كي لا يتكرر التكرار!(3)

لم يعد للشك مجالٌ إذن في كون الإرهاب يستفيد من تجاربه ، و يتعلم من أخطائه –مع الأسف- ، كما لم يعد للشك مجالٌ أيضًا ، في كون مدة الــ “عشر سنوات” هي المدة الكافية التي يحتاجها الإرهاب في كل مرة ، لكي يستجمع قواه و يجمع شتاته ، و يتلافى آثار الضربة التي تلقاها ، و من ثم يعود مرة أخرى أقوى منه في المرة السابقة!

و هذا هو واقع ما يفعله الإرهاب –مع الأسف- في كل مرة و على مرأى و مسمع من الجميع ، و لكن من دون أن يعتبر أحد أو يتعظ!
فبعد أن فشل مساعي الإرهابيين في هدم مصر و السيطرة على الحكم و كذلك في اغتيال الرئيس “عبد الناصر” –رحمه الله- ، و بعد أن تلقى الإرهاب و زبانيته ، ضربة قوية على رأسه و رؤوس قيادته ، من قبل نظام الرئيس “عبد الناصر” في ستينات القرن الماضي ، و أُلقي بعدها بقيادات الإرهاب في غياهب السجون ، حيث يستحقون ، حيث مكانهم الطبيعي و الحقيقي، لم تكد تمر “السنوات العشر” ، حتى عاد الإرهاب مرة أخرى بحلة جديدة ، و قوة شديدة ، لينجح فيما حاول أن يفعله و فشل فيه في المرة السابقة ، فيغتال الرئيس!

لقد كانت الموجة الثالثة للإرهاب الذي ضرب مصر في نهاية السبعينات و بداية الثمانينات من القرن الماضي أعنف من الموجتين السابقتين عليها بما لا يقارن ، و نجحت فيما لم تنجح فيه سابقتها ، فوصلت إلى الحد الذي طالت يدها الآثمة الغادرة يد رأس الدولة ، فاغتالت الرئيس “السادات” ، رحمه الله و غفر له ، و تقبله في الشهداء و الصالحين .

و أثارت تلك الموجة الإرهابية بسبب علوها و قوتها الرعب في البلاد كلها ، شرقًا و غربًا ، وشمالًا و جنوبًا ، و كادت تعصف بالبلاد لولا رحمة الله بنا ، و لولا أنه –سبحانه- لا يصلح عمل المفسدين من الإرهابيين و من على شاكلتهم أبد الدهر .

و لعل أحداث مديرية أمن أسيوط الشهيرة ، أعظم مثال على ما كانت عليه الأحوال في ذلك الوقت ، و إن كان هنالك أحداث أخر مثله أو أشد و لكنها أحداث متفرقة ، لم يسلط عليها الضوء بما يكفي !

و كعادتها ، تحملت الدولة مسئوليتها ، فقاومت الإرهاب و قاتلته ، و كعادته التي لا يتركها أبدًا ، تصدى جيش مصر الباسل ، خير أجناد الأرض –و إن رغمت أنوف العالمين- لكل خائن ، و لكل يمس هذه الأرض الطيبة بسوء ، فاقتلعه من الدنيا .

نعم … لقد تصدت الدولة للموجهة الإرهابية الثالثة في مصر ، و دفعت الثمن غاليًا من خيرة أبنائها ، و لكنها في الأخير انتصرت عليه ، و قضت على عدوها ، و لكنها و كما في كل مرة –مع الأسف- لم تقتله ، و إن كانت أثخنته بالجراح ، فتركته مريضًا لا ميتًا ، و لم تقتلع شجرة الإرهاب من جذورها ، و إنما اجتثتها من فوق الأرض لا من تحتها ، فلم تقتلعه من أساسه ، و إنما تركت الجذور ضاربة في الأرض ، ليرويها من يتعهد بها في كل مرة ، و ليسقيها الشيطان الرجيم من دمه النجس ، فتعود لها الحياة بعد قليل من جديد ، و تبدأ في النمو و التفتح و الإزهار ، لتعود شجرة الإرهاب فتية بعد حين!

