إذا جمعنا تلك الجزئياتِ الفائتةِ المتناثرةِ– من الهجمةِ الشرسةِ على السنةِ النبويةِ متمثلةً في الهجومِ على “صحيح البخاري” ، و الهجمةِ الأخرى على الإيمانِ بالغيبِ متمثلة في “إنكارِ عذابِ القبرِ” ، ثُمَّ ثالثةً الأثافي و هي العملُ على تدميرِ الأخلاقِ تحت شعارِ حريةِ الإبداعِ و الحريةِ الجنسيةِ -و وضعناها جنبًا إلى جنبٍ ، وجدنا صورةً واضحةً متكاملةَ الأركانِ ، و بدا حينها لكلِّ ذي عينين أنها حملةٌ ممنهجةٌ لتدمير ما يلي و إزالةِ آثاره من المجتمع :
أولًا : السنَّةُ النبويةُ
ثانيًا : الإيمانُ بالغيبِ
ثالثًا : الأخلاقُ المجتمعيةُ الحسنةُ أو الأخلاقُ الإسلاميةُ .
المقوماتِ الأساسيةِ للحضارةِ الإسلاميةِ
فإذا علمنا أنَّ المقوماتِ الأساسيةِ للحضارةِ الإسلاميةِ و التي تميزها عنْ غيرها تتمثلُ فيما يلي :
أولًا : التوحيدُ للهِ عزَّ و جلَّ .
ثانيًا : الإيمانُ بالغيبِ .
ثالثًا : الأخلاقُ الإسلاميةُ الحسنةُ .
رابعًا : الاتباعُ للمصطفى – صلى الله عليه و سلم – .
فعندئذٍ يبدو الأمرُ واضحًا للعيانِ أنَّ الأمرَ ليس إلا حملةً شرسةً على الحضارةِ الإسلاميةِ و أسسِها و قواعدِها و مقوماتِها ،و التي هي السبيلُ الأوحدُ لمقاومةِ الاحتلالِ و عدمِ الإذعانِ له ، و لكن على طريقةِ “نابليون بونابرت” في ادعاءِ محبةِ الإسلامِ و احترامِ الأزهرِ الشريفِ و تقديرِ علمائِه ، لكي يقومَ في النهايةِ بهدمِ الإسلامِ الحنيفِ و إغلاقِ الأزهرِ الشريفِ .
فإذا علمنا أنَّ قادةَ المستشرقين من الغربِ ممن اهتموا بدراسةِ الإسلامِمِنْ أجلِ العملِ على تدميرهِ من داخلِه ، قد توصلوا لأنَّ الخطَ الحقيقيَ الذي يُقَسِّمُ العالمَ إلى غربٍ و شرقٍ هو الخطُّ الدينيُ ، و توصلوا –أيضًا- إلى أنَّ الدينَ الصحيحَ و التدينَ الحقيقي- غيرَ المزيفِ و لا المغشوشِ- هو أكبرُ سبيلٍ للممانعةِ و المقاومةِ للاحتلالِ و السيطرةِ على الشعوبِ و نهبِثرواتِها .
و أنَّ المتدينَ بحقٍ لا يمكنُ أبدًا أنْ يرضى لنفسِه الخسفَ و الذلَ و الهوانَ ، و لا يقبلُ أبدًا أن يعيشَ تحتَ وطأةِ ذلِّ المحتلِ الغاصبِ.
و أنَّ تَديُنَه يحملُه حملًا و يؤزُه أزًا على مقاومةِ المحتلِ و مقاتلتِه ، حتى ينالَ إحدى الحسنيين ، إما النصرَ و إما الشهادةَ .
علموا علمَ اليقين أنَّ الخطرَ الحقيقيَ على بقاءِ الاحتلالِ و أهلِه و استمرارِ وجودِه لا يأتي إلا من الإسلام ِنفسِه ، فكانتْ حربُهم منصبةً على الإسلامِ ذاتِه لا على غيره .
دراسةُ الإسلامِ لتدميرِه
و وجدوا أنَّ السبيلَ إلى ذلك هو دراسةُ الإسلامِ دراسةً وافيةً جيدةً و العملُ على تدميرِه من الداخلِ ، و تفريغِه من مقوماتِ قوَّتِه ، و حضارتِه ، و التي تعطيه قوةً ذاتيةً يبثُها في أبناءِه مما يجعلُه يمثلُ رفضًا دينيًا للاحتلالِ ، كما أنَّ الكنيسةَ المصريةَ -و هذه شهادةُ حقِ و بغضِّ النظرِ عن أيِّ اعتباراتٍ أخرى – كانتْ و لا زالتْ تمثل الرفضَّ الحضاريَ للاحتلالِ الغربيِ عبر التاريخِ .
فكانتْ نتيجةُ دراساتهم يمكنُ تلخيصُها في حلٍ سحريٍ و هو ما أُطلقَ عليه اسمُ :”التغريب” ، و الذي يقصد به تحويل المجتمعاتِ العربيةِ و الإسلاميةِ إلى مسوخٍ تشبهُ العواصمَ الغربيةَ و لكنْ من الظاهرِ فقط دون الباطنِ ، و الذي تبدأُ أولُ مراحله بالإلحاحِ “في إقناعِ أممِ الشرقِعامةً و المسلمينَ منهم خاصةً أنهم أممٌ متخلفةٌ في تاريخِها و تراثِها و صميمِ تكوينِها” ، و أنَّها لكي تخرجَ منْ حالةِ التخلفِ هذه فعليها أنْ تنفصمَ انفصامًا تامًا عنْ كلِّ ما يربطُها بماضيها و أنْ تُطَلِّقَ تراثَها طلاقًا بائنًا لا رجعةَ فيه ، و أنْ يَلْعَنَ الأبناءُ الأجدادَ و الآباءَ الأولون ، و أنْ يتبرؤوا منهم ، و أنْ يعلنوا أنَّهم –أي الأجداد – هم سببُ البلاءِ و التخلفِ ، و أنْ تسعى هذه الأممُ بنفسِها إلى البراءةِ منْ كلِّ ما يميزها عن غيرِها من الأممِ .
وفي المقالِ القادمِ … للحديثِ بقية … إنْ شاءَ ربُّ البرية .