معارضة خيالية – سلسلة ليلة شاتية “5”

حال المجتمعات العربية قبيل الربيع العربي

ربما لن يذكر ما سيقال في هذه الكليمات إلا من كان متابعا للشؤون العامة في المنطقة قبل اندلاع ما اصطلح عليه بالربيع العربي حيث كانت المعادلة بكل بساطة انظمة حكم استبدادية شمولية قمعية ومعارضة مقسومة بين معارضة فعلية على الارض تغص بها سجون الحكم الشمولي ومعارضة نظرية تستوطن عواصم اوروبية او في امريكا التي تبين لاحقا انها الراعي الرسمي لمعظم تيارات المعارضة النظرية إلا من رحم ربك.

انطلاقة الربيع العربي والمعارضة التنظيرية بعد أن هدأت رياح الثورات الأولى وقبل تحولها لأعاصير مسلحة، كانت هناك فترة هدوء انتظرنا بها اولئك المنظرين الذين تابعناهم عقودا ليكونوا قيادة فاعلة بصياغة الحقوق والحريات.

المهم أنه ودون تخطيط مسبق او تنظير متشدق اندلعت شرارة الربيع العربي في تونس ومنها الى باقي المنطقة وأملنا خيرا في اولئك الذين كانوا ينهالون على الانظمة سبا وشتما وتبيانا لما تقوم به الانظمة من قمع وعسف للحقوق، وهنا تحديدا في بداية المرحلة الانتقالية بعد دحر رؤوس الانظمة دون الدولة العميقة والكيان الاستبدادي الفعلي، هنا تحديدا بدا يظهر البون الواسع بين القدرات البلاغية والمنطقية والتوصيفية للمعارضة النظرية، التي كانت قبل ذلك يظن انها تنحاز لأجندات ورغبات الشعوب المقموعة والمهضومة الحقوق فإذا الشعوب تجد نفسها تحمل أمالها على بغلة كسحاء لا عرجاء.

الاستغلال العاطفي لقضية الشعوب

يمكن القول ان هناك عدة امور من المحتمل انها التقت في صياغة المعارضة النظرية مما أدى لاحقا الى اندحار هذه المعارضة وتصنيفها كمعارضة الفنادق الأمر الأول الذي ساهم في صياغة هذه المعارضة يمكن القول انه الاستغلال العاطفي لقضية الشعوب واستغلال الحرية شبه المطلقة في دول اوروبا حينها التي جعلت هؤلاء يقولون ما يشاءون دون حسيب ولا رقيب وبجرأة بالغة في بعض الاحيان وحينها كان التنفس في دولنا العربية بإذن الحكومة والنوم واليقظة والولادة والإجهاض كذلك ومن كان ينبس ببنت شفة حينها كان حتما سيختفي بغض النظر عن الكيفية وكان اولئك الذين ساهم الاعلام العربي في رفعهم يعبرون فعلا عما يريده الناس ويطالبون بالتغيير وإطلاق الحريات من الامور التي كانت تمس ارادة الشعوب الحقيقة، مما جعل الشعوب تختار هؤلاء ضمنا لقيادة مرحلة ما بعد الانظمة الحاكمة حينها لمجرد انهم يتحدثون بجرأة ويدعمون احيانا اقوالهم بأدلة من ارض الواقع.

وهنا انتبه بعض المعارضين النظريين الى الاهتمام الشعبي بما يقولون فاخذوا في زيادة مقدار هجومهم على الانظمة ومنحت لهم منابر الغرب قدرا اوسع من القدرة على التعبير والتسويق للتغيير المرتقب وهكذا تكتمل معادلة الاستغلال العاطفي.

أمر ثان يمكن التعويل عليه في معرفة كيف صيغت المعارضة النظرية التي نتكلم عنها هو كون الشعوب حينها كانت تعيش حالة من انفجار السرديات وكان الواقع سوداويا ويمضي باتجاه مزارع التوريث ولم يكن المواطن البسيط شيئا مذكورا تنهال عليه الضرائب والإهانات ويتقبلها كأنه رغيف خبزه اليومي الذي يبحث عنه.

المعارضة التنظيرية ودور محامي الشيطان

وزاد الامور بلة كون حراكات التغيير والاحتجاج الداخلية في العالم العربي كانت تنتهي بصورة ابدية وكل من شارك فيها ينسى حتى من سجلات الحياة الدنيا مما شكل فراغا كانت تملؤه بصورة كوميدية شخصيات امنية من الانظمة وغالبا ما كانت تقوم بدور محامي الشيطان ليس اكثر حتى فقدت الشعوب الامل في معارضة من نفس البلد يسمح لها بالتعبير والتغيير والاحتجاج إلا بموافقة النظام الشمولي وغالبا ما تكون امورا هامشية مثل قانون الصيد الجائر للحلزون في برية الواق واق، ومسائل على هذه الشاكلة. ولا زلت اذكر تندر اهل محلة ما على نائب برلماني تم تصنيفه في المعارضة قبل عقدين في بلد ما حيث كان مشهورا بقول لا حتى عند قول اسمه فكان اهل المحلة يقولون عنه مندوب المعارضة المدخنة حيث كان يظهر على التلفاز دوما بصورة المدخن الشره تحت قبة البرلمان كل المذكور سابقا ساهم في تسليم راية المعارضة الى اولئك الذين فروا بجلودهم قبل عقود وعاقروا الحياة كبشر في بلاد الغرب ثم درسوا واقع منبتهم الاصل فوجدوا الفرصة سانحة فركبوا موجة التنظير ضد الحكم الشمولي وهذه ثانية الاثافي التي صاغت هذا النوع من المعارضة.

