حرب النظام الجمهورى

حينما هتفت الجماهير في يناير 2011 “الشعب يريد إسقاط النظام” ، لم يكن يعلم أي نظام يطالب بإسقاطه هل هو النظام السياسى الحاكم أم نظام الحكم الذى يحكم الدولة ككل ؟.

الشعب تم تضليله واختلط عليه الأمر فكان ظاهر هتافاته في الميادين والشوارع العامة الشعب يريد اسقاط النظام بمعنى اسقاط النظام السياسى الفاسد المتمثل في رئيس الدولة والحزب الحاكم والبرلمان وأيضا أحزاب المعارضة التي تعتبر هي الأخرى جزءاً من النظام السياسى ، وكانت الحقيقة الكامنة المقترنة بالشيطان الذى دائما يكمن في التفاصيل أن هذه الشعارات المبطنة بالمطالبة بإسقاط النظام هي في الحقيقة تطالب بإسقاط النظام الجمهورى الحاكم للدولة والذى تم إعلانه عقب ثورة 1952 وعليه تأسس شكل الحكم في الدولة وتُتداول السلطة دون الاخلال بشكله أو بمحاولة إزاحته أو الانقلاب عليه.. وبالتالي في وجهة نظري هذا المطلب ما هو الا محاولة علنية لقلب نظام الحكم باستخدام الشعب نفسه واستغلالا لظروفه.

المطالبة بإسقاط النظام من قبل أعداء الجيش المصرى كانت تعنى ذلك ، دون أن يدرك الشعب المصرى المغزى من وراء هذا المطلب الى أن ظهرت الحقيقة الى العلن في تحدى واضح للنظام الجمهورى استنادا على الشعب المُضلل فى شهور ما بعد فوضى يناير وبدأ أعداء النظام الجمهورى المطالبة علنا وعلى رؤوس الأشهاد في مظاهرات شعبية بالمطالبة بإسقاط حكم العسكر قاصدين بذلك القوات المسلحة الذى تعتبر القلب الصلب للنظام الجمهورى وحامية أركانه ، فظهر الوجه القبيح لما سمى بالثورة الشعبية التي طالبت في الظاهر بمطالب اجتماعية اعتبرناه جميعا مطالب عادلة ومشروعة ولكن في باطن من حركها كانت المطالبة بإسقاط النظام الجمهورى نفسه الذى يشكل أركان وأعمدة الدولة ومحاولة الانقلاب عليه.

لم تكن مطالبات اسقاط حكم العسكر كافية بالنسبة لأعداء النظام الجمهورى الحاكم للدولة المصرية كافية بل تم محاولة استدراج عناصر القوات المسلحة الى مواجهات مع الشعب خلال مظاهرات الفوضى عام 2011 في أماكن وأوقات مختلفة من ميدان التحرير الى ماسبيرو الى محمد محمود الى مجلس الوزراء وكان الهدف واحد وهو جر القوات المسلحة واستفزاز عناصرها للإيقاع بينها وبين الشعب وهو المخطط الذى أدركته قيادات القوات المسلحة الذى حاولت بنجاح ضبط النفس حتى لا ننزلق الى مستنقع يشبه مستنقعات في دول مجاورة كـ سوريا وليبيا بالصدام

مع الشعب ثم الانزلاق الى الحرب الاهلية وهو ما تمناه في الحقيقة أعداء النظام الجمهورى.
كان البديل للنظام الجمهورى في حالة سقوطه سيناريو من اثنين:

الأول: نظام ثوري عميل للغرب يقوم على خدمة سياسات الدول الغربية التي رعت شباب المنظمات والجمعيات وبعض الشخصيات الليبرالية التي قامت بتحريك الجماهير ضد النظام حتى سقوطه وبقيادة الجاسوس الأكبر وعراب الفوضى في مصر محمد البرادعى ربيب الغرب.

