الأصفر لا يليق بك !

يظهر على الرجلان اهتمامهما بأمران ، كل على طريقته السيميولوجية الخاصة .. الأول مهووس بسيمياء الجسد ( الشعر تحديدا ) ، و الثاني مولع بسيمياء الملابس ( الملونة ) لاسيما التقليدية منها ! .. فبعد العشرين من جانفي الماضي و تولي ترامب خطام إدارة الحصن البيضاوي ارتأى الرجل أن يجدد صبغته الصفراء الفاقع لونها ، و التي لا تسر الناظرين ! استقبالا للمهام و التحديات الجديدة التي سيباشر بتسييرها بيد من حديد بدل اليد المرتعشة السابقة.

١/ ترامب ! you are fired

و في إطار ما نسميه ” المراهقة السياسية ” بدأ مؤشر اللطافة عنده في الاشتغال بقوة ، و ها هو يتهاوى أسفل فأسفل ليعلن عن غضبه وتحسسه الجلدي من البعض تبين له أنهم قد يحملون فيروس الطفح الجلدي ، و هو ما خشيه ترامب إذا ما لامست أقدام هؤلاء أرض الأحلام !

تساءلت في مقال سابق ، قبل دخول ترامب البيت الأبيض ، حول ما إذا كان مؤشر اللطافة لدى ترامب اللطيف قد يرتفع او ينخفض ، و ها هو قد انخفض فعلا ليعلن عن منعه لدخول رعايا سبع جنسيات لامريكا ترامب تطبيقا لمقولته الشهيرة : you are fired ، و هي ست دول عربية اسلامية مقابل الدولة الفارسية ( ايران ) تم منع رعاياهم من دخول أمريكا( سوريا ، العراق ، اليمن ، ليبيا ، الصومال ، السودان ، ايران ) ، ليستمر المؤشر في الهبوط معلنا عن احتمالية ضم جنسيات اخرى جديدة لقائمة المغضوب عليهم ! ( كالسعودية ، مصر ، باكستان ، أفغانستان .. ) و تبقى القائمة مفتوحة ! ، كما أعرب بعدها عن عدم امتعاضه من الجزائر ! و هي مرحب بها على أرضه ( نرد لنقول : لست بالخب و لا الخب يخدعني ) خاصة و أن لها مصالح طاقوية بالبلد ، كما تعد الجزائر بالمقابل حليفا في مكافحة الاٍرهاب .

٢/ بعيد عنك، حياتي عذاب !

هذه هي أمريكا الرجل الأبيض ، لن تستطيع العيش بدون عدو ! ، و إن لم يكن هناك عدو حقيقي لها فإنها ستصنع عدوا وهميا لتحاربه ! فالمغزى ليس في وجود عدو و إنما في الحرب ذاتها ! و هو ما أراه عائدا إلى التركيبة النفسية و الذهنية للرجل الأبيض الامريكي الذي يعشق المغامرات و الرهانات. و الملاحظ في خطابات ترامب منذ ترشحه للرئاسيات و بدء حملته الانتخابية أن خطاباته تكاد تخلو من أولوية إحلال السلام ، فالرجل لم يترشح من أجل إحلال السلام و نشره في ربوع العالم ! بقدر ما جاء من أجل معاداة أطراف محددة و إعلان الحرب عليها بطرق مختلفة.

و ما إن خرج قرار المنع الى التنفيذ الفوري حتى نصبت كثير من البلدان خيام العزاء ! نداءات و احتجاجات و تنديدات و استنكارات حقوقية و استهجانات إعلامية. بل أن هناك من الحقوقيين ممن يعتبرون انفسهم حماة الشعوب وجدناهم قد غردوا على تويتر استنكارا للقرار ، معلنين عن : موت العرب ! ، باعتبار أنهم لم يتحركوا ضد هذا القرار !.

٣ / يا الرايح وين مسافر ؟!

