كي لا يتكرر التكرار!(4) .. المعركة الأخيرة!

كعادة الإرهاب القديمة و الخبيثة ، و ذلك أنه حين فشل في السيطرة على الدولة و الحكم ، انقلب عليها كما انقلب من قبل و عاد إلى أصله حيث أبشع صور الإجرام و العنف ، و كشف القناع عن حقيقة وجهه القبيح المشوه .

كان هذا هو الواقع في مصر فيما بعد اليوم الأخلد في تاريخها المعاصر –و ربما في تاريخها كله- ، يوم الثالث من يوليو للعام 2013 م ، و بعد أن انزاح هم كان قد جثم على صدر مصر كلها ، و أراد بها الشرور و الفتن و التقسيم و الهدم ، فجاءت شمس هذا اليوم المبارك لتعلن انبلاج صبح الأمل و إشراق شمس التحرر من أسر العدو ، و تخلع الإرهاب عن حكم مصر ، و الذي كان قد تقنع بقناع خبيث خدع به كثيرًا من الطيبين و المغفلين ، فظنوا أنه يحمل الخير لهم و لبلادهم ، و لكن الحقيقة أنه لم يكن سوى وحش كاسر ، و إرهاب بغيض مستتر ، قد تدثر بدثار حمل وديع ، لكي يآمنوا جانبه ، فلا يحذروا مكايده ،فيطعنهم في المقتل على حين غرة و غفلة ، و يغدر بهم من حيث لا يتوفون الغدر!
و هو ما كان ، فاطمئن الناس له ، حتى إذا ما اختبروا أمره ، وجدوه سرابًا يحسبه الظمآن ماءً ، حتى إذا جاءه ، لم يجده شيئًا ، و إنما وجد عنده كل ما يسوء!

كان هذا هو واقع العام الأسود و الأيام النحسات لحكم الجماعة الإرهابية لمصر ، خدعوا الناس عن أنفسهم ، حتى وصلوا للحكم على غش و خداع و كذب ، فلما كشف الناس غشهم و خداعهم و كذبهم ، و ألقوهم حيث يستحقون في قاع مزابل التاريخ ، كشفوا هم بدورهم عن حقيقة وجهم القبيح و مارسوا الإرهاب في أبشع صورة ، و الخيانة في أحقر معانيها !
و “عادت ريما إلى عادتها القديمة”! ، و تكرار التكرار كما كل مرة ، و ذلك بعد فشل محاولة الإرهاب للسيطرة على السلطة ، ضرب ضربته و استخدم العنف كعادته ضد الدولة و الوطن .

و لكن مع الانتباه و التنبيه أيضًا ، على كون الإرهاب في هذه المرة أيضًا قد عاد أقوى من سابق عهده بكثير ، و رجع مثقلًا بكل خبرات السنين الخوالي ، فاستطاع بسبب التعلم من دروس الماضي –مع الأسف- أن يحقق ما فشل في تحقيقه في كل الموجات السابقة ، و هو الوصول إلى رأس السلطة و الجلوس على كرسي الحكم !

صحيح أن مدة حكمه كانت وجيزة جدًا في عمر الأمم و لكنه –و مع الأسف- قد نجح في تحقيق هدفه ، و إن كان لم يستطع أن يحافظ عليه ، ففاز في معركة و خسر في أخرى !

و ما ذلك إلا لكون الإرهاب –كما ذكرت قبلُ مرارًا- يبني على ما فاته ، و يتعلم من أخطاءه ، و يستفيد من دروس الماضي ، بعكس حالنا –أيضًا كما ذكرت مرارًا و تكرارًا- ، فنحن نُصرُّ في كل مرة ألا نتعلم شيئًا من تجاربنا السابقة ، و ألا نتم البناء من حيث انتهى الآخرون ، و لكننا –ويا للحسرة- نعهد إلى ما بناه من سبقنا ، فنهدمه كله ، ثم نبدأ من جديد في كل مرة ، من عند المربع رقم “صفر” ، ليكون الواقع أن عدونا يرفع بنيانه إلى السماء ، في حين نظل نحن –و مهما طال علينا الزمن- في مرحلة وضع الأساس !
و هو ما ينذر بخطر كبير في المستقبل إن استمر الحال على هذا المنوال .