و لقد كانت الدولة المصرية في كل مرة ، و بعد تصديها لكل موجة من موجات الإرهاب تتصور أنها قضت عليه تمام القضاء ، و أنهته من الوجود ، و أجهزت على حياته ، فأزهقت روحه ، و لكنه كان بدوره في كل مرة يفاجئها بأنه ما يزال على قيض الحياة ، بل و أنها صار أقوى من سابق عهدها به ، و أنه عاد أقوى مما كان عليه في الماضي !

كان التكرار –مع الأسف- يتكرر في كل مرة ، و كأننا نعيش في فصول مسرحية هزلية سخيفة ، تعيد الممثلون فيها أدوارهم كل مرة من دون تغيير أو تطوير!

و كأن هنالك إرادة قوية بعدم التعلم من أخطاء الماضي ، و عدم الاستفادة من دروس التاريخ المؤلمة ، و لا الإفادة من تجاربه ، و ذلك في الوقت الذي يمتلك فيه الإرهاب أقوى الإرادة ، بل و القدرة القادرة ، على أن يستفيد أشد الاستفادة من كل تجربة يمر بها و أن يتعلم من سلبياته قبل إيجابياته ، لكي يخرج من التجربة الجديدة بأقل الخسائر و أعظم المكاسب !

و لأن التكرار كعادته في كل مرة يتكرر ، فقد تكرر كعادته ، و مرت عشر سنوات كاملات! على موجة الإرهاب الثالثة في الثمانينات من القرن الماضي ، و بعد أن ضربته الدولة –حينئذ- ضربة قوية ، و لكنها كالعادة –ومع الأسف- غير قاتلة ، فقد عاد هذه المرة فيما عرف بــ “إرهاب التسعينات” بموجة هي الأعنف من كل ما سبق .

و كما هي العادة قاومته الدولة و قاتلته ببسالتها المعهودة عليها ، في حماية أهلها ، و راح ضحية هذا الإرهاب الغاشم و الغادر ، من راح من شباب ، كانوا ملء العين و القلب ، و حديث الدنيا و شغل الناس ، و لكن دمائهم الزكية ، لم تذهب سدىً ، و لم تضيع هباءً ، و إما كانت ثمنًا غاليًا ، ليبقى هذا البلد الأمين آمنًا مطمئنًا ، غير مروع أهله ، و لا مهددين .

واجهت الدولة الإرهاب كالعادة ببسالة و شجاعة ، و لم تهب قوته ، و يخف رجالها الأشداء من نيرانه الغادرة التي لا ترحم ، بل لقد كانت لهم اليد العليا على الإرهاب و أربابه ، فضربت الدولة الإرهاب الضربة القاسية ، و لكنها –مع أسف الأسف- ليس القاضية ، ليتراجع الإرهاب –كما عادته في الخسة و النذالة و انعدام الشرف و الخيانة و النفاق- خطوتين للخلف ، قافزًا كما الجرذان إلى ما تحت الأرض ، ليختبأ من ضربات الأسود الشوامخ فوقها ، و ليعيد تجمع شتات ما فرقته تلك الضربة ، و لينتظر ساعة غفلة من الدولة و أبنائها ، فيعاود ضرباته الخسيسة ، و يكرر تكراره كما اعتاد!

و ليعود الإرهاب مرة أخرى ليضرب ضربته ، و لتثور فورة بركانه الخبيث ، بعد عشر سنوات كاملات من نهاية إرهاب التسعينات ، بموجة إرهابية هي الأعنف في تاريخ مصر كله ، و هي تلك الموجة اللعينة التي ضربت مصر ، فيما بعد يونيو 2013 م ، و التي ما زلنا نعاني منها إلى هذه الساعة .

فهل يا ترى سوف نغير من طريقة تعاملنا مع الإرهاب ، كي لا يكرر التكرار مرة أخرى ؟!

هذا ما سوف نراه –إن شاء الله في المقال القادم .

أضف تعليقك هنا