الفتنة نائمة بين قوامة العدل وشراسة الظلم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

العدل به يتم تجنب أي فتنة

العدل أساس الملك ، وقاعدة دوامه ، وأصل صلابته ، ومجنبه من الانهيار ، والحافظ للدول من الدمار.
يقول الله تعالى في سورة المائدة {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8)}.
ويقول عزوجل في سورة الأنعام {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى}.

وفي سورة النساء {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135)} فالعيش بتساوي الحاكم والمحكوم ، الراعي والرعية ، المدير والموظف ، هوالضامن لقوة السلطة ، الزارع للثقة بينهما.

إن أراد الحاكم البقاء ما عليه إلا تثبيت دعائم الإنصاف ، فيحبه الناس ، ويرغبون في بقائه ، ويرغبون عن ذهابه ، بل يخشون حكم غيره احتراسا.
إن من مدعمات السائس تواضعه مع مختاريه ، إصغاؤه لما يهمهم ، تحصيله منافعهم ، درء المفاسد عنهم ، تبادل النصائح بينهما ، فواجبهم تقديم النصح ، وفرضه تقبله ، فلا خير في مأمور لا يدلي به ، ولا خير في أمير لا يسمعه.

عن تميم بن أوس الداري ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (الدين النصيحة ث?ثا ) ، قلنا لمن يا رسول الله ؟ ، قال : ( لله ولكتابه ولرسوله و?ئمة المسلمين وعامتهم ) ( رواه مسلم.)

إن تبادل الإرشاد بينهما مفض إلى تجسيد الثقة ، والسلامة من الفتن ، خاصة إذا التزم الناصح بالإخلاص والمنصوح بالقبول والتنفيذ.

إن قبولها ثم تنفيذها إذا كانت في إطارها الصحيح يزيد المرؤوس تضحية لإعانة الرئيس ، والمؤمن بذلا مع أميره ، والموظف جودا مع مديره .
إن كل ذلك لن يزيد نظام الحكم منحا فحسب بل يقي من البلية المنتظرة آجلا أم عاجلا.

إن للإنسان كرامة يأبى إهانتها بظلم أوإجحاف في تشريعات وقوانين.

قد يتوهم حاكم أن الاستهتار بالإنسان ، والتسلط الفاحش ، والاحتقار المهين ، والتعامل الأمني مكسب هيبته ، فيخشاه الناس ، ويهابونه ، لكن الحقيقة أنه إخفاء لروح الانتقام لا ندري متى تنفجر ؟

لو قارن الحاكم بين حب شعبه وقهره لألفى الحب جالبا الحب ، والخشية من الله فيه جالبة للنعم ، مذهبة للبغضاء.

قد نكون وسط عقلاء حكماء من القوم يعيشون بتأثير التجارب الحلوة والمرة ، يتريثون ولايتسرعون في الشغب الذي ينتفض في وجه كل ظلم.
هذا ما تعيشه بعض دولنا ممن لم تتزلزل بالربيع العربي المنسوج على منوال الغرب ، المخطط بإحكام ، المهيأة نتائجه بإتقان.

الفتنة في سوريا والعراق واليمن ومصر

إن واقع سوريا والعراق واليمن ومصر ليس بعيدا عنا ، فلا نريد تجربة حياة اللاجئين في الكهوف والخيام والشاليهات على فتات المانحين ، بالذل والمهانة.

لكن لن يتأتى ذلك إلا بقطع الطريق أمام الفتنة من قبل القائمين بالدرجة الأولى قبل مناوئيهم ، لن يتأتى بمنح الفرصة للضوضاء ، لن يتأتى بفتح جبهات معها.

إن الفتنة إذا أقبلت عرفها كل عاقل ، لأنه يعرف بداياتها ، إرهاصاتها ، أسبابها ، ملامحها ، يعرف مآلاتها بسبب تجربة صقلت قريحته ، فيسارع إلى قطع أواصرها ، يبادر إلى تقليم أشواك قد تنمو لإثارتها ، يبادر إلى تهدئة الوضع قبل هيجانه.

أما الجاهل إن كان حاكما تهيأ له السلامة من كل هرج بعنفوانه وجور هواه على رعيته فتأتيه من حيث لم يرها ، وإن كان محكوما تتهيأ له السلامة منها بمجانبة الصحيح في الدلالة والبيان ومقارعة النظام بشدة وتطرف.

حتى إذا وقعت لم يدر كل منهما ما يفعل ولم ير لها إلا تدميرا ، تتدفق طوفانا ، وإذا أقلعت السماء وابتلعت الأرض ماءها ذهبت تاركة وراءها الحطام والأطلال فيعرف خطرها حينها ويتحسر على ما فات من الغلو.

كيفية تجنب ايقاظ الفتنة النائمة؟

إن الشعوب لا تريد من الحكام إلا إنصاتا لما يؤلم حالها ونظرة واقعية لكل المشاريع والقوانين خدمة للشعب لا استغلالا له.

لذلك أنادي بأعلى صوتي الحكام قبل المحكومين أن أحبوا الناس ، اقسطوا بينهم وفيهم ، أعيدوا النظر في كثير من الأمور ، فإن الصبر قد ينفد والضحية بلادنا.

أدعو بكل نصيحة وأخوة صادقة إلى التسطير الجاد في تسيير الأموال ، وتيسير المعاش ، والتخفيف من وطأة القوانين المعسرة على المواطن ، والثقة حياله ، والتساوي في الأجور على أساس الشهادة العلمية ، والكفاءة المهنية ، لا على أساس المنصب أو الجنس أو غيرها من المعايير المميزة بين الناس ، تشجيعا على العلم لا على النهب بالجهل ، وتحلي الحاكم بالمحاسن فيقتدي المحكوم.

ولا عيب إن أعادت السلطة النظر من جديد فيما تم سنه من قانون المالية بأحكام تكميلية كعادتها تهون عن الجيوب التعسف الثقيل ، كما حدث لكثير من الاستجابات الماثلة أمامنا التي حدت من وطأة الإجحاف.

بعدها سنرى شعبا يحبها ، بل ويمنع تركها منصبها ما دام حيا كما حدث لرئيس وزراء سنقافورة السيد لي كوان يو.

إن الفتنة نائمة بين شراسة الظلم وحنان العدل ، فإذا غلب العدل بقيت في سباتها ، وبمجرد بداية انحياز الغلبة للظلم بدأت إفاقتها من غفوتها، فليغلب الحاكم العدل كي يدعها في رقادها أبدا.

أضف تعليقك هنا

سعد الدين شراير

الأستاذ سعد الدين شراير