سد النهضة و حرب الحضارات (2-5)

لكل ما مر و لغيره لم استغرب “فلتة لسان”! الابن و لا تصريح وزير دفاعه – وقتها- من أنهم حين ينتهون من أهل الأرض سيتوجهون لحرب أهل السماء ، فقد كنت على ثقةٍ من أن هؤلاء حين أتوا إلينا – نعم إلينا- في العراق و من قبله في أفغانستان ، و في شتى أركان مشرقنا العربي كله ، لم يكونوا سوى أحفادٌلأسلافهم من غزاة الحضارة القاتلة الدموية المجرمة الأقدمين عادوا لأجل القضاء على الحضارة العظيمة : حضارة الحياة و الخير و السلام .

كنت على أتم اليقين أن هؤلاء ليسوا إلا عرضًا للمرضِ القديمِ ، مرضِ “حربُ الحضارات” ، و ليسوا إلا حلقة من حلقات الغزو الممتدِ عبر القرون من قِبَل الحضارة الغربية على الحضارة العربية الإسلامية .

النخبة المثقفة

نعم كنت أعرف ، في حين كان الكثيرون مما يُعرفون بــــ “النخبة المثقفة” لا يكادون يفقهون حديثًا و يرددون شعاراتِ الغزاةِ دون وعيٍ ، و لكن للحقيقة – و الانصاف عزيز- قد كان بعضهم يعرف و لكنه كان جزءًا من هذه الحرب الخسيسة ، و هؤلاء هم أحفاد “المعلم يعقوب” و ورثة خيانته و حاملي رايته ، ممن خانوا أوطانهم و دينهم و تعانوا مع المحتل الغزي و كانوا يدَ المستعمرِ للسيطرة على الأرض و لهتك العرض .
صحيح أن جماعة الإخوان كانوا من “ورثة يعقوب” و لكن الحقيقة أنهم لم يكونوا وحدهم بل كان معهم من الخونة الكثير ، ممن باعوا أوطانهم و دينهم و انتمائهم بل و أنفسهم و أعراضهم في مقابل حفنةٍ من مالٍ قذرٍ أو منصبٍ ذاهبٍ أو جاهٍ زائل .

و لكن الحقَ لا يموتُ أبدًا ، ذلك أن الله هو الحقُ و الله باقٍ أبدًا .

إن الصواب قد يتوارى و يختفي حينًا من الدهر و لكنه أبدًا لا يموت .

الخريف العربي

و لهذا لما هبّتْ على مشرقنِا رياحُ و عواصفُ “الربيع العربي” كنت أرى في ثناياه ما لم يره الكثيرون من أعراض “حرب الحضارات” .
ذلك أن الغربَ يريدُ فرضَ ثقافته و التي هي خلاصة حضارته ، يريد غزونا فكريًا و حضاريًا – و هي المرحلة الأخيرة من الغزو العسكري و نتيجته المحتومة حيث يفرضُ المحتل لغتَه و ثقافتًه و أسلوب حياته و تفكيره على البلد المحتل – بعدما فشل في غزونا عسكريًا عبر القرون .

يريد الغربُ منا أن نتبرأ نحن من ثقافتِنا و أصالتِنا بمحضِ إرادتنا ، و أن نقتلع بأيدنا جذورَنا الممتدةَ عبر القرونِ في الماضي السحيق و ننتمي فكريًا و ثقافيًا – أي حضاريًا – إليه من غير أن يجبرنا هو على فعل ذلك ، تحت شعاراتٍ رنانةٍ مطاطةٍ ينخدعُ فيها الكثيرون من أمثال “المدنية الحديثة” و مواكبة العصر” و “العولمة” و “الديموقراطية” وما شابه ذلك من شعاراتٍ يتم فيها فرضُ ثقافة الغرب علينا و لكن هذه المرة بإرادتنا و باختيارنا .

شعاراتٌ طنانةٌ لا تحمل في طياتها إلا ألغامًا مدمرةً توشكُ أن تنفجرَ لتدمرَ المجتمعاتِ و تمزقُها و تحولُ أصحابَها إلى مسوخٍ مشوهةٍ لا هي تنتمى إلا جديدٍ تعيشُ فيه و لا إلى قديمٍ تنتمي إليه و يجري في عروقها ، و إنما هي مجموعة من الأمشاجِ المختلطةِ غير المنسقةِ تنتجُ في الأخيرِ كائنًا مشوه الخلقةِ و الخُلُق .

و حتى الخيرَ الذي تحتويه يتمُ تفريغها منه لتبقى فقط مساوئها لتدمرنا به دون حسنةٍ واحدة .

أضف تعليقك هنا