فالرجل المغامر لا يريد هؤلاء في بلده ، المسألة سيادية – أمنية قبل أن تكون حقوقية أو إنسانية .. إلا أنه اتضح أن منع أرض أمريكا عن البعض كمنع الأكسجين عنهم ! فما بال القوم لم ينتفضوا و لم تهتز لهم ريشة و لم ينبسوا ببنت شفة حينما تم تقتيل المئات من المسلمين على يد الارهاب البوذي في بورما ؟! ، و هم اليوم يبكون على فراق حضن أمريكا … أم أن حلم ( الغرين كارد ) قد يتبخر و قد يجدوا أنفسهم فجأة وبلا سابق إنذار في غيابات ( البلاك ليست ) ! ، حينها سنغرد جميعنا كما غردت احلام مستغانمي : الأسود يليق بك !

فيبدوا أن خارطة العالم القادمة سيغلب عليها اللون الأصفر أكثر ، من الصبغة الصّفراء و الشعر الأشقر إلى العرق الأصفر ، و هو ما تظهر بوادره الآن من سيطرة سياسية – عسكرية – اقتصادية ( تجارية ) ، يشكلها الثلاثي الأصفر ( أمريكا الترامبية – روسيا الشقراء – الصين الصفراء ) على الرغم من الحساسيات الغير معلنة بين الأطراف إلا أن المصالح قد تدفع بذلك الى أجل غير مسمى ! .

٤/ في سيميولوجية الأصفر 

إلا أنه من جهة مقابلة ، و على خطى الصبغة الصفراء ، يعود الابن الضال بعد 33 سنة من التيه في الصحراء الصفراء ، لينظم مجددا إلى الاتحاد الافريقي ، معتمدا في دخلته تلك على سيميولوجية اللباس التقليدي ، مرتديا العمامة الصفراء بدلا من الصبغة الصفراء !

و مما لا مناص منه ، و نحن نتحدث عن سيميولوجية اللباس التقليدي ، أن تجرنا الذاكرة إلى القائد الليبي معمر القذافي الذي كان يتعمد التواصل مع الآخرين عبر الشكل الى جانب الكلام ! ، فكان لكل مناسبة له شكل معين يوحي بفكرة ما تعكس مضامينه المتنوعة ( فهو حسبه ملك ملوك افريقيا ، القائد الأممي ، حاكم المسلمين ، زعيم ثورة …الخ من الألقاب و الشخصيات ) . و كذلك هو الحال عند ملك المغرب الذي لطالما عرف باهتمامه بسيميولوجية الجسد و الملبس ، فمن الجلابة البزيوية الحرة الى التيشرتات الشبابية المزركشة بالألوان ذات الدلالة السيميولوجية المعروفة ! .. و هو اليوم يعود الى البيت الافريقي بالعمامة العربية الصفراء ، فهو العاشق للعمامة الصفراء و الحريص على ارتدائها دوما في زياراته للجنوب الافريقي .

٥/ عدنا بالأصفر ، و العود أحمد ! 

و العمامة الصفراء على رأسه ( على سمة الزبير ! ) خطب خطابا عاطفيا، و بكل دفء وجه عبارات الشوق و الحنين التي خطفت قلوب الأشقاء الأفارقة المرهفة ، ناطقا بلغة فرنسا الرومنسية على غير عادته ! قائلا ( لقد اشتقت إليكم جميعا … آن الأوان للعودة الى البيت … و لم الشمل ) ، فكيف ستكون يا ترى إقامته بالديار ؟؟! ، و ما هي الدوافع الحقيقية وراء عودته ؟! و من المقصود بلم الشمل يا ترى !؟ ، و ما هي تداعيات تلك العودة خاصة في هذا الوقت اي مرحلة حكم عاشق الصبغة الصفراء ؟! .

فبينما هلل الكثيرون بهذه العودة معتبرين إياها انتصارا للقضية الصحراوية و اعترافا شكليا – ضمنيا بالجمهورية العربية الصحراوية ، نجد دولة المخزن بالمقابل تتحاشى الحديث عن الموضوع في مداهنة واضحة ، مؤكدة أن عودتها للاتحاد و وجودها بالقمة الافريقية ( بأديس أبابا ) هو من أجل بعث الوحدة الافريقية من جديد و المضي قدما نحو تنمية أفريقيا و النهوض باقتصادياتها أما مسألة الصحراء فهي من شأن الأمم المتحدة ( أي كواليسها ) و هي التي ستفصل فيها ( أي ترامب من سيفصل فيها ! ) .

