سلسلة ليلة شاتية “6” من هؤلاء؟

مواطنين يصعب استيعابهم

بعد استعراض اطراف المعادلة المذلة التي تهيمن على منطقتنا فانه وتماشيا مع منطق الاشياء فان كل معادلة يتم تطبيقها لا بد لها من ناتج او نتيجة على الارض، ولقد انتجت المعادلة المذكورة في منطقتنا نوعا من المواطنين يصعب استيعابهم في التصنيف العام لأي مجتمع حتى ذلك التصنيف النازي المتطرف او حتى احلام اليقظة الافلاطونية في المدينة الفاضلة وربما يقع هذا الكلام من البعض موقع النقد المرفوض ويرونه تهكما على الواقعية السوداء التي دجنة جزءا كبيرا من الشعوب في المنطقة تحت خدعة ما يسمى الاستقرار والمريخ اولا وحماية حدود مجرة الوهم من الغزاة.

تزوير الحاضر والمستقبل بإذاعة واحدة

قبل ان نوغل في الحديث عن المنتج البشري الجديد لمعادلة الاذلال لا بد من تقرير امر ما حول طبيعتنا البنيوية في المنطقة فان تركيبنا في قرون الاستعباد هذه يميل الى الهشاشة العاطفية المقيتة فلك ان تتذكر فترة ستينيات القرن المنصرم وترى كيف تلاعبت اذاعة واحدة بأمة لأنها خاطبتها بالأمة الثائرة من المحيط الهادر الى الخليج الثائر وقلبت الحقائق حيث زيفت التاريخ وحولت الهزائم الى انتصارات لا يزال بعض مطبلي تلك الحقبة يرددها كلما اتيح له ان يعكر صفو المساء بتزويره للتاريخ، فسمي ضياع فلسطين نكبة والعدوان وضياع بلدان اخرى مجاورة لفلسطين نكسة، والتحول التراجيدي المأساوي الى نهج الاستسلام والتفاوض واستجداء فتات الحقوق سياسة وكياسة وكثير من الامثلة التي تثبت طبيعة العاطفة العارمة التي نستخدمها لتسويق قضايانا لتحنو علينا عزباوات الغرب.

لقد خلقت المعادلة الحالية في المنطقة انسانا جديدا فيه الكثير من الصفات التي تجعله اقرب الى الآلة منه للإنسان، ويتشدق البعض ويسميه العربي الجديد فلا بد اذا من وقفة مع هذا العربي الجديد الذي ابهر العالم والجم الكائنات جميعا.

إخضاع الإنسان العربي ولا زال الغثيان يتغشاني كلما ذكرت ذلك الرجل الاشيب الكهل وهو ينهال ليقبل يد حاكم مستبد

الإخضاع عبر الإعلام

إن من يقرا كتاب عقيدة الصدمة ويرى تلك الوصفة الشيطانية لإخضاع الشعوب ويطلع على التجارب التي حدثت ربما يصل حينها ان المطلوب ليس السيطرة على الموارد او المناطق وإنما على الانسان والإنسان فقط فلقد بدأت المسالة بإعلام عربي قميء لا يمكن ان يتحمله من فيه مسحة من روح، فقد عمد الاعلام العربي الى العزف على وتر العاطفة التي تقودنا حتى في اشرف القضايا التي كنا ننزهها عن العاطفة واستعمل الاعلام سياسة التكرار المبالغ فيه ووجد اذانا صاغية وأفواها لا تحب ان تصمت حتى لو اجترت الهباء في طابور اذلال ما، فأصبح الاعلام يحيك القصة والتفاصيل الدقيقة يتركها للمواطن المنهك الجائع للتعبير عن أي رأي حتى ولو كان سب ابيه دون محاسبة.

الإخضاع عبر قوانين الإرهاب

وهكذا اتيحت هذه الحرية في مجال يريده النظام عبر الاعلام وأصبح الناس يستغلون هذه النافذة واتخذوا موقعا في صفوف الانظمة فأوجدوا تعريفا للإرهاب خاص بكل بلد دون غيره وجعلوا من شركائهم في الوطن اعداء دون ان يحددوا سببا لتلك العداوة.

الإخضاع عبر وسائل التواصل الإجتماعي

ومما زاد طين الاستعباد بلة ظهور وسائل التواصل الاجتماعي وتركيز الكل الاهتمام عليها والتهويل من شانها في بعض الاحيان وأصبح للمواطن العادي منصة ومنبر يستغله متى شاء كيفما يشاء، فصيغ الثلث الاول من العربي الجديد وهو قادر على الخوض في أي مسالة دون أي توان والقول في أي معضلة وهو المرجع والمصدر والناقد مما جعله شخصية نرجسية على شاكلة حاكميه لا يمكن ان تقنعه ورأيك الخاطئ دوما وليس هناك أي مجال لوجودك ان كنت من المعسكر المخالف له وغالبا ما تنضم هذه الشخصيات النرجسية الى احزاب الحكم من باب الاستغلال والاستنواق ونصب كل واحد منهم نفسه مدافعا عن المصالح الوطنية العليا التي تماثل الارهاب في التعريف الهلامي الذي يختلف من مواطن نرجسي لآخر.