إن التطور الخطير و النقلة النوعية للإرهاب في المرحلة الحالية يضعنا جميعًا أمام مسئوليتنا التاريخية ، فإما أن نتحمل مسئوليتنا و نتحلى بالشجاعة الكافية لمواجهة الواقع مواجهة حقيقة ، أو أن نتكون عارًا تسعى الأجيال التي تلينا لأن تتبرأ منه ، و تلعنه ليل نهار !

لقد قفز الإرهاب قفزة هائلة في الهواء هذه المرة ، سواء في محاولة للسيطرة على الدولة و مقاليد الحكم ، و التي نجح بالفعل فيما فشل فيه طوال العقود الماضية ، و وصل إلى سدة الحكم و حكم عامًا كاملًا ، و هو أمر أخطر من الخطر و قد كاد من خلاله أن يقضي على كيان الدولة المصرية ، و أخطر منه أن الإرهاب -كما أسلفتُ- يتعلم من أخطائه و يستفيد من تجاربه ، بل و يبني عليه و يؤسس ما هو قادم على ما فات ، ليطرح السؤال نفسه بقوة و بشدة : هل إذا ظللنا على هذه الحالة و لم نواجه الإرهاب مواجهة حقيقية تقتلعه من جذوره ، سوف يفاجئنا بعد عشر سنوات أخرى بعودته ، أقوى من سابق عهده ، و مستفيدًا من سالف تجربته ، فيقفز عل سدة الحكم ، ثم لا ينخلع منه أبدًا؟!!!

هذا هو السؤال الذي يجب على كل مسئول في هذا البلد أن يطرحه على نفسه ، بل يجب على كل مواطن يعيش فوق هذه الأرض الطيبة أن يسأله لنفسه ، لا بل لا يتوقف عند حدود التساؤل و إنما يتجاوزه للإجابة عليه ، لا بل يتجاوز ذلك كله للعمل على أن يجنب بلاده و وطنه –إن كان يحبه بصدق و ليس بالشعارات الفارغة- مخاطر هذا الأمر و يجتهد في المواجهة الحقيقية للإرهاب و التي لا يكون سوى بالعلم و التعليم و الذي ينتج وعيًا حقيقيًا تتوارثه الأجيال جيلًا بعد جيلٍ ،ليكون مصلًا شافيًا و ناجعًا ضد هذا الفيروس الخبيث ، فيقتله قتلًا، و لا ينبغي أن يكون الوعي وعيًا جمعيًا تخلقه اللحظة و الحالة التاريخية ، ثم تعمل فيه عوامل التعرية بعملها ، فيتلاشي و يتآكل مع الزمن شيئًا فشيئًا ، حتى لا يبقى منه شيء !

إن الإرهاب في هذه الحقبة التي كتب الله لنا أن نعيشها هو أقوى و أعنف حالة و موجة إرهابية عاشتها مصر في تاريخها كله ، سواء في شقهِ المدني أو في شقهِ العسكري ، فقد استطاع في شقه المدني أن يصل إلى سدة الحكم ، و أما في شقه العسكري و المتمثل في هذه الموجة الإرهابية العنيفة التي ضرب بها البلاد ، و التي هي –بلا أدنى ريب- أعنف موجة إرهابية رأتها مصر في تاريخها كله ، بل إنها حرب حقيقية لم تشهد مصر مثلها قط ، على كثرة الحروب التي خاضتها من قبل!
و هو ما ينذر بخطر كبير يجب التنبه إليه ، بل إنه ليس أمامنا سوى التنبه إليه ، لأنه في المرة القادمة سوف يأتي على الأخضر و اليابس و يقتلع الجميع من الجذور .

ذلك أن “حسن البنا” منذ أن أسس جماعته الإرهابية في عشرينات القرن الماضي و قد كان الهدف الأول و الأخير له و للجماعة و التي استخدمت في سبيل تحقيقه كل وسيلة وضيعة ، و ضحت في سبيله بكل غال و ثمين ، هو الوصول للسلطة ، و ظلت الجماعة تعمل على تحقيق هذا الهدف منذ أنشأت ، و كانت في كل مرة تفشل و مع كل محاولة تخفق ، و لكنها كانت تصنع أمرًا مهما غفلت عنه الدولة المصرية في حربها على الإرهاب ، ألا و هو “تراكم الخبرات” ، فكانت تستفيد من كل تجربة تمر بها مهما كانت قاسية و تخرج منها بدرس جديد تستخدمه في المحاولة التي تليها !