٦ / اللاعب الأصفر والورقة الصفراء 

ما يظهر أن المغرب سيلعب ورقة جديدة ضمن هذه العودة الى الاتحاد الافريقي لصالحه و لصالح أطراف أخرى ، ففي حديث لنعوم تشومسكي عن تلك الثورات العربية أشار إلى أنه كما تدعم أمريكا المشروع اليهودي في فلسطين فكذلك هي فرنسا تدعم المشروع المغربي في الصحراء. و الكل له مصالح في ذلك و مما لا شك فيه أن دعم المغرب من طرف الصهيونية العالمية عزز بالامس و سيعزز اليوم موقفها، خاصة و أن ترشح ترامب بالبارحة أبان عن عزم أمريكا الترامبية المقبلة على محاربة جبهة البوليساريو و التي يعتبرها جماعة ارهابية تهدد حدود أفريقيا كما يهدد داعش الشرق الأوسط!، في المقابل هو يرى أن المغرب الجميل استطاع أن يبسط السلام و الأمان و الطمأنينة و الحب بسياحته الخلابة و المزدهرة في ربوع المنطقة !.

ففي تصريح لمسؤولة التواصل لدى ترامب في فترة سابقة أثناء حملته الانتخابية ، عن جبهة البوليساريو قالت باسم ترامب بأنها اي الجبهة تشكل خطرا على إفريقيا كما يشكل داعش خطرًا في الشرق الأوسط، و هو الأمر المداهن الذي أراه قد تتخذه ذريعة لولوج افريقيا بمساعدة المغرب، خاصة أن الجزائر محاطة بتونس و ليبيا شرقا و هي المناطق الغير مستقرة أمنيا و التي باتت مفتوحة و مفتتة بعد الربيع العربي المزعوم، ناهيك عن مالي و النيجر ، و جبهة البوليساريو بالصحراء الغربيّة والتي دخلت حيّز المغضوب عليهم ( الإرهاب ) عند ترامب ، و كل هذا محاط بالجزائر .

٧ / العمائم الصفر ، إنتصار أم وهن ؟

ليبقى في نفس الوقت ( المغرب ) في نظر ترامب هو بلد السياحة الجميلة الداعم للاستقرار و الحب و الأمان في المنطقة ! فالحذر كل الحذر من الصفراوين المداهنيين .

إلا أن العمامة الصفراء ، لها دلالة سيميولوجية أخرى في التاريخ الاسلامي ، حينما لَبس الصحابي الجليل الزبير بن العوام رضي الله عنه عمامة صفراء في غزوة بدر ، فنزل جِبْرِيل عليه السلام و معه الملائكة مرتدين عمائم صفر على سمة الزبير ، فكان الانتصار الساحق للفئة القليلة على الفئة الكثيرة ، و هو ما لا ينطبق على الصفراوين إطلاقا ، و لهذا أقول أن الأصفر لا يليق بك .. فاللون الأصفر في مرحلة الحداثة المتأخرة التي نعيشها اليوم ، يشير في سيميولوجيته إلى المرض و الوباء ، و هو ما سيصيب فعلا المرحلة القادمة ( الترامبية ) بوباءات و فيروسات كثيرة و ليس فقط الطفح الجلدي !.

فهل يا ترى سيستكين العرب المسلمون أكثر فأكثر لسيميولوجية اللون الاصفر الحداثي و المابعد حداثي ، أم ستزدان سماءنا بعمائم صفر تنتشلنا بعد قلة حيلتنا و كثرة خنوعنا لنعيش من جديد ملحمة : ” و ما رميت إذ رميت و لكن الله رَمَى ” ؟.

فيديو الأصفر لا يليق بك

أضف تعليقك هنا

د. لبنى لطيف

باحثة متخصصة في علم الإجتماع