الإنسانية بين التحزب والاستقلال

يلوم المؤمنون بفكرة الانسانية بقية البشريّة بإن أفرادها لم يختاروا أي شيء مما يدافعون عنه، وبإن الإنسان ورث عن أهله، دينه وعرقه وحضارته وبأنه يدافع عن أشياء لم يخترها، لذلك، فدفاعه عنها غير منطقي بالمرة. دعنا نتتبع اثار هذه المزاعم، ما مدى صحة هذا الطرح؟ وإلى أي مدى يستطيع الصمود أمام العقل والمنطق؟

1 بماذا يتميز المؤمنون؟

اذ يتميز المؤمنون بفكرة الانسانية، مثلهم كبقية المؤمنين بغض النظر عما يؤمنون به، بأنهم يتبعون الهوى فيما يستخدمون من نظريات ودراسات “والتي تخبرنا عن نزعة عنصرية دفينة في الإنسان” لكونه مخلوق لا يعمل بلا جماعة ويعتمد بقائه عليها بشكل أو بآخر.

2 بداية التحزب

لو افترضنا مثلا نشوء إنسان ببيئة لا تفرض عليه أياً من هذه التصنيفات، وهو مستحيل لا يمكنه العيش حيث انه سيوجد لنفسه حزباً – وإن كان بمعزل عن البشر فسيفكر بفكرتين وينحاز لواحدة دون الاخرى ويتحزب لها، وسيقاتل قتالا افتراضيا من اجل ابرازها على حساب الاخرى وسيكون قتاله كقتال من افتكت منه الأرض وهتك عرضه او أكثر سيدخل في قتال همجي لإبراز الفكرة التي تحزب لها.

3 القتال الهمجي

الانسان لا يمكنه النشوء دون عنصرية كما بيننا انفا، فنمط حياته وافعاله وايثاره لذاته هي أكبر المؤشرات لتلك العنصرية الخرساء التي لا تفترض جزر إظهارها، وعليه فإن تحزب الإنسانيين لفكرة الإنسانية هو جزء من تلك العنصرية الدفينة التي تحيا بها البشريّة، والتي لا يمكنها النشوء دونها ومحاولاتهم لتوحيد البشر على إنسانية ما (القانون الإنساني الدولي) لا تختلف -من حيث المبدأ -عن محاولات داعش لتوحيد الأرض تحت رايتهم المجرمة (بتعلة* الجهاد في سبيل دينهم المستحدث) او محاولات هتلر لاكتساح الارض ( على مبدأ نقاوة العرق الآري).

4 الخروج من الظلمات للنور إن تحزب الإنسانيين لفكرة الإنسانية هو جزء من تلك العنصرية الدفينة التي تحيا بها البشريّة

اليوم وبعد كل التطور العلمي والانجازات، أنهى الإنسان كل أعدائه الطبيعيين، فَرَوّض الطبيعة بالعلم ودجّن الحيوانات المفترسة.

ثم فرغت البشريّة لنفسها، تصنع من نفسها أعداءها فتقتلهم وتستعبدهم، وهذا من أكبر القواسم المشتركة في الحضارة الإنسانية، حيث اصبحت ثقافة القتل والموت اليوم تخدم انسانية ما على حساب الاخرى ولها صُنّاعها ومَكْننتها التّرويجيّة، وإن درأ هذا الخطر الذي يهدد النوع البشري أصبح شبه مستحيل.

5 اجندا وايديولوجيا

في ظل نمذجة النظام الرأسمالي الجديد “new liberalism” الذي اصبح مسيطرا على الاقتصاد العالمي وله نفوذ سياسي في كافة اقطار العالم تحول التحزب الى عصر جديد يعتمد على عولمة الأيديولوجيا بنشر وعي زائف بقضايا وهمية تخدم مصالح حيوية واستراتيجية مرحلية للنخبة المسيطرة الراعية لهذا التوجه ضمن نظام حزبي تجاوز الأقاليم ليحقق أحلام الانسانيين لكن بطريقة عكسية.

فقد كرس الفكر و اعتمد المنطق المنشود لإشباع رغباته التي لا تنتهي واسكات اطماعه التي تتزايد يوما بعد يوم تماما كخلايا السرطان, بل وإن افتراض وصول البشريّة إلى درجة مثالية من الوعي حيث ينهي معه الفروق الطبقيّة والأطماع السياسيّة والاقتصادية بين كل البشر هو افتراض حالم لا يعرف عن طبيعة الإنسان شيئا، بل لا أبالغ إن قلت أنها يوتوبيا لا تصلح إلا في مدينة الشمس لكامبلا .


( اسم ): مُبَرِّر , ذَرِيعَة

فيديو الإنسانية بين التحزب والاستقلال

أضف تعليقك هنا