كيفية تسويق الدول لنفسها – الوضع المصري وكيف يمكن ان التسوق الدولة لنفسها ؟

لا يقتصر التسويق بمهامه ووظائفه العديدة فقط على تسويق المنتجات والخدمات للمستهلك ، بل هو أعم وأشمل من ذلك كثيراً ؛ فقد أصبح التسويق مهمة أساسية في كثير من الدول لتسويق ذاتها وإمكاناتها لدول أخرى.

اذاً ماهي الحاجة التي يمكن من خلالها الدولة بأن تسوق لنفسها ؟

الدولة تملك عناصر كثيرة جدا تستطيع من خلالها ان تسوق لنفسها ، مثال علي ذلك :

توجد دول تتميز بالمناخ بالإضافة للمناظر الطبيعية، بمعني انها تستطيع تسوق للسياحة ، مثال مصر ، ايضاً توجد دول تستطيع تسوق لمنتج هي تنتجه ومتفوقه في إنتاجه مثل ” البن ” في البرازيل، ايضاً يوجد دول تملك تقدم تكنولوجي مثال الهند أو دول مثل ألمانيا والتي تشتهر بصناعة الماكينات.

نعود للوضع المصري وكيف يمكن ان التسوق الدولة لنفسها ؟ مثل مصنع تجفيف البصل الذى كان موجوداً فى الستينيات، وكان يصدر للدول الأوروبية وأمريكا، واندثر بعد ذلك.

التنمية قضية متعددة الجوانب، ومتشابكة الأبعاد والمستويات بصورة أفقية ورأسية، لذلك ترتبك فى التعامل معها الحكومات والدول ، ولا يستطيع أن يبحر فى هذا المجال إلا من استطاع الامساك بدفة سفينتها بكل توازن يحقق لها الشمول، والتكامل والاستدامة فى الوقت نفسه، وقليل من الدول استطاع العبور بسفينة التنمية إلى بر الأمان، حتى البرازيل وجنوب إفريقيا والأرجنتين، تلك الدول الناهضة لم تفلح حتى اليوم فى تقديم نموذج تنموى شامل وعادل.

الشمول في التنمية وتسويق الدول لنفسها

وأخطر قضيتين فى مسألة التنمية هما: الشمول والعدالة، الشمول ينصرف إلى قدرة السياسات التنموية على استيعاب جميع القطاعات الإقتصادية بحيث لا تكون تنمية مشوهة، أو مبتورة الأطراف، أو مشلولة، ويحدث ذلك عندما تركز التنمية على بعض القطاعات الاقتصادية وتتجاهل القطاعات الأخرى، كأن تكون تنمية صناعية غير مصحوبة بتنمية زراعية، وقد تكون مركزة على التجارة والخدمات والسياحة دون وجود بنية صناعية قوية؛ مما يجعل تلك الدول خاضعة للتقلبات العالمية …. وهكذا،

والتنمية الشاملة هى تلك التى تخلق بنية اقتصادية يكمُّل بعضُها بعضاً، فتكون الصناعة فيها مبنية على إنتاج زراعى أو تعدينى قوي، ومعتمدة على بنية تجارية داخلية وخارجية قوية تساندها بنية أساسية من طرق ووسائل تواصل ومواصلات تتناسب مع المستوى الصناعى الذى وصلت إليه تلك الدولة.

العدالة في التنمية وتسويق الدول لنفسها

أما مسألة العدالة، وهى الجناح الثانى لعملية التنمية فتركز على بعدين أساسيين هما: العدالة بين طبقات المجتمع، والعدالة بين أقاليم الدولة، أما العدالة بين طبقات المجتمع فتحددها البنية القانونية للملكية، وسياسات الأجور، والضرائب، والخدمات العامة، والمسئولية الاجتماعية لرأس المال، والسياسات الإجتماعية للدولة مثل دعم التعليم والصحة والتأمين الإجتماعى للفقراء، وأما العدالة بين أقاليم الدولة فتتحقق عندما يتم توزيع مشروعات التنمية على مختلف الأقاليم بصورة تحقق الاستخدام الأمثل والعادل لموارد كل أقليم، وتحقق التشغيل وخلق فرص العمل للسكان فى كل إقليم، ولا تقود إلى الهجرات الداخلية، وعمليات النزوح تحت ضغط البحث عن فرص العمل من أقليم إلى آخر، ومن الريف إلى المدينة مما يحدث تشوهاً اجتماعيا، وخللاً عمرانيا، ويقود إلى ظهور أحزمة الفقر المحيطة بالمدن الكبرى، وخلق العشوائيات التى تجهض أى جهد تنموي.

