سدُّ النهضةِ و حربُ الحضاراتِ (1-5)

لم أكنْ غافلًا يومًا في حياتي قطُّ عن فحوى كلمةٍ خرجت من لسانِ جورج بوش الابن ، و التي تم تبريرها بعد ذلك على أنها “فلتة لسان” ، و ذلك حين صرَّح بأن حرَبه التي يخوضها بالوكالة عن إسرائيل في العراق و من قبلها في أفغانستان بل و في المشرقِ العربي كلِه هي من باب “الحرب الصليبية الجديدة” !

و الحقيقة أنني لم أكن في حاجةٍ إلى تصريحٍ و لا تلميحٍ من الابن أو من الأبِ لأفهمَ حقيقة الصراع. ذلك أني أعلمُ أن هذا الصراع نفسَه هو جزءٌ من المعركة و الحرب على حضارتنا العظيمة و المستعرة منذ القدم ، فالمعركة هي “حرب حضارات” و ليست فقط “صراعُ حضارات”.

الصراعَ بين الحقِ و الباطلِ

ذلك أني لم أكنْ منذُ عرفتُ الحياة غافلًا أيضًا عن أنَّ الصراعَ بين الحقِ و الباطلِ ممتدٌ ما امتدت الحياة نفسَها و قديمٌ في الوقت ذاتِه قِدمَ الحياةِ ذاتِها ، مع يقيني بأن الحقَ منتصرٌ في النهاية مهما امتُحنَ و امتُحنَ أهلُه ، و أن الغلبةَ في الأخير للحقِ و الخيرِ و أن الشرَ و أهلَه مندحرون لا محالة .

أوقنُ تمام اليقينِ أنَّ الحياةَ مؤسسةٌ على هذا الصراعِ بين الخيرِ و الشرِ و الحقِ و الباطلِ ، و إن كان يحلو للكثيرين تسفيه الأمرِ بشعاراتٍ مطاطةٍ جوفاءَ كنظرية المؤامرة و ما شابهها ، و هؤلاء بعضهم جزءٌ من المعركة و الحرب ، و هم يدركون ما يصنعون ، و البعض الآخر “أحمق من هبنقة” لا يدري ما يخرجُ من رأسه .

و لكن الحقيقةَ الكبرى في الأخيرِ هي أن الحياةَ مبنيةٌ على الصراعِ و المؤامرةِ و أن الباطلَ و أهلَه لن يفتأَ يتآمرُ على الحقِ و أهلِه أبد الدهر .
و لهذا كان اهتمامي – على المستوى الشخصي- بهذه الأمور و بحثي في ثناياها و الكلام عنها و فيها من هذه البابةِ : من منطلق “حرب الحضارات”و هو ما يظنه بعض الناس كلامًا في السياسة أو اشتغالًا بها ، و هو أمرٌ مخالفٌ الواقع ،- أعوذ بالله منه – ، فأنا “رجلُ ملةٍ و لستُ برجلِ دولةٍ”.

الحضارة الاسلامية

إنني أؤمنُ أنني أنتمي إلى حضارةٍ عظيمةٍ بناها أباءٌ عظامٌ و أسسوها على الوحي الشريف و الأخلاقِ الحميدة و على جهودِ أجدادٍ كرامٍ بنوا الدنيا و ملكوا العالم . أشعر بالانتماء إليها و الفخر بذلك أيما فخر و الشرفِ لذلك و أعظمْ به من شرف . و أعتقدُ اعتقادًا جازمًا لا يتحلْحلُ أن لهذه الحضارة حاقدين عليها و أعداءً لها كُثرُ يحاربونها بشتى السبل .و أؤمنُ أنَّ هذه الحربَ الشرسةَ المشتعلةَ ممتدةٌ من قديمٍ ، تظهرُ و تختفي و لكنها لا تتوقفُ و لا تنطفئ .

تظهرُ أحيانًا في صورةِ حملةٍ صليبيةٍ غشومٍ تمتدُ قرنًا من الزمان أو يزيدُ ، و أحيانًا في صورة غزوٍ فرنسي يسمى خداعًا بالحملةِ الفرنسية و ثالثًا في صورة احتلالٍ انجليزي طويل الأمدِ و يسمى أيضًا – من بابِ الخداع – استعمارًا بينما هو “استخراب” ، و ظهر و يظهر أخيرًا في صورة كيانٍ سرطاني يأكل الأخضرَ و اليابسَ و يحتلُ أرضَ فلسطين و يسعى لهدم المسجدِ الأقصى الشريفِ و إقامةِ امبراطورية فاشيةٍ مجرمةٍ قاتلةٍ على أنقاضِه و فوقَ جثثِ العربِ و المسلمينَ في فلسطينَ و ما حولها .

هذه و غيرها – في الحقيقة – ليستْ إلا ظواهرًا و أعراضًا لمرضٍ واحدٍ هو الصراعُ – أو قلْ إن أردت الدقةَ :الحربُ- بين الحضارات أو بين حضارتين اثنتين . بين حضارةٍ تحملُ للعالم السلامَ و الخيرَ و تسعى لنشر الحياةِ ، و أخرى تحاربُها و تغزوها في عقرِ دارها لتحاول القضاءَ عليها ، لأنها لا تعرف إلا العداوةَ للحياةِ لا تعرفُ سوى القتلِ و الإفسادِ في الأرضِ سبيلًا .

أضف تعليقك هنا