الدراما التركية :هيمنة ثقافية أم تفوُّق ثقافي ؟

الثقافة الجماهرية ، هي ظاهرة مستحدثة إزدهرت بإنتشار وسائل الإعلام الجماهرية. إن المتأمل في واقع الشاشات العربية اليوم ، يجد أن المسلسلات التركية تغزوها ، أضحت هذه الأخيرة ظاهرة شعبية إجتاحت مجتمعاتنا خلال عقد من الغزو فقد شرعت الفضائيات العربية بتقديم أول عروض المسلسلات التركية على شاشاتها عام 2006.

في تلك الفترة كانت نسبة المشاهدة لهذا النوع الجديد من المسلسلات نسبة ضئيلة مقارنة بغيرها من الأعمال الدرامية المصرية و السورية خاصة. ثم سرعان ما كسبت الدراما التركية نصيبها من المشاهدين لتلاقي رواجا منقطع النظير مع عرض سلسة “نور” بداية سنة 2008. دخل هذا المسلسل التاريخ بأكثر من 85 مليون مشاهد في منطقة الشرق الأوسط و شمال إفريقيا ليصبح أول مسلسل تركي يحقق نجاحا مماثلا ، الأمر الذي لم يكن يتوقعه الممثلون و المخرج و طاقم العمل بأكمله.

الحب في المسلسلات التركيةالمسلسل التركي يقدم وجبة رومانسية وانتشاره يدل على مدى افتقاد المرأة العربية للحب حسب المقاييس المثالية

واقع لا مفر منه

من الجلي ان الحب هو المكون الرئيسي لكل مسلسل أو أغنية ناجحة ، ذلك أن الثقافة الجماهرية هي بالأساس ثقافة تخاطب العاطفة : لا يمكننا أن ننكر أن أحدنا قد وجد نفسه في فترة ما مدمنا على أغنية عاطفية أو فلم رومنسي. إن الحب -سواء إعترفنا بذلك أم لا- هو هاجس كل واحد فينا و هذا ما يفسر نجاح القائمين على صناعة الثقافة الشعبية (نعم ، إنها “صناعة”) في إستغلال ذلك لصالحهم ، و تحويل الحب إلى موضوع نمطي جاهز للإستهلاك ، كما أنه موضوع مربح للغاية.

وبالعودة للحديث عن الدراما التركية

إن المسلسل التركي يقدم وجبة رومانسية و جرعة من الفرحة المؤقتة للنساء العربيات اللات تسحرن بأبطال المسلسلات التركية لانهم مثال لفارس الأحلام : “الوسامة و الرجولة و الرومنيسة” الثالوث القاتل.

ان دل هذا على شيء فهو مدى افتقاد المرأة العربية “للحب” ، أقصد الحب حسب المقاييس المثالية الجديدة. لتجد متنفسا فى مشاهدتها للمسلسلات التركية التى تجعلها تنتقل الى عالم اخر تتشابه فيه تقاليدهم مع تقاليدنا العربية ، لكنه خال من مشاكلنا العربية : التوليفة المثالية لواقع بديل ، مواز.

إن أسباب نجاح الدراما التركية متعددة ، فالإعلام العربي ساهم في صناعة هذه الظاهرة و إستغلها لرفع نسب المشاهدة. صار المشاهد العربي أمام واقع لا مفر منه ، أمام ضعف الإنتاج الدرامي العربي حبيس الموسمية و كثرة (العرض و الطلب) على الإنتاج التركي الضخم الممتد على كامل السنة.

رائحة الدبلوماسية 

هل أن الدراما التركية زلزال ثقافي هز بعنف مبادئ “المجتمع المحافظ” ؟

الإجابة لا طبعا. فالصورة الوافدة هي صورة ترويجية لغطاء ثقافي مشترك يفتح السبيل لعلاقات مستقبلية : لابد من القول أن المسلسلات التركية قدمت للشعوب العربية باقة من الأفكار والموروثات والتقاليد المشتركة. إن التسليم بأن المسلسلات التركية قد غيرت في جوهر المجتمع العربي هو أمر مبالغ فيه.

نتيجة انتشار الدراما التركية

 استغلال تركيا لهذه الظاهرة للترويج لنفسها ديبلوماسيا.

الأكيد ، أن من أهم أسباب انتشار هذا النوع من المسلسلات هو الطابع الاجتماعي الغالب عليها الذي أكسبها إقبالا جماهيريا كبيرا. حيث ان المتابع لهذه الدراما يجد نفسه مدمنا عليها و راغبا في كل ماتحتويه حيث فلا يقتصر الأمر على الحب !

السياحة العربية إلى تركيا

بعد عرض هذه المسلسلات تنامت حركة السياحة العربية إلى تركيا ، و ظهرت موضة الأسماء التركية للمواليد الجدد ، و غزت التصاميم التركية الأسواق (خاصة تلك المستوحاة من المسلسلات التارخية) ، و إليكم المفاجأة :

نسب الطلاق

إرتفعت نسب الطلاق ! حيث أن التصور المثالي لعلاقات عاطفية رومنسية و نهايات سعيدة ، جعل المرأة العربية تبحث عن تلك المواصفات المبالغ فيها لفارس الأحلام ، الشيء الذي دفع البعض منهن لتقديم دعاوي الطلاق ضد أزواجهن بدعوى “عدم الرومنسية”.

ان الربح المادي هو الذي يسير معظم شركات الإنتاج ، و ستظل هذه العلاقة الجدلية تحكم الواقع في ظل غياب بديل ، مما يعني تواصل تدفق الإنتاج الدرامي التركي على الأسواق العربية.

فهل يمكن لهذه الظاهرة الفنية التأثير على المجال السياسي خصوصا أن تركيا حاليا طرف مؤثر فيما يخص السياسات المتعلقة بالشرق الأوسط ؟

فيديو المقال

أضف تعليقك هنا

عبير قاسمي

عبير قاسمي

من تونس

في يدي قصفة زيتون و على كتفي نعشي.