عن الهامش سلسلة انبوب اختبار “6” – الأسرى المحررين من سجون اسرائيل، إهتمام أم تنظير وتهميش؟

قضية الأسرى أساسية لدى جميع الفلسطينيين

تعتبر قضية الاسرى من الاهمية بمكان بحيث لا يجرؤ احد من العاملين للقضية الفلسطينية ان يصيغ خطابه للجماهير دون ان يعرج عليه او يجعله هدفا من اهدافه الوطنية وشعاراته الرنانة.

ذلك ان الاسرى في الحالة المثالية للقضية الفلسطينية يعتبرون واحدا من الثوابت التي لا يختلف عليها احد ولا يمكن ان يقلل من قيمة هذا الثابت إلا من كان لديه امر اخر يستطيع ان يناور به كالمال السياسي والحكم الشمولي.

هل هو إهتمام بالأسرى أم تنظير وتهميش؟

غير انه وكما هو معلوم في الحياة الواقعية فان التنظير المثالي منقطع النسب مع الواقع بصورة او اخر والحديث هنا عن التعامل مع شريحة الاسرى قبل وبعد تحررهم فان الاسرى يعانون نوعا من التهميش المتعمد نوعا ما، حيث يمكن القياس وبصورة واضحة على حالة الاسير المضرب عن الطعام بعد انهائه اضرابه، فكما ورد في طبائع الاستبداد قبل قرن ونيف فان ثوراتنا وتحركاتنا الثورية واحتجاجاتنا غالبا ما تكون ناقصة ونكون نحن في التعامل معها تماما كراكبي الامواج تعنيهم الموجة حين علوها وذروتها، ولا يعنيهم اين مآلها في اخر الامر، فالأسير المضرب عن الطعام بعد ان ينهي اضرابه ينال التهنئة ليوم او يومين ثم يطويه الثقب الاسود الخاص بالنسيان عند هذا الشعب فلا تسمع به بعدها إلا اذا تحرك هو بعد تحرره واستغل الحملة عنه اثناء اضرابه وجعل ذلك منصة للتحرك والتأثير حسب رأيه الشخصي، وإلا ان كان ممن لا عدة لهم من القدرة على الحديث ولا تتاح لهم المنابر الاعلامية فانه يبقى في صحراء النسيان كما كان قبلا.

وربما يظن البعض ان الكلام فيه مبالغة غير اننا في عصر تقريبا لا تخفى فيه خافية وان تجشم عناء البحث عن قضية الاسرى لوجد ان الاسرى الواقعين تحت مجهر التركيز اما ان يكونوا مرضى مدنفين تعمل المباضع الصهيونية فيهم تجاربا وأخطاء، او اخرين بلغوا من السجن عتيا وتطلق عليهم القاب العمداء وغيره من الالقاب الترطيبية، او اطفال في اقسام تجارب مطلقة ويتم اختيار هذا المزيج لصياغة مظلومية ما وصورة تتبعها صورة واسم يتبعه اسم دون ان ترى حلا في الافق.

ثم اذا خرج هذا الاسير الى ربوع الحرية كان لا بد له ان يتسلح بكمية لا باس بها من الاوراق الثبوتية والتواقيع المتعددة والمراجعات المتلاحقة ويكفيك ان تعلم ان الاسير المحرر الذي امضى في سجنه خمس سنوات فما فوق بحاجة الى اداء تعهد عدلي انه ليس لديه دخل اخر غير الدخل الذي يناله من هيئة الاسرى والمحررين، وانه ان كان فلا يجوز ان يتعدى الفي شيكل أي ما يقارب ثلاثمائة دولار امريكي وان كان وتعدت فان يقع في حيص بيص ومسائلات تطول ولا تنتهي وعن هذا التعامل، لا بد من حديث.

هل أنت أسير من منظمة التحرير، أم من المريخ؟ تجد أن هناك من يخاف التعامل مع الأسير المحرر، خوفا على لقمة العيش من كف المحتل الصهيوني

حيث هناك طائفتان من الاسرى المحررين اولئك التابعين للفصائل المنطوية تحت لواء منظمة التحرير حيث يعاملون معاملة تختلف عن اؤلئك القادمين من المريخ او الزهرة غير المنطويين تحت لواء المنظمة فمثلا في بلد ما كان معظم الاسرى المحررين من المريخ والزهرة وامضوا اعواما مديدة من اعمارهم في السجون وكان هناك اسرى اخرون امضوا شهورا معدودة وعندما قرر المتنفذون ان يكرموا الاسرى المحررين استدعوا اصحاب الاشهر القلية وكرموهم على انهم طلائع المد الثوري الجارف القادم واستثنوا الاخرين مع انهم كثر، غير انهم غير مدموغين بطابع الانطواء تحت مظلة منظمة التحرير.