أما نحن فعلى العكس تمامًا ، فقد كنا نخرج في كل مرة منتصرين من المعركة و لكننا لا نكرس هذا النصر و لا نؤسس عليه و لا نستفيد منه ، فكنا نضيع ما جمعناه من خير ، كمن يضع الثمار في إناء مثقوب!

كان ينقصنا في كل مرة أن نراكم خبراتنا و أن نكمل بناء من سبقونا ، و أن نستفيد من كل تجاربنا الماضية بنجاحاتها و كذلك بإخفاقاتها ، فإن فعلنا ، فإننا نكون ساعتها فقط ، قد وضعنا أو مسمار في نعش الإرهاب الذي سوف ندفنه فيه للأبد ، و إلا فسوف نكون قد مكنا عدونا من أنفسنا و قضينا على بلادنا بجنايتنا و خربنا بيوتنا بأيدينا .

ألا إن هذه الموجة الإرهابية الحالية و التي هي الأعنف في تاريخنا كله ،لا شك سوف يأتي اليوم التي تنتهي و تتوقف فيه ، إذ المعركة محسومة قبل أن تبدأ لصالح الجيش و الدولة ، و مهما كانت الخسائر أو الضحايا ، فإنها سوف تنتهي، بل و سوف تنتهي عما قريب ، و لكن الأهم منها ، بل و الأخطر منها هو مدى استفادتنا من الدرس الذي لقنتا تلك الموجة الإرهابية إياه !

فيا تُرى سوف نتعلم من تجاربنا و نستفيد من دروسها و نتعلم حتى من أخطائنا ،و نطعم بالمصل حتى لا يصيبنا المرض مرة أخرى ، أم أننا سوف نفعل كما كنا نفعل في كل مرة مضت ، و نتعامل مع العرض دون المرض ، و نسمح للتكرار أن يتكرر ؟!

ألا إن التكرار لو تكرر هذه المرة فإنه سوف يكون جحيمًا يحرق الجميع و إن مسئوليتنا التاريخية تجاه وطننا تحتم علينا أن نحمي بلادنا و أن نمنع عنها هذا الخطر الذي يهدد وجوده بالأساس .

كما أن مسئوليتنا تجاه الأجيال التي تأتي بعدنا تقتضي علينا أن نعمل على أن نقضي على هذا الداء العضال و أن نقتلعه من جذوره حتى لا يداهمهم فيقضي عليهم من بعدنا ، و حتى لا يكون الميراث الذي نورثه لأبنائنا و أحفادنا من بعدنا هو تركة من الشرور و الخراب و الدمار !
و نكون بدلًا من أن نترك لهم ما ينفعهم ، نكون قد تركنا لهم نارًا تحت الرماد توشك أن تحرق الجميع بلا رحمة ، و بدلًا من أن يترحم عينا أبناءنا و أحفادنا من بعدنا ، فإنهم سوف يذكروننا بكل قبيح و لعنة!

إن الواجب علينا -وجوبًا حتميًا- نحن أبناء هذا الجيل أن نكسر هذه الحلقة الخبيثة ، من إرهاب لسنتين أو ثلاثة ثم و غفوة لعشر سنين ، ثم إرهاب مرة أخرى، كي لا يظهر في المستقبل موجة جديدة من الإرهاب تكون بعد عشر سنوات من الآن ، و تكون أقوى من الموجة الحالية بما لا يمكن أن يقاس أو تقارن به !

إن الواجب علينا –وجوبًا حتميًا- هو أن نحمي أبناءنا و أحفادنا ، من النار التي عانينا و ما زلنا نعاني منها ، و باختصار فإن الواجب علينا أن نجتهد في أن تكون هذه هي “المعركة الأخيرة” لمصر مع الإرهاب و أن نجتهد أشد الاجتهاد “كي لا يتكرر التكرار” مرة أخرى أبدًا .

أضف تعليقك هنا