الثاني: نظام الخلافة الذى كاد أن يتحقق بالفعل مع وصول تنظيم الاخوان الى حكم الدولة .. فهذا التنظيم بأعضائه وقياداته لا يؤمنون أصلا بفكرة النظام الجمهورى الذى أعلنه عدوهم اللدود جمال عبد الناصر نظاما حاكما للدولة عقب الثورة المباركة في 1952 وبالتالي هدمه كان أمرا حيويا لتمكينهم من مؤسسات الدولة تمهيدا لإقامة نظام الخلافة المزعوم فرأينا عمليات أخونة متسارعة داخل أجهزة الدولة العميقة ثم استقطابا لشخصيات ليبرالية ومواجهات مع القضاء ومع الاعلام والداخلية ثم مع الشعب نفسه الذى أسقطهم في نهاية المطاف في 30 يونيو 2013.
النظام الجمهورى الحاكم وقواته المسلحة قلبه الصلب استدركوا الأمر وقرروا عدم الاستسلام الى محاولة قلب نظام الحكم عن طريق الفوضى المقنعة بقناع الثورات وقرر الانتقال من حالة الدفاع الى حالة الهجوم حينما استجابت لنداء الجماهير في 30 يونيو بعد ان استعادت ثقتها المفقودة نتيجة عمليات التضليل ومحاولات الإيقاع بينها وبين الشعب خلال عامين ونصف من الفوضى المنظمة وقررت قيادة المشهد بإزاحة رموز الفوضى العنفة سواء كانت ثورية أم متأسلمة ومضت بخطى حثيثة لاستعادة الشعور الوطني واستعادة الهوية المصرية التي كادت أن تندثر.
اللحظة الفارقة لحالة هجوم النظام الجمهورى على خصومه تمثلت يوم اعلان وزير الدفاع الفريق أو عبد الفتاح السيسى خلع زيه العسكرى وترشحه لرئاسة الجمهورية بناءاً على ضغط شعبى واضح وتاريخى ، وهذا القرار لم يكن قرارا عبثيا تم اتخاذه في لحظة عاطفية بل هو قرار تم اشباعه فحصا ودرسا وكأنه قرار حرب.

بالفعل هو كان قرار مثل قرارات الحرب.. حرب النظام الجمهورى وصراعه من أجل البقاء.. حرب فُرضت عليه وبالتالي فرض عليه القتال عسكريا ومدنيا.

قرار ترشح الوزير عبد الفتاح السيسى في حينها كان قرار تم الاتفاق عليه بينه وبين قيادات المسلحة في اجتماع مغلق قبل إعلان الترشح بشهرين تقريبا.

دار في هذا الاجتماع الاتفاق على مبدأ واحد وهو منع سقوط الدولة كخيار استراتيجي ، فقام الفريق أول عبد الفتاح السيسى بعرض رؤيته لإنقاذ الدولة المنهارة جراء عقود من الفساد التي نخرت عظامها والتي تبعها سنوات من الفوضى بهدف إسقاطها وإفشالها، وكان الاتفاق على أن تدعمه وتعينه القوات المسلحة بفوائض إمكانياتها لإنقاذ الدولة وإعادة تأهيل إمكانياتها، فكل ما رأيناه بعد ذلك من مشروعات قومية عملاقة بكل تفاصيلها التي نعلمها جميعا كانت من أجل تحقيق التنمية الشاملة لمنع سقوط النظام الجمهورى الحاكم للدولة المصرية وإعادة حقوق الشعب المسلوبة التي حرم منها سنوات طويلة وهى ذات الحقوق التي قامت على أساسها ثورة 1952 بمطالبها الستة المعروفة وأهمها تحقيق العدالة الاجتماعية.

كان هذا طبعا بالتوازي مع حرب الدولة ونظامها الجمهورى ضد الارهاب في سيناء وفى العمق الداخلي للدولة، والذى استهدف مؤسسات نظام الدولة بشكل مباشر فلم تسلم قوات الشرطة والجيش والقضاء والشعب نفسه من هذا الإرهاب الذى يستهدف وجود الدولة ونظامها فكانت هذه الحرب هي صراع من أجل البقاء ليس بقاء النظام الجمهورى فقط ولكن الدولة ككل بمفهومها الشامل للمؤسسات والشعب.
في الحقيقة هذا النظام الجمهورى في حالة ثورة من عام 52 وفى حالة هجوم مستمر للدفاع عن محاولات استهدافه واستبداله مرات ومرات، مرة بالحروب ومرة بالإرهاب ومرة بالفساد ومرة بالفوضى ثم بالإرهاب مرة أخرى ومازالت الحرب دائرة يأبى فيها النظام الجمهورى الحاكم للدولة المصرية ان يخسر فيها ذلك ببساطة لأنها حرب وجود، يكون أو لا يكون.

الحق أقول لكم إن النظام الجمهورى الحاكم بمبادئه الأساسية هو الضامن الوحيد لتحقيق الاستقرار والتنمية في ظل بحر هائج من الفوضى في منطقة الشرق الأوسط وهو الضامن والحامي للشعب من محاولات استهداف وحدته وبقاءه، وبالتالي مسؤولية حماية النظام الجمهورى ليست مسؤولية مؤسسات الدولة وحدها جيشاً وشرطة فقط بل الشعب أيضا مشترك في هذه المسؤولية بشكل أساسي.. وإنني كمواطن مصري بناءاً على ما سبق ” أقسم بالله العظيم أحافظ مخلصاً على النظام الجمهوري، وأن أحترم الدستور والقانون وأن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة، وان أحافظ على استقلال الوطن ووحدة وسلامة أراضيه”.

أضف تعليقك هنا

محسن حامد

من مصر