انعدام الأفق

الامر الآخر الذي صاغ العربي الجديد هو انعدام الافق بالنسبة لاؤلئك الذين يريدون الحياة سهلة بطيئة مليئة بالملذات فرأوا كيف انهالت الانظمة الشمولية المستبدة على المطالبين بالحرية وكيف تمت شيطنتهم وهنا تحديدا انحاز هؤلاء الهلاميين للأنظمة ودخلوا في صراع رغيف الخبز وشقاء الحياة اليومية التي يزينها راتب يأتي ببطء سلحفاة محملة بهموم الكون ويذهب ذهاب سراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء وهكذا دواليك وعندما جاء التغيير المظهري من قبل الانظمة التي خشيت رياح الربيع العربي استغل هؤلاء هذا التبرج الرديء للأنظمة المستبدة.

أتباع الأنظمة الحاكمة

ولا زال الغثيان يتغشاني كلما ذكرت ذلك الرجل الاشيب الكهل وهو ينهال ليقبل يد حاكم مستبد لأنه سمح له ولأمثاله انه يتناقشوا في ارش كسر انف ابي الهول وهل مار الانف فيه دية ام نصف ام اقل ؟ وأمر اخر يريك مدى انخطاف اتباع الانظمة المستبدة انه قبل شهر تقريبا نشر فيديو لرجل من حلب الغربية يستغيث ويصيح ويعيب على المحاصرين في نفس المدينة انهم يستهدفون المدنيين من ابناء شعبهم وكان روسيا والنظام وكلاب الطوائف يرمون المحاصرين بالورود والعطور وكان اطفالهم لا بواكي لهم وأعراضهم مباحة ودمائهم ماء يسيل عبثا ؟ هذا الصارخ المستغيث يمثل اتباع الانظمة الذين يشرعنون قتل الالاف باسم الوطن والمصالح العليا ومحاربة التطرف ويرون ان من يخالفهم في الوطن لا مكان له حتى ولو بمقدار جدث يزار او حتى يطمس.

هؤلاء المنخطفون والمفتونون بالأنظمة هم من أهم اسباب بقاء الطغاة وتشبثهم بالحكم وان على حي صغير في جزيرة نائية، وحتى لا يكون المرء بعيدا عن الواقع فانه في البلد المحتل الذي احيا فيه هناك اناس يحملون هذه الصفات بل هم باكورة انتاج تجربة العربي الجديد، ففي الوطن المحتل منذ قرن تجد اناسا لا يعلمون شيئا عن القضية الام إلا ترهات يحفظونها ولك ان تتخيل اننا نحيا في بلد واحد مع اناس يتصرفون ويتعاملون كأنهم في باريس او حتى في عصر النهضة في ايطاليا فتجدهم يهتمون بالفنون والرقص والحقوق والمواطنة على مقاسهم واللوحة التراجيدية تقول ان احدهم يستعد للذهاب الى مهرجان رقص ايمائي فيما الاحتلال ينكل بجاره ويعتقله وربما يقتله وعندما يتحدثون عن الثائرين من الشباب يصورونهم على انهم منبتين لا فقه ولا عقل لهم وكل وقفات العز امام المحتل، اما لان الشاب رسب في امتحان او هجرته معشوقته حتى جاء وقت تخيلنا ان الشباب في الوطن المحتل اما روميو المتألم او امرؤ القيس بفجاجته، والأغرب في كل القضية ان هؤلاء الهلاميين المنخطفين اصحاب اللاموقف والمستغلين والطفيليين يرون انفسهم سادة البلد وان باقي الناس سوقة لا قيمة لهم ولا قرار، ولا حتى حق في الكلام، وإذا تحدثوا لعزباوات الغرب استجدوا الاموال لتنمية المجتمع الذي يأنفون منه وانه لأمر غريب في القياس بديع.

هل هؤلاء أخوتنا في الوطن؟

هكذا نجد انفسنا في مجتمعات جزء منها يقول انه الاغلبية الصامتة او قسم اخر يشرعن الانظمة ويدافع عنها باستماتة لأنها سبب بقائه حسب اعتقاده وجزء كبير من هذه المجتمعات مهمش مسحوق لا قيمة له ولا قدر اذا قال الجم بالنار وإذا مشى ابيد حيه ومدينته وإذا تنفس صودرت السماء من فوق رأسه وعندما تكون من الفئة الاخيرة وتصادف المتشدقين بالانجازات الوطنية و سيادة القانون وترهات الخداع العربي المعاصر تسال نفسك حينها من هؤلاء؟ أيساكنوننا في البلد نفسه ؟ وأسئلة اخرى لا يتسع لها المقام.

وفي الختام فان السابق على طوله لا يعني ان هؤلاء هم الناس جميعا ولا هم سادة الناس وإنما هم جزء من معادلة الاستبداد المتبقي في المنطقة وربما يكونون هم اشد اوتاد خيمة الباطل عمقا لان ارتباطهم به ارتباط حياة وموت ومهما تعددت الاسماء وتم تنميقها يبقون بلا هوية او كينونة حقيقية وإنما غثاء وزبد سيذهب جفاء.

هكذا تستقر اجزاء معادلة الليلة الشاتية التي نعيشها في هذا الوقت وترى خلالها امة حيرى استبد بها كل نرجسي متعسر ودعمه من له مصلحة ودانت له رقاب العبيد الذين تؤذيهم الحرية ونسيمها ومع كل هذا الواقع لا ينعدم الامل وبوداده قائمة في اشد المناطق والمواقف قتام وهضما والله غالب على امره ولكن اكثر الناس لا يعلمون

أضف تعليقك هنا

مروان محمد ابو فارة

مهتم بالحالة الفكرية للأمة
أبلغ من العمر 35 عاما
أمضيت في سجون المحتل الصهيوني عشرة أعوام
أحمل شهادة البكالوريوس في المهن الصحية تخصص تمريض
من فلسطين المحتلة