الاسرى المحررين من غير ابناء منظمة التحرير وسياسة الباب الدوار

وان كنا قد تحدثنا عن نوع واحد من التمييز فلا بد من الحديث عن ملف اخر شديد الحساسية ولا يمكن المرور عنه مرور الكرام حيث انه وبعد احداث الانقلاب على الحكومة في غزة من قبل الخاسرين في الانتخابات صار الاسرى المحررين من غير ابناء المنظمة هدفا مشروعا وصاروا يعانون من سياسة الباب الدوار ما ان يخرجوا من سجون المحتل حتى يتم استدعائهم للسؤال والتحقيق وربما السجن عند ابناء جلدتهم وتكون الاسئلة عن امور كان الاسير المحرر قد حوكم عليها في سجون المحتل والتجارب مريرة والتفصيل مؤذ وهذه الحالة تشكل التطبيق الحقيقي للانفصام الذي يعاني منه المنظرون والمحللون لمثل هذه التصرفات حيث يكون الاسير عندهم مقدسا عندما يكون في سجون المحتل ثم ينقلب الى هباء اذا سجن في سجون بلده ويا لها من مفارقة عجيبة تتحدث عن عمق الهوة بين اسير وآخر نتيجة لحسابات سياسية معقدة.

الاسرى المحررين المعارضين للشرعية ومنع الرواتب

ثم ان هناك ما يسمى المنع من راتب الاسير المحرر لأنه معارض للشرعية حيث تمثل هذه المحطة التجسيد الفعلي لحياة الاقصاء والإلغاء التي يحياها الاسير المحرر فكما تعلم لا احد يرغب في ان يعمل لديه او يتولى اعماله رجل يتكرر اعتقاله وتكثر الاستدعاءات له من كل الجوانب مما يضطر الاسير المحرر من غير ابناء المنظمة ان يتحرى عملا خاصا يسد به الرمق ويسعى لتحسين ظروفه المعيشية بالإضافة الى راتبه كأسير محرر وإلا فانه يمثل البطالة المقنعة بحذافيرها وهناك حالات مشهورة اعلاميا يمكن متابعتها لمعرفة حقيقة الواقع المرير الذي يحياه الاسير المحرر وان كانت الشعارات الرنانة والمنشورات الفيسبوكية تقول غير ذلك غير ان الخبر ليس كالمعانية وتماما كما قيل لا معنى ان قلوبكم معنا ان كان الكلام هو بضاعتكم وسلاحكم.

الخوف من التعامل مع الأسرى المحررين

وهنا نصل الى التعامل في الحياة اليومية مع بعض الاسرى المحررين حيث تجد ان هناك من يخاف التعامل معه، خوفا على لقمة العيش من كف المحتل الصهيوني ورفاهية العيش الزائف او من يهاب المحاسبة والمراقبة من قبل ابناء الجلدة وشركاء الوطن السليب، فتجد من يسلم عليك بحذر ومن يحدثك همسا حتى تظنن في نفسك الظنون كأنك تحمل طاعونا او مصابا بالجذام.

وهذا ينسحب للأسف على كثير من ابناء الشعب في هذه المرحلة المصلحية المطلقة حيث لا يمكنك ان تفسر هذا التصرف العجيب غير انه نوع من الخور والخوف المبطن والمغلف الذكاء لخداع الضمير فكم قيل عن الاسرى انهم مجانين وأنهم يزرعون ليحصد غيرهم من المنتفعين، وكان القضية محصورة في بيوت محددة والفائدة لجيوب وأشخاص اخرون قادمين من غير مكان وعلاقتهم بالوطن وثوابته وشعبه علاقة نفعية بحتة ولا تبادلية فيها، حيث يعتبر الوطن والشعب مصدر دخل لا غير ولتمت بعدها الوطنية ولتمت القضايا والثوابت وكم من مجهول النسب الوطني صار الان له صولة وجولة لأنه يملك لسانا متملقا وعنقا مطأطأ ويريد للباقي بما فيهم الاسرى ان يخلدوا للشعارات الزائفة ويستكينوا لأوامره ولفصيله كأننا في زمن عبودية مطلقة اما ان تكون عبدا منعما والقيد في رقبته مع القطيع او تكون حرا مطرودا مطاردا محروما من كل شيء حتى من الميتة التي تقارب ميتة الانعام.

الكلام السابق لا يعني ان المطلوب التظلم او رفع شكاية لأحد لان اسيرا منا وهو سيد من ساداتنا قال لسجانه يوما اننا نحارب من اجل قضية فضلى وقيما عليا، ولسنا في السجون من اجل سرقة ماعز او تعد على مظلوم منتهك الحق حتى في الهواء ولكنه توصيف مقتضب لحالة لا بد من الحديث عنها ليعلم الناس ان الامور مختلفة جدا عن التنظير والاستغلال لقضية الاسرى سواء ما زالوا في سجون المحتل او في ربوع الحرية الجزئية المحدودة وان الاسرى وان كانت قضيتهم من الثوابت فإنهم يعانون الامرين في محاولة العيش وان على هامش الحياة لا رغبة في الحياة وحبا لها وإنما مراعاة لقلوب تعلقت بهم وأجساد اضناها التنقل من باب سجن لآخر حتى يقضي الله امرا كان مفعولا.

فالأمر كله يدور على اثبات الفرق بين مركزية قضية الاسرى في الشعارات والاحتفالات والمؤتمرات وبين هامشية حال الاسرى وقضيتهم في الحياة اليومية لشعب مفروض عليه الذاكرة القصيرة وموسمية التعاطف.

فيديو المقال

أضف تعليقك هنا

مروان محمد ابو فارة

مهتم بالحالة الفكرية للأمة
أبلغ من العمر 35 عاما
أمضيت في سجون المحتل الصهيوني عشرة أعوام
أحمل شهادة البكالوريوس في المهن الصحية تخصص تمريض
من فلسطين المحتلة