ثالثة الاثافي التي ربما يصنفها البعض على انها جزء من نظرية المؤامرة هي ان هذه المعارضة الفندقية تعرضت نفسها للاستغلال من قبل الدول الغربية وفي الاعوام المنصرمة دليل وألف دليل على ما اقول، فما معنى ان تتدخل دولة ذات وزن سياسي في العالم اجمع من اجل ان يكون فلان بعينه او جمعية بعينها في برلمان ينتخب او يزكى او يصنع او يلفق اختر ما شئت نعم المعارضة النظرية التي كانت في الخارج لا تعدو كونها خديعة كبرى تعرضنا لها جميعا.

معارضة تريد تفصيل نظام حكم يناسبها

بعد أن هدأت رياح الثورات الاولى وقبل ان تتحول لأعاصير مسلحة، كانت هناك فترة قريبة من أن تسمى فترة هدوء انتظرنا فيها اولئك المنظرين الذين تابعناهم عقودا ليكونوا قيادة فاعلة في صياغة الحقوق والحريات واقعا لا كتابة، وإلا فعبيد امريكا وأرامل روسيا كانوا يضمنون دساتيرهم مثل هذه الحقوق والنصوص في حال طالبهم اسيادهم بذلك فأردنا الواقع لا التنظير ثم ان الثورات كانت سبقا من الشعوب لكل المحللين والمنظرين والمطبلين والحكام فكان من المرتقب ان يلتحق المعارضون النظريون بركب الثورات وان يتقدموا الشعوب.

وعندما انجلى الغبار تبين ان ما نركبه للأسف حمار وأي حمار، فأول أمر طالب به هؤلاء كان تفصيل دول اقصائية طائفية أو ذات طابع يليق بتفكير المنظر لا واقع الناس، فلأنه يكره الاسلاميين ولا يتفق معهم ايديولوجيا عمل على اقصائهم وتشويه سمعتهم وأهدافهم، واستغرق جهده في التنظير لأجندته الشخصية لا ما يطلبه الناس مع انه كان يصدع رؤوسنا بالحديث عن الدولة المدنية والمواطنة وحقوق الانسان وحرية الرأي والتعبير وغيره من حذلقات دمى الغرب المسمون جزافا بالمعارضة وان كان المذكور اعلاه له مواقف ضد اليسار او تيار اخر فانه يفعل ما فعله في السابق ويشيطن الكل ليبقى هو الملاك الحارس للشعب وثورته.

المعارضة التنظيرية تعيد الدولة العميقة إلى الواجهة

هذا الفعل الاحمق المذكور أدى الى نتائج عكسية تماما لما تريد الشعوب فبدل من دول حرة وشعوب تتنفس عبق الاجواء الحرة اعادت المعارضة النظرية إلى واقعنا ما يسمى بالدولة العميقة، فبدل اصلاح الحال استصلح هؤلاء من فتات الانظمة السابقة وأدخلونا في دوامة الحال المذل الذي نحن فيه

وهذا ما يمكن ان يسمى صحبة الدب في القصة المشهورة فان انسانا صاحب دبا واصطحبه يوما في رحلة ربيعية وخلد الانسان للنوم مرتاحا ان الدب يحرسه ثم وقعت ذبابة على وجه الانسان فأراد الدب ذبها دون ان يعكر نوم صاحبه فما كان منه إلا ان شدخ رأسه بصخرة كبيرة ونجت الذبابة ومات الانسان غير ان الفرق بين الدب والمعارضة النظرية ان الدب يعذر بالجهل والبهيمية كما يقول الفقهاء اما معارضة التنظير فلا عذر لها لأنها تفعل عامدة وتخرب جاهدة.

وهنا نربط هذه المعارضة التنظيرية النظرية بمعادلة الاذلال في المنطقة فهي اما ربيبة ماما امريكا وأما عازفة الايقاع لاستعراضات بابا بوتين او تأتيها المواقف المعلبة من فتوة المنطقة ايران وحتما تستغل وجود الاسلحة بيد الغلمان لتكرس الدول العميقة وتتشدق بمراعاة حال السياسة الدولية و غيره من خدع لم تعد تنطلي إلا على الرويبضات وأصحاب اللاموقف.

والخلاصة تقول انه كما قالت العرب ما حك جلدك مثل ظفرك فتول انت جميع امرك نعم لقد ثبت بالدماء القاطعة وبالأشلاء المتناثرة ان من يهرب من بلده ليعارض من الخارج ويمعن في توصيف الواقع وتغريه حريات الغرب الحصرية في بلادها يصاب بداء الانفصال عن واقع شعبه ومعاناته وهمومه وان وثق كل لحظة وكل همسة طبعا والاستثناء تحصيل حاصل للمخلصين الذي لا يشك فيهم احد والكل يعرف ظروف خروجهم بل اخراجهم من بلدانهم غير ان الحديث ها هنا عن الذين مارسوا المعارضة النظرية قبل الربيع العربي وكرسوا الدولة العميقة والحكم الشمولي بعده ثم عادوا الى اوكارهم وقد استحالت البلاد اطلالا وتكرس حكم الطغاة فهؤلاء مقصودون بكل حرف وحركة ولهم بإذن الله ما يتفردون به من بحث عن سبب فشلهم حتى في قيادة قطيع اغنام بعد الثورات؟

أضف تعليقك هنا

مروان محمد ابو فارة

مهتم بالحالة الفكرية للأمة
أبلغ من العمر 35 عاما
أمضيت في سجون المحتل الصهيوني عشرة أعوام
أحمل شهادة البكالوريوس في المهن الصحية تخصص تمريض
من فلسطين المحتلة