التشوهات في التنمية

وللأسف عانى نموذج التنمية فى مصر منذ سبعينيات القرن الماضى تشوهات شديدة بسبب عدم الشمول وفقدان العدالة، فقد كان نموذجا استهلاكيا يركز على الهامشى والتافه فى الزراعة والصناعة والتجارة؛ فبدلا من زراعة القمح والقطن زرعنا الفراولة والكنتالوب، وبدلا من التصنيع الجاد الثقيل، أصبحنا نصنع الشيبسى والبيبسي، أما العدالة فقد غابت تماما مع ظهور نخبة الانفتاح، وسقط الصعيد من حساب الدولة ومعه سيناء والصحراء الغربية.

الوحدة الاقتصادية المتكاملة

وللخروج من حالة العشوائية التنموية التى عاشتها مصر فى العقود الاربعة السابقة يقترح ان تتحول كل منطقة او محافظة الى وحدة اقتصادية متكاملة، أو منطقة اقتصادية متخصصة، للقضاء على الخلل الهائل فى التنمية بين مناطق ومحافظات مصر، وذلك انطلاقا من التقسيم الجغرافى الجديد للمحافظات الذى يجعل لكل محافظة، خصوصا فى الصعيد ظهيرا صحراويا، ومنفذا على البحر، ويتم تحويل المحافظات إلى وحدات اقتصادية من خلال تحديد الموارد الأساسية لهذه المحافظة أو تلك سواء موارد زراعية أو تعدينية، أو سياحية … إلخ،

وهنا يقترح تنفيذ الخطة الآتية:

– يتم من خلال مراكز البحوث والتجارب الزراعية تحديد أفضل المحاصيل التى يمكن زراعتها فى كل محافظة، طبقا لطبيعة التربة والمناخ وخبرة الفلاحين.

– يتم إعادة نظام الدورة الزراعية بصورة جديدة من خلال تشجيع الفلاح على زراعة المحاصيل المطلوب زراعتها، مصحوبا بنظام تسعير عادل للمحاصيل، ومشجع للفلاحين.

– يتم بناء مصانع فى الظهير الصحراوى او فى اى اراض غير صالحة للزراعة تقوم على تصنيع هذه المحاصيل، مثل مصنع تجفيف البصل الذى كان موجوداً فى الستينيات، وكان يصدر للدول الأوروبية وأمريكا، واندثر بعد ذلك.

– يتم بناء شبكة من الصناعات التى تعتمد على المنتج الزراعي، أو الخامات الطبيعية المستخرجة من المنطقة نفسها، بحيث لا يتم نقل الخامات، أو المواد الزراعية خارج منطقة إنتاجها، وإنما يتم التصنيع الكامل، والمتعدد فى المكان نفسه.

– يتم ربط هذه البنية الصناعية بشبكة من الطرق لتسهيل التجارة الداخلية والتصدير للخارج.

– يتم عقد مؤتمر اقتصادى لكل منطقة يجذب المستثمرين ورجال الأعمال أبناء تلك المنطقة والراغبين فى الاستثمار فيها، مع منح أبناء تلك المنطقة مزايا نسبية خاصة لجذبهم للاستثمار فيها، ويتم تأسيس شركات مساهمة لصغار المستثمرين من أبناء المنطقة العاملين فى الخارج الذين لا يجدون مجالاً لاستثمار مدخراتهم إلا المضاربة فى العقارات، وبذلك يتم تحويل قطاع ضخم من الاستثمارات إلى المجال الصحيح والمفيد للتنمية الكلية للوطن.

– يتم تشجيع أبناء تلك المنطقة من العاملين فى الجهاز الحكومي، أو القطاع الخاص، أو من المقيمين فى الخارج للعودة إليها، ويكون لهم الأولوية فى التمليك والاستثمار والتوظيف.

مثال على تطبيق الخطة

وإذا تصورنا تطبيق تلك الخطة سيتم تقسيم الصعيد إلى أربع مناطق اقتصادية مثلا، ولنضرب مثلا بمنطقة سوهاج وقنا حيث يمكن التخصص فى ثلاثة محاصيل أساسية
على سبيل المثال: البصل والذرة والسمسم، ولنتخيل كم المصانع التى يمكن أن تقوم على صناعة الزيوت، والحلويات، والتجفيف… ولنتذكر أن أهم سلعة تصدرها ماليزيا هى زيت النخيل التى يتم زراعة مساحات شاسعة من نخيل الزيت لهذا الغرض، ولنتخيل الصناعات المصاحبة لتلك الصناعات، والأنشطة التجارية والنقل وغيرها سواء للتجارة الداخلية لجميع أنحاء مصر، أو التصدير من خلال موانى البحر الأحمر وموانئ البحر المتوسط وقناة السويس ..

هذا تصور بسيط لما يمكن تحقيقه لتسويق مصر من خلال التنمية الاقليمية العادلة التى تقود إلى تنمية شاملة لمصر.

فيديو المقال

أضف تعليقك هنا

د. أحمد عادل محمد بخيت

متخصص في مجال التسويق