرِ لأمريكا في العراقِ مرة أخرى ، و بالحجة القديمة نفسها ، ألا و هي مقاومةُ الإرهابِ ، و محاربته ، و لكنّ الحقيقة أنها الخطة البديلة لتدمير الشرق الأوسط ، و تقسيمه فيما يعرف بــ “الشرق الأوسط الجديد”! ، و خاصة بعد أُفشِلتْ الخطة الأولى في مصر ، و هي على وشك الإفشال في كلٍ منْ سوريا ، و ليبيا .

ألا إنَّ الحقيقةَ التي ينبغي أنْ تُعلمَ أنَّ هذه التنظيماتِ الإرهابية ابتداءً من الجماعة الإرهابية الأم – جماعة الإخوان الإرهابية – ، و مرورًا بالتنظيمات السلفية ، و “تنظيم القاعدة” ، و ما انبثق عنه كـــ “داعش” ، و غيرها ليس إلا أدواتٍ ، و آليات صنعتها أجهزة استخبارات مدعومة بمراكز أبحاث تعمل ليل نهار بلا مللٍ ، و لا كللٍ مستكملةً دورَ المستشرقين القدامى من أجل خدمة بلادهم في تدمير دول العرب ، و المسلمين ، و تفجيرها من الداخل .

و هذه التنظيمات المنتشرة في طولِ بلادِ العربِ ، و المسلمينِ ، و عرضِها تعملُ مدعومة بشكلٍ مباشرٍ ، و غير مباشرٍ من أجهزة الاستخبارات ، و من مراكز الأبحاث التي توفر لها الدعم اللوجستي ، لتحقق في النهاية أهداف الدول الاستعمارية من السيطرةِ على ثرواتِ الدولِ العربية ، و تدميرِ دينها ، و قِيَمها .

و ليذبحَ الدينُ بسيفِ الدينِ! ، و ليُقْتَلَ المسلمون على أيدي المسلمين ، و ليدمروا بلادهم ، و يفتتوها ، و يقسموها بأيديهم ، ثم لندخلْ نحنُ في الأخيرِ لنجني الثمارَ دون مشقةٍ ، أو تعبٍ ، و دون أن تراق منّا نقطة دمٍ واحدةٍ !

و لكنّ اعتقادنا الذي لا يَتَحَلْحَل هو أنّ الله غالبٌ على أمرِه ، و لكن أكثر الناسِ لا يعلمون ، و أنّ النصرَ مع الصبِر ، و أنَّ مع العسرِ يسرًا ، و أنَّ الله لا يصلحُ عملَ المفسدين ، و أنَّ النصرَ آتٍ قريبٌ ، إنْ شاءَ اللهُ .

أضف تعليقك هنا