الاستدلال لديك يدل عليك

أحمد الله و أستعين به.

تبادل الأفكار في المجالس

من خلال مجالسنا وأماكن تجمعاتنا، والتي نتبادل فيها أطراف الحديث في شتى المجالات، قصص وروايات، شعر وأدب، عقيدة وفقه، أحداث يومية، سياسية واقتصادية، تعليم وتربية، وغير ذلك، نستطيع أن نتعرف على ثقافة الشخص من خلال استدلالاته في أحاديثه،

فيتضح لنا علوم الشخص ومعارفه ومجال تخصصه، ومصادره وملهميه ومن يقتدي به، ونتعرف أيضاً على المستمع الجيد والمحاور المهذب، وهذه المجالس لها خصائصها وميزاتها التي افتقدناها في الوقت الحالي، حيث يمكن الحديث فيها بحدود لا يمكن تخطيها ولا السماح بالتجاوزات، وأهمها عدم المساس بالعقيدة، واحترام العادات والتقاليد، والالتزام بالمظهر العام وحسن الأدب في الحديث واختيار المفردة الحسنة، وتلك هي ما يحكم المجلس ويصون حقوقه.

كما أن المواضيع التي يتم تداولها في المجالس تختلف في أولويتها، فتكون الأولوية لمن يتحدث عن الشريعة والفقه والنصح والوعظ، مع اهتمامهم وتداولهم للمواضيع الأخرى. فكان أهل الوعظ والنصح يستدلون بالكتاب والسنة وأقوال العلماء، وكنا نعلم عن البعض محبته لعالمٍ دون آخر من كثرة استدلالاته، فلا يكاد يأتي بأقوال عالمٍ غيره، ولا يقبل نقده أو الإتيان بقولٍ لآخر ولو وافقه، وكذا في باقي المجالات الأخرى.

تبادل الأفكار في وسائل التواصل الإجتماعي

في عصرنا الحالي عصر الـ social media وسائل التواصل الاجتماعي واهتمام الناس بها، حتى أصبحت هي أماكن التجمع الأكبر، والفرصة الكبرى للحوار والنقاش وإبداء الرأي، وطرح الأفكار وبثها، وكل هذا بلا حدود، مما جعل الصورة تتضح لنا أكثر، عن قيم الشخص وأفكاره وانتمائه واهتماماته وملهميه وقدوته، إلا أنه في عدم وجود حدود لها، ورادعٌ لمن يتجاوزها، نجد الكثير لا يتقيد بالحدود والأدبيات، فأصبح الخطأ مسموحاً، ولا أعني المفردات فقط على الرغم من أهميتها، بل بأكثر من ذلك، فأصبحنا نرى تجاوزاً ملحوظاً، ابتداءً من التعريف عن النفس وصورة العرض والمتابعين والتي تعد محددات للشخصية “كما أراها”، وتعطي في الغالب انطباعاً عن صاحبها وتنبؤاً بسلوكياته، فكيف تكون حوارات ونقاش من استهان بها؟!

الاستدلال بين المجالس ووسائل التواصل الإجتماعي في المجالس كان يستدل بشوقي ومحفوظ والمتنبي، واليوم في مواقع التواصل يستشهد بشويعر لم يتعلم نظماً ولا تصويراً

تنوع الاستدلال واختلطت الأفكار عند البعض، فما كان بالأمس تجاوزاً في مجالسنا ولا يستدل به، أصبح اليوم إثراءً للمعرفة ومناسباً للبوح به، وحريةً بلا شرط.

ولا أعلم كيف للبعض أن يتغير فيكون استدلاله بالأمس في المجالس بعلماء السلف الصالح، واليوم في وسائل التواصل يختزل العلم في شخص غير متخصص أو بداعية لم يسلم منه إخوانه الدعاة من النميمة والغيبة، والقدح والتأويل في الفقه والعقيدة، فيتابعه بشدة ويدافع عنه باستماتة، ويسمح لنفسه ما كان قيداً بالأمس فينتقد العلماء والدعاة وأهل السياسة والاقتصاد، كما لا أعلم كيف يكون الاستدلال بالأمس بشعراء ورواة شهد لهم التاريخ، واليوم يسيء لهم فيستشهد بشعراء ورواة لم يشهد لهم غير الفيس أو تويتر، يستدل بالأمس بأحمد شوقي ونجيب محفوظ والمتنبي والفرزدق، واليوم يستشهد بشويعر (تصغير لكلمة شاعر) لم يتعلم نظماً ولم يحسن تصويراً.

ولا أعلم كيف يستدل بالأمس بأهل العلم والتخصص من علماء العرب الأفذاذ، واليوم يستدل بسواقط الغرب ويروج لأفكارهم كـ (علمانية وليبرالية). آه كم اختلف الزمان من استشهاد واستدلال، كنا نستدل بابن كثير واستبدلناه اليوم بشكسبير، عجباً لنا!

لذا أوجه رسالة، وأنصح بمودة، أن يتم اختيارك للمتابعين بعناية، وأن تكون المنشورات بمفردات لائقة وتجنب الاتهام والتصنيف بلا دليل، وحاور بعلم، وناقش لتفهم، وكن منصتاً قارئاً خيرٌ لك من كاتبٍ متحدث، ولتعلم أن الاستدلال لديك يدل عليك.

فيديو الفرق بين بين المجالس ووسائل التواصل الإجتماعي

أضف تعليقك هنا

علي سعيد آل عامر

متخصص في إدارة الموارد البشرية